حاجة زهرة وحاجة بتول امرأتان من كبار السن اللائي لا يرجون نكاحاً حسب وصف القرآن الكريم، ضعف منهن البصر وثقل السمع، دار بينهن مرة الحوار التالي: حاجة زهرة: كيف اصبحتي حاجة بتول حاجة بتول: سجمي وافليلي قلتي لي المات منو.. حاجة زهرة: إنتي ماشة السوق حاجة بتول: لا أنا ماشة السوق حاجة زهرة: معليش كنت قايلاك ماشة السوق مثل هذا الحوار الذي لا يلتقي فيه المتحاوران أبداً وكأنهما قضبا سكة حديد، يطلق عليه «حوار الطرشان». ومن أمثلته أن اطرشين التقيا مصادفة وكان كل منهما يحمل بندقيته وهو ذاهب للصيد، ودار بينهما حوار مثل ذلك الذي دار بين الحاجتين بتول وزهرة، وبدلاً من أن يترافقا سوياً ذهب كل منهما في طريق، وحول مثل هذا الحوار العبثي غير المنتج أطلق الزعيم المصري الكبير سعد زغلول عبارته التي جرت مثلا «جورج الخامس يفاوض جورج الخامس»، حين وجد ان الانجليز وكان ملكهم حينها هو جورج الخامس، قد أوكلوا من عينوه هم من المصريين على رأس الوزارة في مصر لمفاوضة المصريين، وبدا الامر وكأن الانجليز يريدون مفاوضة أنفسهم وليس المصريين ومن يمثلونهم. الحوار الوطني أو أي حوار حول قضية أو قضايا ما، أسلوب حضاري شريطة أن يكون وسيلة لغاية وليس هدفاً لذاته بمعنى أن يكون الحوار من أجل الحوار فحسب، ويشترط فيه أيضاً أن تكون أسسه واضحة وأطرافه متفقة على القضايا موضوع الحوار ونية الطرفين منعقدة فعلا للبحث الجدي عن حلول ومخارج عملية للمشكلات والقضايا المتحاور حولها، فإذا استوفى الحوار هذه الشروط عندها يكون هو الحوار المطلوب المنتج والمثمر والمحمود، أما بغير ذلك فلن يكون سوى «طق حنك» او حوار طرشان محكوم عليه بالفشل قبل بدئه، ولن يورث شيئا سوى ضياع الوقت وتأزيم ما هو متأزم أصلا من قضايا، إن كان مثل هذا الحوار مجرد تكتيك لفرض الامر الواقع على الاطراف الاخرى او استغلال «شكلانيته» لتمرير سياسات أو قرارات معينة. كثيراً ما سمعنا عن دعوات أطلقتها حكومتنا للتحاور مع الاطراف الاخرى من أطياف المعارضة التي تناهض سياساتها وترفض طريقة ادارتها وحكمها للبلاد، وكثيراً ما انعقدت جلسات حوار بناءً على هذه الدعوات، منها ما اقتصر على أحزاب معينة ومنها ما جمع كل الاطياف، ولكن للأسف في الحالتين النتيجة واحدة وهي صفر كبير، بل الملاحظ حتى على دعوات الحوار انها لا توجه من الحكومة للاحزاب الاخرى الا عندما يحزبها امر او تلم بها ضائقة او تواجهها كارثة فتتخذ من الحوار مطية تركبها ريثما تمر الازمة التي تعانيها، فتعود بعدها إلى حالها القديم وهكذا دواليك، وهذا ما نخشاه على الدعوة الجديدة للحوار والتوافق التي انطلقت من الحكومة هذه الايام، أن تكون مثل سابقاتها بلا جديد يذكر بل قديم يعاد، والطبع كما يقولون يغلب التطبع، فمن لم يعرف يوماً غير لغة الاوامر والنواهي واذعان من يأمرهم دون مجادلة، لن يدرك بالضرورة معنى كلمة «حوار» اللهم إلا على صيغة «حوار الشيخ» وفي كل دعاوي الحوار السابقة تبدو الحكومة وحزبها كمن لا يرغب في سماع أي صوت سوى صدى صوتهما يرتد إلى أسماعهما، ولا يرغبان في سماع إلا ما يريدان سماعه، وبهذه المناسبة، مناسبة ان الحكومة وحزبها لا يرغبان إلا في سماع ما يروق لهما، تحضرني طرفة القسيس والقموسنجي والفقير، قيل إن هؤلاء الثلاثة التقوا مصادفة في مكان ما، وكانوا يسمعون صوت منادِ لا يبين منه إلا المقطع الاخير «آن»، قال القسيس إن الصوت يقول كل من عليها فان، قال القموسنجي بل انه يقول من يسافر إلى بورتسودان، بينما قال الفقير لا بل يقول يا كريم الإحسان، وعندما اقترب المنادي ووضح صوته وجدوه يقول من يشتري الباذنجان...!! الصحافة