وزارة الأوقاف لأول مرة تنتفض في وجه هيئة علماء السودان،الجسم الشرعي للفتاوى السياسية،لكنه انتفاض بعد سنوات طوال حدث فيها ما حدث،غير أن الإدراك متأخراً خير من عدمه،فقد ظلت الهيئة تصدر الفتاوى ذات الطابع السياسي دون رقيب،بل أن الذي ينبغي أن يكون الرقيب عليها هو ذاته المستفيد من الفتاوى بل هو من يوجه بإصدار الفتاوى،في ظل وزارة ضعيفة لا تملك صلاحيات للتدخل أو وقف هذا العبث. لكن بصورة عامة،خلال الفترة القليلة الماضية بدأت الدولة تستشعر خطرا من قبل المجموعات الدينية التي هي أذرع فعالة بالنسبة لها وحتى لو استفادت منها في فترات بعينها،إلا أن التخلص منها أو حتى تقويمها إلى وضعها الطبيعي أصعب بكثير مما تتصور الدولة،وليس هنا الحديث عن المجموعات المتطرفة الجهادية التي بدأت تظهر مؤخراً،لكن الحديث قبل ذلك،هو حول رجال الدين الذين يعملون لصالح السلطة إن كانت على حق أو ضلالة،وقد أُنشئت مؤسسات وأجسام تبدو شرعية أخذت تصدر في الفتاوى يمنة ويسرى،تكفر هذا وتُحرم ذاك،وتُحلل ما حُرم بالفطرة..وتنصرف عن كبرى القضايا التي فيها هلاك العباد والبلاد،لتنغمس في فتاوى انصرافية آخرها لا تحتاج في الأصل إلى إفتاء "مهزلة المساج" ،وكل ذلك في خدمة خط سياسي واحد،الوضع وصل المرحلة التي فقد فيها رجال الدين هيبتهم بين مكونات المجتمع ونُخبه وحتى مواطنيه البسطاء،الذين لا يدركون مثل هذه الشراكات...هيئة علماء السودان،مؤسسة ضخمة،تحشد بداخلها عدد مقدر من رجال الدين الذين يجمعهم خط سياسي واحد،حتى لو لم يؤمنوا به،لا يهم،هؤلاء لم يتوانوا في استصدار فتاوى مُفصلة على مقاس ما تتطلع إليه السلطة على حقها وباطلها،فالأمر سيان،الهيئة لم يستفزها ما يُكتب عنها حتى أن تغير إسمها إلى "هيئة علماء السلطان"..هذا فقط جانب من الاستغلال السيء للدين لصالح السلطة،ودع عنك الخطاب الديني الذي هو نتاج طبيعي لمؤسسات ظلت خادمة للسياسة،لكن قطعاً اللوم لا يُرمى على هؤلاء لأنهم مجرد مستخدَمون لا يملكون السلطة. تظل مقولة الشيخ المربي العالم الكبير متولي الشعرواي حاضرة كلما صعد إلى سطح المشهد هيمنة السياسة على الدين واستغلال الدين لصالح السياسة،حيث قال إمام الدعاة "أتمنى أن يصل الدين إلى أهل السياسة،وألا يصل أهل الدين إلى السياسة" وكان لمتولي الشعراوي رأي واضح تجاه الانتماء لأي حزب ديني،ففي رأيه أن الانتماء إلى أي حزب ديني ليس من ركائز الإسلام..حيث قال،أرفض أن انتمي إلى حزب يستجدي عطفي مستنداً على وازعي الديني قبل أن يخاطب عقلي" لقد كفى إمام الدعاة وليته كان بينهم حتى هذه السنوات ليرى كيف بلغ أهل الدين قمة السياسة بل أصبحوا يقودون الساسة أنفسهم في قضايا الأمة. [email protected]