إجتماع مهم لمجلس المريخ غدا    صلاح-الدين-والقدس-5-18    المضادات الأرضية التابعة للجيش تصدّت لهجوم بالطيران المسيّر على مواقع في مدينة بورتسودان    ما حقيقة وجود خلية الميليشيا في مستشفى الأمير عثمان دقنة؟    محمد وداعة يكتب: عدوان الامارات .. الحق فى استخدام المادة 51    الولايات المتحدة تدين هجمات المسيرات على بورتسودان وعلى جميع أنحاء السودان    التضامن يصالح أنصاره عبر بوابة الجزيرة بالدامر    اتحاد بورتسودان يزور بعثة نادي السهم الدامر    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    شاهد بالفيديو.. قائد كتائب البراء بن مالك في تصريحات جديدة: (مافي راجل عنده علينا كلمة وأرجل مننا ما شايفين)    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    شاهد بالفيديو.. شيبة ضرار يردد نشيد الروضة الشهير أمام جمع غفير من الحاضرين: (ماما لبستني الجزمة والشراب مشيت للأفندي أديني كراس) وساخرون: (البلد دي الجاتها تختاها)    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروفيسور "حسن مكي" : حزب البشير غير قادر على بلورة الرؤى والأفكار والقيادة السياسية،،حينما يتعطل العقل السياسي يصبح الوضع كالثعبان الذي قطع رأسه.
نشر في الراكوبة يوم 18 - 06 - 2013

دائماً ما يقدم المفكر الإسلامي وخبير القرن الأفريقي، مدير جامعة أفريقيا العالمية السابق البروفيسور "حسن مكي"، الحائز على درجة الأستاذية في الدراسات الأفريقية في العام 2000م.. دائماً ما يقدم رؤيته حيال التطورات المتلاحقة التي تشهدها القارة الأفريقة لما يتمتع به من قدرة فائقة في تحليل قضايا القرن الأفريقي. وللرجل مؤلفات في الشأن من بينها (الأرومو - دراسة تحليلية)، (تطور أوضاع المسلمين الإرتريين)، (السياسات الثقافية للصومال الكبير 1886-1986)، (أوضاع الثقافة الإسلامية في جنوب السودان)، بالإضافة إلى عدد من البحوث العلمية المنشورة في الدوريات داخل وخارج السودان. ويقدم د. "حسن مكي" في هذا الحوار رؤيته لتداعيات بناء (سد الألفية) الأثيوبي الذي أثار لغطاً كبيراً في مصر والسودان، وأدى إلى تجاذبات في المواقف وردود أفعال واسعة، كما قدم في هذا الحوار رؤية يعدّها مخرجاً للأزمة السودانية المستفحلة، وتصوره لسبل المعالجة والحلول، فإلى مضابط الحوار:
{ د. "حسن مكي".. كيف تصور مستقبل العلاقات بين دولتي الشمال والجنوب في ظل حالة التجاذب المستمر؟
- الجنوب ليس شيئاً واحداً، وكذلك الشمال، وهنالك في الشمال من يهلل ويكبر لسقوط (الإنقاذ)، وحتى الآن أكثر الناس حرصاً على إسقاطها هم من جاءوا بها، وهم مجموعة (المؤتمر الشعبي) بزعامة "الترابي" وكذا، وهم موجودون في الدولة وفي أجهزتها، والدولة كذلك باتت (مخترقة) نتيجة للتدويل، الذي يتم الآن بأموال كبيرة، فميزانية القوات الموجودة الآن بدارفور تبلغ (2) مليار دولار، بحيث تكاد تعادل كل ميزانية السودان، والمخاطر كبيرة.. الشمال ليس شيئاً واحداً، والسلطة مخترقة، وفي الجنوب الاختراق واسع، لذلك قد يقول "سلفا كير" حديثاً إلا أن أجهزة أمنه واستخباراته تتجه اتجاهاً آخر، وفي تفكير آخر، خاصة مع سيطرة (أولاد أبيي) وغيرهم على الأوضاع.
