بعد صدور بيان الجيش المصري أمس.. يبدو أن رحيل الدكتور محمد مرسي عن كرسي الرئاسة في مصر بات أمراً محتوماً.. ورغم أن أول رئيس مدني منتخب ديموقراطياً لم يمكث في سدة الحكم إلا عاماً واحداً.. لكن يبدو أنه كان ضحية الحسابات الخطأ.. التي أنجبتها المفاهيم الخطأ. أول هذه الحسابات الخطأ.. أن فوز الإخوان المسلمين بغالبية مقاعد مجلس الشعب (البرلمان) ثم تأكيدها للفوز بالحصول على ثقة الناخبين لمنصب رئيس الجمهورية.. هذه الانتصارات ألهمت قيادة الجماعة بأنها تحكم مصر (حصرياً).. بلا منافس أو مخاطر.. وأن الجماهير التي خرجت في الشارع وأطاحت بالمخلوع حسني مبارك انتهى دورها.. وعادت إلى (سكناتها) كما عاد الجيش إلى (ثكناته!) بعد حل المجلس العسكري الإنتقالي. د. مرسي دخل في معركة خاسرة ضد القضاء المصري.. حسابات جماعة الإخوان المسلمين افترضت أن خروج المجلس العسكري بالقاضية الفنية التي وجهها لهم مرسي بعد أحداث رفح.. يمكن تكرارها ضد القضاء المصري.. فصدر الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 .. والذي كان الشرارة التي أشعلت كل هذا الحريق في مصر الآن. ورغم أن الإشارات السالبة للإعلان الدستوري كانت كافية منذ وقت مبكر لتحذير مرسي من المضي قدماً في هذا الإتجاه.. إلا أن د. مرسي أمعن في الهروب إلى الأمام.. فأعلن عن استفتاء على دستور سُلق سلقاً لتوفير غطاء دخاني لتجاوز الإعلان الدستوري.. جماعة الإخوان المسلمين كانت وعدت الشعب المصري خلال أيام الثورة الأولى أن لا تدخل الانتخابات بأكثر من نصف المقاعد.. لكنها تراجعت ودخلت في غالبية الدوائر.. ثم وعدت في حال فوزها بأغلبية في البرلمان أن تنأى عن الدخول لإنتخابات الرئاسة.. حتى لا تمسك بالسلطتين التنفيذية والتشريعية.. لكنها عادت ونكصت وخاضت انتخابات الرئاسة وظفرت بها.. ثم وعدت بتوسيع دائرة المشاركة لأطياف السياسة المصرية.. لكن كل الوعود هزمها الإحساس (القاتل) بالسيطرة.. وربما الغرور Arrogance الآن انتهى الزمن.. ولم يعد في يد د. مرسي أية خيارات إلا الإستقالة.. وهو قرار باهظ التكاليف لجماعة الإخوان المسلمين.. إذ سيرجعهم إلى صفوف المعارضة.. وربما لسنوات قادمات.. ليس كأي رجعة.. محملين بفواتير ثقيلة سدادها يتطلب جهداً سياسياً خارقاً.. وزمناً. أهم المكاسب التي سيحصل عليها الشعب المصري من استقالة مرسي.. أن الرئيس القادم – أيا كانت بطاقته الحزبية- سيفتح عينيه على (ميدان التحرير) ويعلم أنه حاكم بأمر الشعب لا بأمر حزبه.. وأن المساس ب(سلك) القضاء، مثل لمس (سلك) الكهرباء.. مميت. يعلم الرئيس المصري الجديد وحكومته أن لعبة الديموقراطية لا كبير فيها.. إلا الشعب..