حينما تقرأ اللافتات الدعائية لبعض مؤسسات الدولة السودانية الراهنة، تظن للوهلة الاولى أن كاتبي هذه اللافتات ومؤلفي العبارات جادون ومجتهدون في اطلاق التوصيفات الخاصة بمؤسساتهم، ولكن حينما تدخل عليهم الباب وتشرع في تصديق اللافتات والشعارات، تكتشف ان الأمر لا يعدو كونه مزحة سخيفة ونوعاً من الغش والدغمسة، وهي أمور لا يمكن أن تكون مستحبة قطعاً، ولا يمكن أن تغير النظرة الشائعة تجاه جميع اللافتات التي تحمل كلمة استثمار، ويكفي هذا الصنف من الممارسة الحكومية بشاعة أنه أصبح حبيساً لما تعارف عليه الناس عبر ملفات منشورة بأنه باب كبير من ابواب الرشوة والفساد للدرجة التي توعد فيها وزير الاستثمار د. مصطفى عثمان بمعاقبة اي موظف من موظفي وزارته او المفوضيات التابعة لها حال اكتشافه لمسلك معوج. وبسبب من ذلك النهج القديم شكا عدد من المستثمرين الوطنيين من تأخر معاملاتهم لدى ما يسمى مفوضية تشجيع الاستثمار، حيث ذكروا أنهم تقدموا بطلبات منذ ما يقارب الشهر دون أن يبت المفوض فيها، وكلما جاءوا الى مبنى المفوضية آنفة الذكر فوجئوا بمن يسألهم من أنتم وماذا تريدون وهل اتصلت عليكم المفوضية عبر الهاتف للحضور لمتابعة اجراءاتكم؟ باعتبار عدم المتابعة، ثم يتفاجأون حينما يتم التعرف على اسماء اعمالهم بأن القرارات أمام السيد المفوض وان عليهم الانتظار الى حين حضور سيادته للإطلاع واصدار القرارات، وانهم سيظلون في حالة انتظار ولن يهاتفهم أحد أصلاً، وهو ما جعل بعض المستثمرين ينتظرون أسابيع متطاولة ويترددون على المفوضية للفوز بقرار المفوض الذي يفترض فيه تشجيع الاستثمار. ولشرح ملابسات الشكوى وتشريح الإجراءات التي تقوم بها المفوضية تحت مزاعم تشجيع الاستثمار وتحت مزاعم «النافذة الموحدة»، فإنه يتعين على من يريد من الدولة أن تشجعه علي الاستثمار أن يدفع للمفوضية رسوماً متعددة تحت مختلف المسميات، بدءاً من التصديق ورسوم إدراج شريك ورسوم موقع مؤجر ورسوم طلب الحصول على ميزة أرض ورسوم طلب الحصول على ميزة استجلاب معدات ورسوم طلب ميزات وغيرها من الرسوم، وعليه خلافاً لمزاعم النافذة الموحدة أن يبحث عن مكاتب مؤسسات حكومية اخرى ذات صلة مثل مكاتب الصناعات ليقنعهم بزيارة موقعه المؤجر وعليه «المتابعة معهم» الى حين تسجيلهم لزيارة الى موقعه المؤجر، وهم مخيرون اذا شاءوا وافقوا واذا لم يشاءوا رفضوا، كما أن على المستثمر بعد أن يدفع للمفوضية رسوم الحصول والتمتع بميزة الأرض لإقامة مشروع الاستثمار عليها، أن يتابع مع «ناس الاراضي» ويدفع لهم هم ايضاً، عسى ولعل أن يفوز بقطعة أرض لإقامة مشروعه عليها، وعليه وعليه وعليه وهلمجرا. إن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، ومن الواضح أن هذا البلد رغم توفره على المقومات العديدة لنجاح الاستثمارات، إلا أنه كتب عليه دوام التوهان في دهاليز العبث الإجرائي وعدم الشفافية والمصداقية، إضافة إلى قلة الخبرة وبؤسها في ما يلي القائمين على أمر الاستثمار، فالرشاوى التي كانت تطوق عنق الاستثمار ساهمت في تشريد المستثمرين العرب وليس الأجانب، فالأجانب لا يتحملون أصلاً الفساد وانعدام الشفافية، أما المستثمرون الوطنيون فهم يواجهون الإجراءات الحلزونية والدوران في دائرة مفرغة وإضاعة الوقت. وقد حكى أحد أولئك بأنه استجلب معدات من الخارج لانشاء مشروعه، ولكنه مهدد اليوم بعد ضياع اوقات ثمينة في التردد على ما يظن انه من مشجعات الاستثمار بوصول المعدات دون الحصول على ميزة الإعفاء الجمركي والضريبي، لأن هذين الإجراءين مرتبطان و «مربوطان رباطاً غليظاً» باجراءت أخرى تحت قيد النظر والانتظار الى حين إصدار القرارات، والأخيرة مربوطة هي نفسها برباط «إلى أجل غير مسمى»، وعلى المستثمر أن يتعود في ظل هذه الاوضاع على الدوران في حلقة مفرغة. الصحافة