{ تناقلت وسائل إعلام توقيع دولة الجنوب مع شركة (تويوتا) اليابانية لبناء خطوط أنابيب بديل يتجه لميناء (لامو) الكيني.. يبدو أن الجنوبيين بدأوا يحددون مستقبلهم بأنفسهم؟
- كل ذلك مجرد كلام و(هرطقة) ليس إلا.
{ الحكومة أعلنت عن التعبئة العامة والاستنفار وعدنا إلى مربع فتح المعسكرات مرة أخرى.. كيف ترى الأمر؟
- القوة مهمة، ولو كانت القوة واردة لما انفصل الجنوب، لناحية وجود استحالة مادية في الخروج عن الدولة، واستحالة مادية في التمرد، ولكن القوة ليست هي فقط القوة العسكرية، بل يجب أن تكون معها قوة اقتصادية وسياسية وفكرية واجتماعية.
{ لكن القوة لم تحل المشكلة بين الشمال والجنوب بل حلتها (نيفاشا)؟
- لأن القوة لم تكن موجودة، والوضع السوداني كان هشاً وضعيفاً، المشكلة ليست في (نيفاشا) بل في الأجنبي، (نيفاشا) كانت إملاءً وليست اتفاقية، لأن موازين القوى ليست في الصالح، لم يكن بينهم عربي، ولا نصير واحد.
{ هل ستستمر دولة الجنوب؟
- بالطبع ستستمر في دعم وجود هذا المخلوق، وستوفر له أكسجين الحياة، والجنوب في النهاية ليس دولة بمعايير الدول، أنما هو (دولة فاشلة) تحكمها منظمة عسكرية، وستستمر.
{ أثير لغط كثيف حول (سد الألفية) الأثيوبي.. كيف تقرأ ذلك؟
- لقد أقمنا ندوة ضخمة في مركز الجامعة للبحوث والدراسات عن هذا السد، وأتينا بمتحدثين من السودان وأثيوبيا، وكان من بينهم وزير الري والموارد المائية الإثيوبي نفسه، وكبير مهندسي السد، ومن السودان تحدث خبراء السدود وعلماء الفكر السياسي السوداني، ووجهنا الدعوة للسفارات العربية والأفريقية وكانت ندوة مشهودة، ولو بذلت الدولة نصف ما بذلناه، وأيضاً الصحافة السودانية، لتوافرت معلومات كثيرة عن هذا السد.
{ على الجانب المصري يبدو وكأن المصريين فوجئوا بقيام هذا السد عقب تحويل أثيوبيا لمجرى النيل الأزرق.. لماذا برأيك؟
- الإعلام المصري سقط، ليس في (سد الألفية)، بل حتى في ما بعد (ثورة يناير)، حيث كال اتهامات جزافية وكاذبة، اتهامات لدول وأشخاص، والإعلام المصري مثل (فضيحة) في الحقيقة في هذه الأوضاع. لذلك ما يحدث الآن هو أن الإعلام المصري كأنه في (حالة هوس)، ولكن ما يحيرني في الإعلام المصري أنه الآن يتبنى الأجندة اليهودية والإسرائيلية، لأن إسرائيل أصلاً تريد تحويل اهتمام الشعب المصري بأن الخطر إنما يأتي من الجنوب، من السودان، ومياه النيل وحرب المياه، بدلاً من كونه يأتيهم من الشرق، وبالتالي يجب على مصر مصالحة إسرائيل وتتفرغ لحرب المياه، والإنسان دائماً ما تقوده الأوهام عوضاً عن حقائق الواقع.. والحقيقة أن (سد الألفية) لا يشكل خطراً على حصة مصر من المياه، ما يشكل خطراً على حصتها هي (مفوضية عنتيبي)، وهذان مشروعان مختلفان.
