تجرى الآن فى اروقة الدولة ومجلس الصحافة واتحاد الصحافيين المشاورات لتعديل قانون الصحافة والمطبوعات او اعداد قانون جديد بحسب المقتضيات والرؤى التي تتبلور باشراك المهتمين بقضايا الصحافة والاعلام ، ليس المهم التعديل او انشاء قانون جديد بقدر ان يكون ما اتفق عليه يعالج الخلل الذي اصاب مهنة الصحافة خلال الحقبة الفائته ،خلل مس الصحف والصحافيين بشكل مباشر من جهة والحكومة من جهة اخرى . فان امعنا النظر فى قانون الصحافة الحالي نجده قد سلب مجلس الصحافة الكثير من اختصاصاته خاصة تلك المتعلقة بالجزاءات التي يوقعها على الصحف المخالفة للقانون فبعد ان كان من حقه ايقاف الصحيفة لمدة تصل الى سبعة ايام (بالقانون السابق) وهي مدة كافية كجزاء للصحيفة التي خالفت القانون، تقلصت هذه المدة الى فترة لا تزيد عن ثلاثة ايام ما جعل جهات اخرى تتدخل بتعليق صدور الصحيفة لاجل غير معروف ما يشير الى عدم توفير قدر من الحرية الصحافية التي اتاحتها بعض نصوص القانون ،قد يعطي فرصا اكبر للطعن فيما تتيحه الحكومة من حريات. صحيح ان الصحافة لا تنمو ولا تزدهر الا في وجود مناخ معافى تماما من القيود والحبس (الاجباري) او التحرك فى فضاءات ضيقة ، ولكن الافضل والانفع للصحافة نفسها وللصحافيين ان تؤطر مساحات الحرية بقليل من الضوابط حتى لا تتحول الى فوضى مفرطة يصعب (لملمتها) قد يتضرر منها المجتمع بكامله لذا يجب ان نتواضع على قانون للصحافة ينظم المهنة ويعطي مجلس الصحافة صلاحيات واسعة لانزال العقوبات على الصحف المخالفة التي كانت واردة بالقانون السابق وسلبت منه في القانون الحالي ، يستطيع من خلالها ايقاف الصحف (مؤقتا) او انذارها (نهائيا)، ينبغي ان تتكامل الادوار بين المجلس واتحاد الصحافيين في تقريب الشقة بين الناشرين والحكومة والاتفاق على ميثاق يضمن ممارسة المهنة ، تتوازن فيه بين الجنوح المفرط و تضييق مساحات الحريات حتى لا تضطر الحكومة لاستخدام (آليات ثقيلة) فى الرقابة على الصحف ربما اضرت بمناخات الحريات التي اتاحت الدولة قدرا منها ، ربما يكون تأثيره أكبر على الواقع السياسي الذي يواجه كثيرا من الازمات منها تحالفات بقايا الحركات المسلحة التي تحاول الآن احداث اختراق بجنوب كردفان وبدعم من دولة الجنوب كان آخرها محاولة احتلال منطقة بحيرة الابيض ، حيث سجلت (دولة الجنوب) اعترافا بهجومها على المنطقة ، وهي حريصة على احتلالها لانها تمثل لها موردا مهما لتسريب المؤن لدولتها التى تعاني الآن من ضعف شديد في اقتصادها بعد ان فقدت موردها الاساسي عندما اوقفت تصدير البترول ، فمنطقة بحيرة الابيض تمثل لها الرئة الاساسية لتتنفس من خلالها بتهريب الموارد من السودان الى مواطنيها الذين يعيشون اوضاعا معيشية سيئة ، بجانب ان المنطقة تتخذها معبرا لتسريب المؤن والعتاد لقواتها بجنوب كردفان التي لم تنفصل عنها حتى الآن وظلت تقاتل مع تحافات الحركات المتمردة هناك . كما تواجه