ربما هي من المرات القلائل التي تخرج فيه الشوارع بالملايين تطالب بعزل رئيسها الذي اختارته بمحض ارادتها وعبر انتخابات حرة ونزيهه ومنافسه حامية الوطيس ،لم تلطخ نزاهتها نقطة سوداء واحدة تشكك في سلامتها ،او تلصق بها اكليشيه التزوير الذي عادة ما ينعت به المهزومون المنتصر . ولكن هذا ما حدث بالفعل في مصر ،فبالرغم من ان الرئيس مرسي مرشح الاخوان المسلمين هو اول رئيس مصري منتخب في تاريخ ام الدنيا ،انحاز له اكثر من 11مليون مصري في جولة الاعادة متفوقا علي الفريق شفيق في اكبر ماراثون رئاسي صوب قصر الاتحاديه ،الا ان المصريين ضاقوا زرعا به بعد سنه واحدة من تسلمه الحكم ،واطاحوا به في 30يونيو الماضي تاريخ توليه الحكم في العام 2012بمساعدة ومعاونة الجيش .في تطور دراماتيكي غير مسبوق شهده كل العالم في عهد السموات المفتوحه ،وثورة الانترنت التي جعلت بحق وحقيقة العالم كقرية صغيرة ،بل اضيق من ذلك كانه غرفه صغيرة . ولازالت الاحداث تتسارع وتتطور بشكل مذهل لا يستطيع اعتي المحللين وامهر السحرة التكهن بمالاتها النهائيه ،في ظل احتشاد الملايين المعارضون للرئيس او المناصرون في كل الميادين والساحات ،مع انتشار اعمال العنف وسقوط القتلي والجرحي من الفسطاطين . وبالنظر للحاله المصريه العويصه لايجد المحلل للاوضاع صعوبه في الامساك بالقضيه الجوهريه المحركة لكل هذا الغليان ،الا وهي ان المصريين او علي الاقل الفصيل الا كبر منهم رافض تماما لاستمرار الاخوان في الحكم وبايديهم اكثر من مسوغ يبرر ذلك الرفض ،فهم يتهمون مرسي وجماعته بانهم اخفقوا في تحقيق شئ واحد ملموس من التي الاشياء التي تنادي بها ثورة 25يناير ،وتجيير الحكم لمصلحة الاخوان مع تعمد اقصاء الشعب ،وارساء الدولة الدينيه التي بزعمهم تجير الدين لخدمة منافع دنيويه ضيقه ،علاوة لاستباحة الارض المصريه لحركات الاسلام السياسي من حماس وغيرها،ويمضون ابعد من ذلك عندما يتهمون الاخوان بجر مصر الي العهود البدائيه التي تفتقر الي الخطط والمشاريع الطموحه المفضيه الي التنمو والتطور ،مع اشاعة اجواء التكفير وفرض النظرة الاحاديه علي المشهد المصري برمته .والكثير الكثير من المبررات والاعذار التي اراد التستر من ورائها خصوم مرسي والاخوان ومناوئيهم للافلات من سبة انقلابهم علي وضع مدني ديموقراطي منتخب . في الطرف الاخر تقول جماعة الاخوان المسلمين انها جماعه مظلومه اغتصبت شرعيتها بالقوة ،وتصف ما تم بالانقلاب علي الشرعيه وسلطة الرئيس المنتخب ،وترفض الاستسلام للامر الواقع وتمضي الي مقاومته الي نهاية الشوط وهو اعادة رئيسها المعزول الي قصر الرئاسه ،ولو كلفهم ذلك الدماء والدموع ،لتطل الفتنه في افق وسماء مصر من اقصاها الي ادناها ،وتهرق دماء المصريين مؤيدهم ومعارضهم ،وتتلبس البلاد حالة من الفوضي والهرج والمرج لا يعلم مالاتها الا الله . وسواء عاد مرسي او لم يعد فان شيطان الفتنه انطلق من عقاله ،وعم الخراب ليتدحرج الامر بمصر من ام الدنيا الي مصاف الدول الفاشله ،رغغم مسارعة الجيش بتسمية رئيس المحكمة الدستوريه المستشار عدلي منصور رئيسا مؤقتا للبلاد ،الاان التعثر في تسميه رئيس الحكومة والاستغطاب الحاد بين مكونات جبهة الانقاذ حول شخصية الدكتور البرادعي رئيسا للحكومة بالرغم من انه اذيع بذلك ،ورفض حزب النور السلفي الفصيل الاسلامي الاكثر عددا بعد الاخوان للبرادعي ،ربما سيعيد انتاج الازمة ويجعل التوافق علي رئيس ترضاه جميع الفصائل امرا صعب المنال ،رغم ان اللحظة التاريخيه الحرجه والفاصله والتي تمر بها اكبر دوله عربيه لاتحتمل ،مقروءا ذلك مع الاحتقان الذي يسطر علي الشارع المصري المنقسم بين معارض ومؤيد للرئيس المعزول بنظر اخرين والشرعي بنظر فصيل اخر . ليطل السؤال الكبير هنا ومفاده مصر الي اين؟. المجتمع الدولي لم يكن بعيدا عما يجري ،فامريكا سيدة النظام العالمي الجديد وصاحبة نظرية الفوضي الخلاقه تتعامل مع الحالة المصريه بلسانين واكثر من عين او لعله انف وثلاثة عيون ولانقصد رواية الكاتب المصري الكبير محمد عبدالحليم عبدالله ،فالموقف الضبابي الغامض لادارة الرئيس اوباما يجعل حاجب الدهشه يرتفع كثيرا ،ففور اذاعة السيسي لبيان القوات المسلحه الذي اطاح بمرسي وعطل الدستور بادرت الولاياتالمتحدة الي تعليق مساعداتها الي مصر واعلنت رفضها لتعثر العمليه الديموقراطيه في مصر ،مستنكرة دخول الجيش في العمليه السياسية ،بل وابدت موقفا قويا وداعما للرئيس مرسي وللاخوان المسلمون ،ولكن ومع الايام تغير الموقف شيئا فشيئا حتي وصل الي درجة ان امريكا تعرب عن املها في الاسراع بتكوين حكومة مدنيه تهيئ البلاد الي انتخابات مبكرة ،في حين وقفت المانيا موقفا رافضا للانقرب ،اما تركيا فقد ابدت تعاطفها صراحة مع الاخوان فيما سارعت دول عربيه عدة لمباركة وتاييد التغيير وعلي راسها السعوديه والا مارات ،والجديد ان قطر باركت التغيير ،وبلغ الامر بسوريا الاسد الي التهليل له .ووقف السودان موقفا محايدا عندما قال ان ما يجري بمصر شان داخليا يهم المصريين .بينما شجبت تونس وباقوي العبارات ماجري وعدته تعديا علي سلطة منتخبة . وبين تباين المواقف الدوليه واحتدام الصراع الداخلي تعيش المحروسه احرج مراحلها التاريخية ،وتوقعات بتزايد وتيرة اعمال العنف ،بالنظر الي سيولة المشهد السياسي وقابليته للانفتاح علي سيناريوهات عديدة ،مع تزايد اعداد المحتشدون بالميادين واصرار كل فصيل بان الحق في جيبه ،مقروءا ذلك مع التردي الاقتصادي الذي تعيشه مصر وتوقف دولاب العمل عندما تفرغ المصريين للنزول للميادين مع مطلع كل صباح وغروب كل شمس . فهل ينجح شعب الكنانه في اطفاء الحرائق والتوافق علي حلول وسطي ام ان اللغة التي ستسود بينهم سيكتبونها بالدماء والعنف والسلاح؟. [email protected]