{ كيف ذلك؟
- (مفوضية عنتيبي) تريد فتح ملف اتفاقيات مياه النيل، أما سد الألفية فهو (مجرد خزان) مثله مثل (السد العالي)، و(سد الألفية) نفسه يخزن نصف ما يخزنه (السد العالي)، وفي تلك المنطقة لا يمكن حجز المياه، وإلا لانهار السد وتضيع أثيوبيا نفسها والسودان، وفي ذات الوقت ليس في هذه المنطقة مجال للزراعة المروية لأن بها أمطار تستمر لسبعة أشهر في العام، ولا تحتاج إلى المزيد من الأمطار، ويخرج منها نهرا (الدندر) و(السوباط) وأنهار صغيرة أخرى.
{ هل يمثل (سد الألفية) خطراً على مصر والسودان كما يتم تداوله عبر بعض أجهزة الإعلام؟
- الاستفادة ستتم من هذا السد في إنتاج وتوليد الكهرباء لمصلحة الجميع.. وأعتقد أن الحكومة المصرية هي حكومة راشدة، ولكن بكل أسف فإن التصريحات (المسمومة) خرجت من البعض في السودان. بالنسبة للخطر على مصر والسودان، أقول لك إن نهر النيل كنهر دولي يتطلب وجود اتفاقيات لتنظيم المياه به، وحتى تزول الشكوك كان يفترض بإدارة السد أن تجعله شراكة ما بين مصر والسودان وأثيوبيا على أن يكون لها النصيب الأعظم من الأسهم، وتكون الإدارة والتمويل مشتركين، ولكن انفراد أثيوبيا بالمشروع ووضعها مصر والسودان أمام الأمر الواقع هو الذي يفتح باب التساؤلات والشكوك، ولكن بدبلوماسية والتواصل يجب أن لا نخسر أثيوبيا الدولة المهمة ذات الامتدادات والتشعبات الدولية، وبها (100) مليون من البشر، وأكبر تجمع سكاني أثيوبي هو التجمع الإسلامي، فنصف سكانها هم من المسلمين وهم قادمون، وأصبحوا سادة الدولة، ولكن إذا ذهبنا في اتجاه الأجندة الاسرائيلية بأن يكون هنالك عداء لأثيوبيا، فإسرائيل تريد أن تحترق العلاقات العربية الأثيوبية على نحو ما حدث في دارفور.
{ بعض وسائل الإعلام ذهبت بعيداً بأن بعض المنظمات اليهودية هي من قام بتمويل بناء (سد الألفية)؟
- قد يكون ذلك صحيحاً، لأنه يخدم (إسرائيل)، وأي مخطط تضعه هذه الدولة ينجح بعشر مرات مما خطط له، من ذلك مخطط دارفور، والوقيعة بين العقل العربي والعقل الأفريقي. والحديث عن (الجنجويد) أشعل نار العصبية والجهوية والمناطقية بالسودان، لذلك يجب علينا أن لا نخلي القاطرة الأثيوبية ونتركها للعقل الإسرائيلي، والخزينة الأثيوبية يجب أن لا نتركها ليملأها (الشيكل) الإسرائيلي.
{ ماذا كان يجب على مصر أن تفعل حيال هذا المشروع؟
- التواصل مع السودان ومحاولة كسبه باعتباره (وسيطاً)، ولا تجعل السودان كأنه (في جيبها) وتعتبر أن أي موقف مصري يمكن أن يتبناه السودان، وأن السودان يعمل بمنطق (عليّ وعلي أعدائي)، ثم أن أثيوبيا دولة صديقة، والشعب الأثيوبي شعب ودود وأخوة يجب أن نكسبهم، ويجب أن لا يعتبر (خميرة عكننة) لمصر والسودان، وربنا حينما وضع نافورة المياه في الهضبة الأثيوبية وضعها لسر ما، وحينما جعل الهجرة الأولى إلى الحبشة جعلها لسر أيضاً، ويجب أن نحمي ظهر أثيوبيا من الأمريكان واليهود وغيرهم، و(تسميم) العقول بالنسبة للعلاقات العربية الأثيوبية ليس من شأننا في هذه المرحلة، ولن نكسب.
{ ما هو المطلوب إذن؟
- المطلوب هو تحصين أثيوبيا ضد التأثيرات السلبية، وذلك لن يتأتى بالحمل عليها أو بالتصريحات (الملغومة) ضدها.