الدولة ازمات اقتصادية ومناخا داخليا تتقاذفه تكتلات سياسية ونزاعات وحروب فى بعض المناطق فمن الاوفق ان يصاغ قانون للصحافة يضع السلطة الرقابية والجزائية على كاهل مجلس الصحافة حتى يستعيد هيبته واحترامه بين الصحف التي اصبحت تنظر اليه بانه فقط جهة جبائية تستلم رسوم الاصدار والتجديد ولا تستطيع فعل شئ او اصدار احكام تجاه الصحف ، هذا الفراغ الجزائي والرقابي يضطر الاجهزة الامنية استخدام قانونها لايقاف الصحف وربما مصادرة ممتلكاتها فتتضرر الصحف والصحفيون ، ضررا ربما يمتد للحكومة نفسها التي اعلنت مرارا توفير الحريات الصحفية بالبلاد . عموما نحن نحتاج الى قانون يضمن علاقة طيبة بين الصحف والحكومة ، فكل منهما يحتاج للآخر .. فالصحافة تحتاج للحكومة ان تتيح لها مناخا تعمل فيه بحرية بلا قيد تستطيع نقل المعلومات وتحليلها واثراء صفحاتها بالرأي الموضوعي المفيد لتطور البلاد ، بينما الحكومة تحتاج للصحافة ان تلفت نظرها وتنبهها لمواطن الخلل لقضايا مهمة ربما اغفلت عنها في خضم انشغالها بقضايا اخرى . القانون الحالي بجانب انه سلب بعض الصلاحيات الخاصة بمجلس الصحافة فيما يخص انزال العقوبات الخاصة بالصحف المخالفة ما يضطر الحكومة تتدخل ( احيانا) كما ذكرت فى بداية هذا المقال ، فانه ايضا اغفل جانب الرقابة اللصيقة للصحف ومدى التزامها تجاه حقوق الصحافيين على المؤسسات الصحفية .. فمن واجبات الناشر بحسب القانون ان يخصص نسبة معينة من اموال المؤسسة للصرف على التدريب ، وبحسب الممارسة فان ذلك لا يحدث بكثير من المؤسسات الصحفية ، فلا تقوم الصحف بتدريب صحافييها سواء بالداخل او الخارج ، كما ان كثيرا من الناشرين ليست لديهم شروط خدمة للصحافيين على الرغم من ان القانون ألزمهم بذلك وفقا لمعايير قانون العمل ، لذا فمن المتوقع ان يضع القانون القادم الزاما لمجلس الصحافة والمطبوعات بخصوص هذا البند الذي يهم قطاعا واسعا من الصحافيين ، بحيث يخصص المجلس لجنة للتأكد من التزام الناشرين بهذا الواجب المنصوص عليه بالقانون الحالي ويربط ذلك بتجديد الترخيص للصحف . قضية اخرى مهمة تحتاج لإعادة النظر فيها خاصة بتشكيل وتكوين المجلس ويلاحظ انه يتكون من واحد وعشرين عضوا حظ الصحفيين من هذا العدد فقط ثمانية ، وعضوان للناشرين والمطابع ، اما العشرة الآخرون فليست لهم علاقة بالصحافة (خبراء واعضاء بالمجلس الوطني) واللافت للنظر ان هناك امرأة واحدة فقط اى اقل من( 10 %) ، وهذا الامر لا يستقيم لان المجلس يخص الصحفيين فكيف يكونوا هم القلة في عضوية المجلس؟! ، فلابد ان يعاد النظر فى هذا الامر بحيث يكون الصحفيون الاغلبية حتى يقوم المجلس بأدوار أكثر ايجابية تجاه الصحافيين . نتوقع ان يأتي القانون القادم اكثر توازنا بين اطلاق الحريات وضبطها وان يعيد للمجلس سلطاته الرقابية حتى لا يجعل الحكومة تتدخل بشكل ربما اغضب الصحافيين، وان يكون القانون أكثر انحيازا تجاه قضايا الصحافيين .