منذ بداية يونيو المنصرم، ظللت احتبس نفسي من فرط الهم والغم الذين اعترياني، خوفاً من النفق المظلم الذي كنت أرى ببصيرتي أن مصر لابد أنها تدخله مرغمة.. فحركة "تمرد" قالت إنها جمعت حوالى "23" مليون توقيع لسحب الثقة عن الرئيس (الشرعي).. وقد كان.. لقد استطاعت تمرد أن تحشد أكثر من 30 مليون مصري في كل ساحات مصر.. فكان منظراً مهيباً، وصفه معهد ألماني مختص في الإحصاءات الجوية، بأكبر حشد جماهيري في وقت واحد، على مدى التاريخ البشري.. فكان لا بد للجيش المصري الذي عرف عبر تاريخه (200) عام، بالإنضباط والتماسك وحبه الشديد لوطنه ومواطنيه، كان لابد له من التدخل لحماية مواطنيه من هؤلاء (الإسلاميين) المتوحشين. إن (الإخوان المسلمون)، في نظري، غير الإسلاميين، ف (الإخوانية) دعوة إسلامية تزكي النفوس، وتطهر الوجدان والقلب من الرين ، وتبني الفرد المسلم على الإيثار والخلق القويم، وتقيس كل شيء بمعيار الدين وتؤصله.. ولي في ذلك ثلاثة نماذج: الأول، الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، الرجل عفيف اللسان، العابد الزاهد، الذي لم نسمع في يوم من الأيام أنه طلب منصباً، أو حرض على قتل، أو غطى على فساد في الأرض. والنموذج الثاني، آدم على آدم، رجل من قريتنا (طيبة بالجزيرة أبا) بسيط، رقيق الحال، ، يعمل خفيراً في مدرسة طيبة الأساسية بنين.. ظل حاله بعد الإنقاذ، كما كان حاله بعدها، رغم الإغراءات التي قدمت له بعد الإنقلاب.. فالرجل ما يزال يحرث (فدانيه) بنفسه، ويأكل من عمل يده.. والثالث: الأستاذ على عبد القيوم، شقيق المرحوم أحمد عبد القيوم الرجل الإتحادي واسع الثراء.. علي عبد القيوم هذا، كان رئيس الكيان الخاص بالنيل الأبيض في الأيام الأولي للإنقاذ.. إنه مثال للعفة والنقاء، فبالرغم من (الأبهة) التي حوله، لكنك إذا رأيت ثم رأيت رجلاً زاهداً، يركب المواصلات، ويأكل فول (محمد علي) ويمشي في الأسواق. هذه هي صورة الأخ المسلم الحق في ذهنيتي.. أما الإسلاميون، الذين نبذو الفكرة، وتعروا للدنيا، فهم أقرب للماسونية منهم إلى الإسلام.. إنهم يكذبون كما يتنفسون، ويأكلون التراث أكلاً لما، ويحبون المال حباً جماً، لكنهم يهتفون ملء حلاقيمهم القوية (هي لله، لا للسلطة ولا للجاه).. لقد عجنا طينة هؤلاء القوم عندنا في السودان، والأمثلة المتاحة أمامنا بالمئات.. أولهم الدكتور حسن الترابي الذي أصبح يغير أحكامه كما يغير ملابسه.. هل سمعتم وقراتم ماذا قال الرجل: إنه يتحدث عن الشرعية والدستور والخيانة، وإدانة الإنقلابات العسكرية، وهو نفسه سبق الفريق السيسي بنحو ربع قرن من الزمان، إلى الإنقلاب على الشرعية والدستور، وخان الوطن، وفق معياره هو، وأدخل السودان في ما هو فيه الآن، والشيخ الترابي انقلب على حكومة شرعية كان له في برلمانها (51) مقعداً، ولم تكن هناك ثورة شعبية قوامها (30) مليوناً، لم يتركوا للإسلاميين إلا مسجد رابعة العدوية، هددهم الإسلاميون المتوحشون الدمويون بالقتل، وبسوء المآل.. فكيف لا يتدخل الجيش الوطني ليحمي شعبه، مثلما تدخل جيشنا لحمايتنا مرتين، في أكتوبر وابريل؟ لقد فعل إخوانك في مصر، وفي عام واحد، ما لم يفعله فرعون موسى وهارون.. فقد كذبوا على الشعب ابتداء، مثلما كذبتم علينا في 30 يونيو وما بعدها، قالوا إنهم لن يرشحوا أكثر من 25% من مقاعد البرلمان، فاستهدفوها كلها.. ثم قالوا إنهم لن يرشحوا أحداً لرئاسة الجمهورية، فرشحوا، إثنين، أحدهم إحتياطي ليضمنوا مقعدهم في سباق الرئاسة.. قالوا سيكون الدستور توافقياً، فإذا بهم يقاتلون مصر كلها،ويعزلون الجميع ليكون الدستور اخوانياً صرفاً، ثم بدأوا في أخونة كل مصر، مثلما (أخونتم) كل السودان.. ولا عجب. [email protected]