{ كيف ترى مستقبل (المصالحة الوطنية) في السودان؟
- أعتقد أن من يقف في طريق المصالحة الوطنية تمسكاً بمنصب أو وظيفة، أو استخداماً للدين وما شابه، إنما يرتكب جريمة في حق الوطن.
{ البعض دعا إلى تكوين حكومة قومية باعتبارها حلاً للأزمة.. هل أنت معها أم ضدها؟
- أنا ضد استخدام المصطلح لتمديد عمر النظام، يجب أن تكون هنالك حكومة يرأسها رئيس وزراء جديد له كل الصلاحيات وهو من يقوم بتكوين الحكومة.
{ ماذا عن مسائل الدستور والتحول الديمقراطي؟
- هذه كلها متروكة لحكومة الترتيبات الانتقالية، وليس لهذه الحكومة.
{ هل تقبل مؤسسات (المؤتمر الوطني)؟
- هذه ليس لها حول ولا قوة ولا طول.
{ ماذا عن مستقبل (الجبهة الثورية)؟
- بقيام الانتخابات، وفي حال وضعها للسلاح فإن (الجبهة الثورية) ليس لديها مستقبل سياسي كبير، وهي نفسها قوى ليست متجانسة، ورصيدها في الأعمال قد لا يؤهلها لقيادة السودان، إلا أنها ستكون موجودة، لأن التمثيل النسبي سيسمح بتمثيل أية قوى سياسية، ويستحيل بالتالي إقصاء أية قوى في المرحلة المقبلة، وليس من الحكمة إقصاء أي منها.
{ هل يتم تكوين الحكومة القومية أولاً ثم تتم الدعوة لانتخابات أم كيف ستسير الأمور؟
- ذلك متروك لحكمة رئيس الوزراء القادم، فإذا شاء أن ينهي الحروب فذلك أمر مطلوب، إذا وجد تجاوباً من الحركات التي رفعت السلاح وقام بإدخالها في الحكومة القومية، فذلك يعني (ليلة قدر على السودان)، أما في حال لم يحدث ذلك فإن حكومته ستكون ذات الحكومة (الأكتوبرية).. بمعنى أن يتم تكوين الحكومة، ثم تدخل هذه الحكومة بعد ذلك في التفاوض مع الحركات المسلحة.
{ هل ستقبل (الجبهة الثورية) بذلك؟
- لا أعتقد أن الحركات المسلحة ستكون (مستعجلة) في الدخول في الحكومة، وإذا حدث هذا، فإن ذلك سيكون (عصمة) للسودان.
} يقول بعض المراقبين إن الراهن السوداني بات شديد التعقيد.. كما أن عسكرة المشهد برمته ربما تفضي إلى نهايات أقرب إلى الصوملة أو دخوله إلى وضع يصعب الرجوع عنه.. كيف تقرأ أنت الواقع الحالي؟
- أرجو أن لا يحدث ذلك، لأن حتى الفرقاء المتصارعين فيهم من العقلاء من لا يرجون أن يصل الوضع إلى ذلك، ولكن المشكلة في السودان أن القادة سواء أكانوا في المعارضة أو الحكومة، ونتيجة لظروف السودان الثقافية وضعف الطبقة الوسطى وترامي أطراف البلاد، بالإضافة إلى استشراء العصبية والجهوية وغيرهما من الإشكالات، يصبح القائد أهم من مؤسسته، ويصبح رئيس الحزب أهم من الحزب، كما يصبح رئيس الدولة أهم من الدولة، وبالأخير يصبحون كلهم أهم من الشعب.
