بسم الله الرحمن الرحيم يكافح كثير من الشباب من أجل الحصول على وظيفة تُلَبِّي تطلعاتهم الشخصية وتمكنهم من المساهمة في تغيير مجتمعهم.. وفي غمرة هذا الكفاح ينسى أولئك الشباب أن يعدُّوا أنفسهم إعداداً تاماً لتلك الوظيفة المنشودة.. أعرف شباباً امتحنوا لعشرات الوظائف واخفقوا في نيلها وما زالوا يكافحون.. فما إن يسمع الواحد منهم بوظيفة شاغرة يسارع في التقديم لها.. وما يلبث أن يجلس لامتحان القبول أو المعاينة الشفاهية.. وفي المعاينة يرفضونه لأنه لا يجيد اللغة الإنجليزية مثلاً.. وبدلاً من أن يستفيد من تلك التجربة في تطوير لغته الإنجليزية فإنه ينطلق مُسرعاً في البحث عن فرصة أخرى. فالجري وراء الفرص من غير استعداد يُبَدِّدُ الوقت والجهد.. وكان حري بنا أن نوظف وقتنا وجهدنا في إعداد أنفسنا لتلك الوظائف.. يقول لس براون: "من الأفضل أن تستعد لفرصة ولا تحصل عليها.. من أن تحصل على فرصة ولا تكون مُسْتَعِدَّاً".... ولكن -للأسف- هنالك شباب كثيرون لم يحددوا حتى الآن مواصفات وظيفتهم المستقبلية.. فهم مستعدون للتقديم في أية وظيفة يسمعون بها.. فإذا أخبرت أحدهم أن هنالك وظائف معلمين في ولاية الخرطوم فإنه سينطلق في الصباح الباكر إلى لجنة الاختيار وهو يحمل شهاداته.. وإذا وجد إعلاناً في لجنة الاختيار بإنَّ التقديم مفتوح لوزارة الخارجية فإنه سيتهلل مستبشراً ويقدم نسخة من شهاداته لوظائف وزارة الخارجية.. وإذا سَمِعَ من أحدهم أنه مطلوب مندوبي مبيعات في إحدى الشركات التجارية فذلك خبر سار له وبالتأكيد سيقدم نسخة من شهاداته لتلك الشركة.. وبينما هو في طريق عودته من تلك الشركة يقابل من يخبره بأنه مطلوب أفراد حراسة في دولة الإماراتالمتحدة مما يجعله ينطلق في اليوم التالي إلى وكالة السفر حاملاً شهاداته وهو يحلم بالسفر إلى الخارج.. وهنالك يتفاجأ بفرصة أفضل في الجماهيرية الليبية. فهذه هي حياة الكثيرين من الشباب.. لا يعرفون مواصفات الوظيفة التي يريدونها.. ولا مكانها.. ولذلك لا غرابة أن يخفقوا في الحصول عليها.. ولا غرابة أن يجدوا أنفسهم يتخبطون بين لجنة الاختيار ووكالات السفر المختلفة.. يقول لورنس بيتر "إن لم تكن تعرف وجهتك جيداً فستعصف بك الرياح أنى شاءت".. فالشخص الذي يحدد هدفه في هذه الحياة سيكون طريقه واضحاً وسيضع خطة مدروسة للوصول إلى ما يريد... لديَّ أصدقاء كثيرون يعملون في الوظائف التي حلموا بها.. صديقي أشرف حسن محمد خير منذ أن كان طالباً جامعياً هدفه أن يعمل في وزارة الخارجية.. ولتحقيق هدفه أكمل دبلوم اللغة الإنجليزية في جامعة الخرطوم ثم جلس لامتحان الشهادة الثانوية في العام 2005م والتحق بكلية الآداب.. وبعد خمس سنوات تخرج ببكلاريوس الإعلام.. واجتهد في تأهيل نفسه وتطوير مهاراته.. كما أنه اعتكف على دراسة كل الامتحانات السابقة للقبول في وزارة الخارجية.. استعد أشرف لتلك