} أين الشعب من كل ذلك؟
- للأسف الشديد الشعب أضحى مغيباً، والنخبة السياسية التي لديها القدرة على تعريف جملة مفيدة مغيبة كذلك، وباتت البلاد كأنها (عزبة) أو مملكة خاصة، وحدث هذا في الأمور الدبلوماسية في (سد النهضة) على سبيل المثال، من قام ب(تسميم) علاقات البلاد مع إثيوبيا بغير سبب، ودون حتى أن يفهم معطيات ومطلوبات العلاقات السودانية الإثيوبية، ما يدل على أن الأمور باتت خارج دائرة السيطرة، ولكن السودان يعصم حيث تعصمه طبقاته الوسطى والمستنيرة، ففي أكتوبر جلست هذه المجموعة وعصمت البلاد من الانفلات، فكان قرار تكوين الحكومة الإكتوبرية الأولى التي تراضت عليها كل القوى السياسية، وفي (أبريل) كذلك حينما فعلها العقلاء في الجيش مع العقلاء في الوسط السياسي عندما انحازوا لمطالب الشعب السوداني، وسيحدث ذلك للمرة الثالثة.
} تتحدث عن التغيير وأنه سيحدث لا محالة..ما هي المعطيات التي تستند إليها؟
- التغيير السياسي في السودان يأتي بشروطه، ولن يأتي تقليداً لما حدث في (مصر) أو (تونس) أو غيرهما، أعتقد أن المؤسسات سواء في المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية، أو المؤسسات المدنية ستتراضى، وأعتقد أن الرئيس "البشير" نفسه يعلم بأن الأزمة مستحكمة، وأنه آن الأوان لأن يضع البلاد في اتجاه جديد، اتجاه مصالحة وتغيير، واتجاه قبلة سياسية جديدة.
} فرض العمل العسكري نفسه في خاتمة المطاف.. ونرى اليوم اشتداد المواجهة العسكرية ما بين الحكومة و(الجبهة الثورية)؟
- أولاً (الجبهة الثورية) لم تدخل قلوب الناس وفقدتها عوضاً عن أن تكسبها، لأنها حينما دخلت إلى (أبي كرشولا) لو أنها أحسنت التعامل مع الناس، وقالت من دخل دار (المؤتمر الوطني) فهو آمن، ومن دخل دار (حزب الأمة) فهو آمن، لكسبت القلوب، ولأكسبها مثل هذا الخطاب حب الشعب السوداني، لكنها دخلت إلى هناك على (المساكين) والمستضعفين، فأذلتهم وذبحتهم وشردتهم، فحكمت (أبو كرشولا) بدون سكان، وذلك لا يمكن أن يكون (فتح)، و(الجبهة الثورية) حتى إذا جاءت إلى الخرطوم وجعلت كل أهل المدينة لاجئين، بحسب ما كان يرد في الخطابات الأولى لحركة (تحرير السودان) وغيرها، وحديثها عن تحرير السودان من الثقافة العربية الإسلامية، وكذا، واستبيحت الخرطوم، في النهاية ستقهر، لأنها ترتكب ذات الخطأ الذي وقعت فيه الحركات في دارفور حينما أساءت إلى المجتمع، فتحرك المجتمع وصفى حسابات تاريخية.
مقاطعة..
ولكن (الجبهة الثورية) بحسب ما تقول هي طورت من خطابها السياسي.. وضمت قيادات من الوسط من أمثال "التوم هجو" و"نصر الدين الهادي المهدي" وتقول إن قيادات من الشرق ستنضم إليها من أجل إقامة سودان جديد؟
- أرجو أن يكون ذلك صحيحاً، ولو أنها فعلت ذلك لكسبت قلوب الناس، ولكن ما فعلته في (أبو كرشولا) حيث فر منها (34) ألف مواطن، صوت إدانة كبيرة، وأرجو أن لا تكون مثلها ومثل الأحزاب السودانية الأخرى أن تستنصر وتستعين ب(المغفلين النافعين)، وهذا ليس وقفاً على (الجبهة الثورية)، ف(المؤتمر الوطني) أيضاً به جبهة كبيرة من (المغفلين النافعين) و(حزب الأمة) كذلك، وفي النهاية يكون رئيس الحزب أهم من حزبه ومن النخبة ومن المكتب القيادي، وعلى أي حال ما فعلته (الجبهة الثورية) في (أبو كرشولا) أنها دخلت إلى هناك وكانت تحمل قوائم بأسماء مكتوبة، وذهبوا إلى رئيس (المؤتمر الوطني) وكأنه هو رئيس الحزب في السودان، وهو نفسه شخص مغلوب على أمره، وليس له من السلطة سوي توزيع (شوية شوالات سكر وجركانات زيت)، ذبحوه ذبح الشاة وذبحوا أحد الجزارين ذبح الشاة وكوموا لحمه، وهذا يعتبر (جنون).
} البعض يلوم (المؤتمر الوطني) بأنه سد الأفق أمام ايجاد أية حلول سياسية سلمية وجعل العسكرة هي السبيل الوحيد وبالتالي من أراد التغيير أمامه فقط خيار الالتحاق ب(الجبهة الثورية) التي يقوى عودها يوماً بعد الآخر؟
- قد يكون ذلك صحيحاً ولا أنكره، ولكن البديل لابد أن يكون أفضل، على الأقل لم يقم (المؤتمر الوطني) بذبح الناس ذبح الشاة. لكن الإساءة حتى للمقتول، وتصفية الحسابات، وتهجير المساكين بعدد (34) ألفاً، وهم لا يعرفون لا (مؤتمر وطني) ولا (جبهة ثورية) ولا غيرها، وهم أصلاً كانوا في معاناة ومهمشين، ومعدمين ومعذبين في الأرض، يتم تعذيبهم مرة أخرى فيكون العذاب مزدوجاً، فمن يقبل بذلك سوى الإنسان و(السادي) المأساوي.
} قلت إن السلطة الحاكمة (حررت شهادة وفاتها).. ما هي الحيثيات التي استندت عليها؟
- مايحدث الآن، إذا لم تغير السلطة مناهجها ومسالكها، وما لم تنظر إلى الوضع القائم نظرة فاحصة، فليس معنى ذلك أنها إذا استمرت ل(23) عاماً فإنها ستستمر لذات المدة مرة أخرى، الإخفاقات التي تحدث الآن سواء أكانت عسكرية أو سياسية أو اجتماعية كافية لوأد النظام، ولكن قل اللهم مالك الملك، وأعتقد أن النظام الآن ينتقل، ولا أحد يعلم الغيب سوى الله، ينتقل من مرحلة (تؤتي الملك من تشاء) إلى مرحلة (تنزع الملك ممن تشاء)، ولكن إذا لم يصلح النظام ما فيه، فإنه سيتم تحرير شهادة الوفاة له من الداخل أو من الخارج.
} بمناسبة (الداخل) لوحظ أن كل مبادرات (الإصلاح) لم يترك لها أن ترى النور.. ما هي الأسباب؟
- هي رأت النور بالفعل، والدليل وجود محاولة انقلاب عسكري كاملة، كل دارس للعلوم السياسية، يعلم بأن الأرض تنقص من أطرافها، والله سبحانه وتعالى قال إن الملك ينقص من أطرافه، انفصال الجنوب وتداعي دارفور، واليوم (كردفان) وغداً (الشرق) إذا هنالك (اختلال) في المركز، أعتقد أن الكلمة بلغت رئيس الجمهورية بدليل أنه عفا عن الذين كانوا ينوون الإطاحة بالنظام، وهؤلاء كانت لديهم المقدرة، وحتى لو لم تنجح الإطاحة فكان سيحدث تخريب كبير.
} ماذا يعني عفو الرئيس عن هؤلاء؟
- يعني أن الرئيس يشعر بأن الأوضاع السياسية تدفع الناس دفعاً إلى اتخاذ مثل هذه الخطوات، وتجعلهم يخرجون من طورهم، وأن هنالك مفارقات كبيرة، وبلا شك فإن إلمام الرئيس ومعرفته بأوضاع السودان أفضل مني ومنك، فالتقارير بين يديه، وهنالك رجال مخلصون في الأمن والاستخبارات يبصرونه ويضعونه على الخارطة.