الفرصة وصار يعرف كل شيء عن وزارة الخارجية وعن العلاقات الدولية ثم جلس لامتحان وزارة الخارجية واجتازه في سهولة وصار سكرتيراً في وزارة الخارجية... استطاع أشرف أن يحقق هدفه بمثابرته وتطوير مهاراته ومعرفته بمتطلبات الحصول على تلك الوظيفة. وبالمقابل هنالك شباب آخرون يحلمون بالعمل في وظائف محددة.. فهم يعرفون مواصفات الوظيفة التي يريدونها ولديهم الشهادات الجامعية المطلوبة.. وكل ما ينقصهم هو بعض المهارات الصغيرة التي تتطلبها المعاينة.. مثل مهارات الحوار والإصغاء .. أو إعداد السيرة الذاتية.. أو الظهور بمظهر أنيق أمام المعاينين. أعرف شاباً يحلم بالحصول على وظيفة معلمٍ للغة الإنجليزية في أية مدرسة خاصة.. ظل يبحث عن تلك الوظيفة خمس سنوات.. قال لي إنه قدَّمَ سيرته الذاتية لأكثر من خمسين مدرسة خاصة ولكن أحداً لم يتصل عليه.. تَعَجَّبْتُ كثيراً من ذلك فأنا أعرف أنه مؤهل لتدريس اللغة الإنجليزية وهنالك مدارس كثيرة تعاني نقصاً في المعلمين.. قلت له أريد نسخة من سيرتك الذاتية لأقدم لك في مدرستي التي عملتُ فيها سابقاً.. فما كان منه إلا أن أخرج من حقيبته ورقة واحدة فقط مكتوب عليها السيرة الذاتية (الاسم .. المؤهلات.. العنوان) استلمت منه تلك الورقة الوحيدة وسألته: هل كنت تقابل مدراء المدارس وتقدم إليهم هذه الورقة؟ أجابني في براءة: كلا.. بل كنت أترك لهم سيرتي الذاتية في الاستقبال أو السكرتارية.. قلت له: حسناً فعلت! وبعدها فتحت حقيبتي وأخرجتُ منها ملفاً أنيقاً شفافاً داخله عدد من الشهادات المصورة وفي الصفحة الأولى سيرتي الذاتية مُزينة بصورتي الفوتغرافية الملونة.. تناولتُ ذلك الملف الأنيق وتناولت معه وريقته الوحيدة البائسة وسألته في استنكار: استحلفك بالله أن تقول الحق.. تخيل أنك مدير لإحدى المدارس الخاصة ولديك وظيفة واحدة وأمامك هاتان السيرتان الذاتيان فلمن ستعطي تلك الوظيفة؟ ضحك صاحبي وحاول أن يجد ما يحفظ به كرامته وقال لي: ولكنني لا أستطيع أن اشتري ملفاً فاخراً لكل مدرسة أقدم فيها.. فقد قدمت في خمسين مدرسة.. قلت له: لو اشتريت ملفاً واحداً كنت ستوفر على نفسك كل هذا العناء... وبعدها سحبت شهاداتي من الملف وقدمته له هدية وطلبت منه أن يحتفظ بأوراقي معه ليعد ملفه وفقاً لتلك الأوراق.. وبعد ذلك عليه أن يركز جهوده في مدرسة واحدة .. يذهب إلى أساتذتها ويسألهم: ما الذي يجب أن يفعله للالتحاق بمدرستهم؟ يسألهم عن نظام التعيين في المدرسة هل يتم التعيين عن طريق المعاينات أم الامتحانات أم تدريس الحصص النموذجية أم أنهم يوظفون الأهل والمعارف؟ وأياً كانت الإجابة عليه أن يسعى للإفادة منها.. فهذه هي الطريقة المثلى التي يحصل بها أغلب الناس على وظائفهم. بالاستعداد الجيد والتركيز على هدف معين.. لا بالجري وراء عشرات الوظائف وتبديد الوقت والجهد. فيصل محمد فضل المولى [email protected]