} إلى ماذا يمكن أن يفضي رفض محاولات الإصلاح المتكررة؟
- الإصلاح في ظل الأوضاع الراهنة ليس بالأمر السهل، وذلك لأن رئيس الجمهورية نفسه أحياناً يجد نفسه مكبلاً، وأن أي إصلاح ربما يأتي بانشقاق جديد ويضعف مركزه وجيشه وأمنه وهيبته، لذلك لابد أن يكون حذراً، ولكن هذا الحذر إذا لم تكن معه حكمة سياسية، ويعلم أن الأمور بلغت وضعاً لا يمكن السكوت عليه، فستكون الفاتورة مكلفة، لذلك فإن الرئيس "حسني مبارك" في آخر أيامه لو أنه استطاع فهم الرسالة وقاد التغيير، لكان وضع مصر الآن مختلفاً، لكنه تأخر جداً إلى أن انفلتت الأمور، وجاءت بعدها سلطة جديدة لم يكن أحد يعرف قادتها، ولم يكون في الحسبان، وحتى (الأخوان المسلمون) في مصر قالوا ليس لديهم مرشح لرئاسة الجمهورية، وحينما رشحوا رشحوا "خيرت الشاطر" ثم رشحوا "مرسي"، وحتى في الانتخابات كانت هناك محاولة للدعوة للانتخابات للمجيء ب"أحمد شفيق"، إذاً كلما تأخرت كلما تعقدت الأمور.
} (الإنقاذ) هذا الشهر في طريقها لاكمال قرابة ربع قرن في الحكم.. فكيف تقيِّم تجربتها
- هنالك إخفاقات، كما أن هنالك نجاحات، ومن نجاحات الإنقاذ هو تحالف الحكومة السودانية مع الصين، والذي لولاه لما كان النفط أو سد مروي، ولولا الصين لما كانت الطرق والجسور، ولما كانت تعلية الروصيرص ولا كان الوضع الاقتصادي سيستقيم فهذا انجاز كبير، ولكن أكبر إخفاق كان في المشروع السياسي، وذلك أن العاملين في المشروع السياسي أضحوا موظفين في الحزب، باتوا (بيروقراطيون) وليسوا ساسة، وكل من يشتم فيه رائحة السياسة يتم إبعاده، يتم إبعاد كل من يمتلك الحكمة السياسية أو الاجتهاد السياسي.
} لماذا برأيك؟
- لأنهم يريدون الناس أن يكونوا كطوابع البريد أو كأحذية (باتا) يتشابهون، ويؤدون وظيفتهم ويتم بهم إرسال الخطابات و(المراسيل)، ويريدون الحزب أن يكون مثل المؤسسة العسكرية قائماً على الطاعة والضبط والأمر، وهذا الوضع للأسف الشديد أدى إلى فساد سياسي واقتصادي نسمع عنه، وأدى إلى (تنميط) الأشخاص، وبات الحزب غير قادر على بلورة الرؤى والأفكار والقيادة السياسية، وصار غير قادر على القيادة وإنتاج الحكمة السياسية، أصبح فقط متلقياً للأوامر، الحزب يبدو لي في حالة افلاس سياسي وفي هذه الحالة ترتبك الدولة، وحينما يتعطل العقل السياسي يصبح الوضع كالثعبان الذي قطع رأسه.
} هنالك تقارير تحدثت عن دعم دول أفريقية للحركات المسلحة.. ما مدى صحة مثل هذا الحديث؟
- أنا ليس لدي شك على الإطلاق بأن الحرب التي تدار ضد السودان هي حرب سرية، وهذه الحرب فكراً ومدداً تنطلق من (جنوب السودان) ومن ورائها (إسرائيل) التي هي وراء كل الفوضى الخلاقة الضاربة في المنطقة، كما تقوم بهذه الحرب أجهزة استخبارات مقتدرة، وتستعين بكل وسائل العلم، وهنالك دور مزدوج للاستخبارات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، وأخشى ما أخشاه أن التصريحات المسمومة التي جاءت من بعض المسؤولين حول قيام (سد الألفية) تحدث انقلاباً علينا في (إثيوبيا)، وأي تحول يحدث في هذه الدولة أو في (تشاد)، فإن الموازين العسكرية ستنقلب رأساً على عقب.
المجهر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.