بسم الله الرحمن الرحيم تمر مصر وشعبها بفترة عصيبة, وهي فترة مخاض لأبد منها للتحول من عصر الي عصر، أو الإنتقال من مرحلة الي مرحلة أخري. أو هي بالأصح ميلاد مصر جديدة من رحم القمع و الإستبداد، الذي طال وإستطال في بلاد المحروسة. وقدر الإنتقال في بلاد تمكن منها الإستبداد، ونشب فيها أظافره ومخالبه السامة، وترك بصمته علي كل أنشطة المجتمع. أن يعاني من صعوبات وكوابح، تعرقل مسيرته أو تأخرها علي أحسن الفروض، حسب طبيعة كل دولة ومجتمع. ومن ضمن المعيقات أن الإنتقال لمرحلة جديدة، يحتاج لإستعداد وأدوات يصعب توفرها كاملة، في ظل طغيان المرحلة القديمة وشدة نفوذها وتأثيرها، وإمتلاكها لأسباب القوة الفجة والإستقرار الكاذب. إضافة الي أن المرحلة الجديدة تعني بالضرورة، أجيال جديدة ومصالح جديدة ورؤي جديدة. تتصادم مع سابقتها القديمة. وبالتالي الدخول في صراعات، تحدد طريقة إدارتها وزمان ونتيجة حسمها، شكل المرحلة الجديدة. والمرحلة الجديدة بطبعها تحمل روح المغامرة وركوب المجهول والمخاطر وزعزعة الإستقرار والسكون، والإكتشافات والعثرات المفاجئة والمتوقعة. ولكن ما يزيد قوته الدافعة هو الحوجة الماسة إليه. وقدرته علي تلمس القضايا المتجددة بتجدد الحياة، والتي بدورها ترسل إشارات او ذبذبات لكيفية التعامل معها، وتحتاج فقط الي من يلتقطها ويتجاوب او يتفاعل معها إيجابيا(مفكرون قادة سياسيون إبطال وطنيون فنانون مثقفون وغيرهم). وكل ذلك يتم في بيئة قابلة وقادرة علي التجديد. سواء في شكل أفكار جديدة أو أجيال أكثر حيوية وطاقة وحركة وقوة إندفاع. وبتعبير آخر أن العصر او المرحلة التاريخية المحددة، تفرز أفكارها وأشخاصها ولغتها وقدراتها، وكيفية التفاعل بين كل معطياتها، لتعطي في محصلتها النهائية مادة التاريخ. أو عطاء الإنسان في ظل الظروف المتاحة او الصانع لها. وكل ذلك لا يخرج عن كفاح الغالبية ضد إستغلال الأقلية. والدفع نحو خلق أرضية أكثر تشاركية ومساواة، وعدالة في توزيع الجهد والعائد بمفهوم كل مرحلة. والتاريخ نفسه لا ينقطع أو يحمل صفة الإستمرارية المطلقة لو جاز التعبير. أي الحياة عبارة عن ذاكرة(ماضي) وفعل (حاضر) وطموح(مستقبل) تتفاعل مع بعضها ولا تقبل الفراغ. وما يعطيها الثبات والتوقف والبطء في بعض منعرجاتها، يرجع لتكريس النموذج المسيطر(أقلية يمكن أن تكون طبقة/مجموعة/قبيلة/فرد) قوانينه ومصالحه متوسلا النظم والأساليب المختلفة، ولا يتورع عن إستخدام القوة المادية الخشنة لإستدامة هذه الأوضاع. ولكن بمرور الزمن حتي ولو ببطء، يعجز عن حل تناقضاته، ويستحيل عليه إستيعاب المتطلبات الجديدة، حتي ولو رغب في ذلك كما في بعض الحالات الشاذة! وتاليا تحدث الإنفجارت والثورات بعد أن ضاقت الجماهير ذرعا، وعجزت عن إحتمال واقعها الذي لا يحتمل، وعبرت حاجز الخوف الوهمي! والتي بدورها تحاول وضع قوانين وأسس ونظم جديدة. تراعي مصالح الجهات الفاعلة في التغيير. لذلك كلما كانت الكتل التي تفرض الغيير كبيرة، وواعية بمصالحها والمخاطر المحيطة! كلما كانت طبيعة المرحلة وشكل النظم والقوانين، أكثر تعبير عن مطالب الغالبية، ولحظتها الراهنة، وأقدر علي تجاوز صعوباتها، وتحمل مرونة أكبر علي التعامل مع القضايا والإشكالات المتجددة. وتاليا صنع أوضاع أكثر إستقرار وتطور. بالرجوع الي حالة مصر، هنالك عامل مهم جعل عملية الإنتقال في غاية الصعوبة، وتحمل من المخاطر الكثير. وهو وجود التيارات الدينية/السياسية. فهي خلقت نوع من التناقض الصارخ، بين مجتمع مدني ناشط ومتقدم نوعا ما، وأكثر وعي ورغبة في التجديد والإنتقال بالإوضاع، الي آفاق أكثر تحرر وديمقراطية. وبين جماعات دينية او حركات إسلام سياسي او إسلام دنيوي(كل تركيزه منصب علي الإستمتاع بالحياة لأقصي درجة، وعلي راسها مسألة السلطة والحكم !)، أكثر تقليدية وصلابة في عدم تقبله لأي تغيير ينحو نحو الديمقراطية. لأن ذلك ينسف دعائم مشروعها للتسلط. خاصة وهو مشروع يستمد إطروحاته ومناهجه وأدواته من الماضي السحيق. غصبا عن تبدل الأحوال وإختلاف الظروف والبشر وإحتياجاتهم وخبراتهم. أي أن هذه الحركات متأخرة عن المجتمع المدني وعن مطالب اللحظة الراهنة. ولكنها في نفس الوقت تصدرت المشهد السياسي، وإستحوذت علي السلطة! كأكبر آلية أو جهاز حامل ومؤثر علي دينامكية التغيير، أي يملك القابلية للإسراع بعملية التغيير(المطلب الملح وعاجل للحيلولة دون إتساع حجم التناقضات بين وظيفة وواجب الدولة من جهة، وحاجات الجماهير من الجهة المقابلة). أو يعطلها لأطول فترة، مما يزيد من تكاليف التغيير البشرية والمادية والمعنوية! وفي الحقيقة وجود حركات الأسلام السياسي في المشهد العام، هو نفسه دلالة علي حجم التأخر، والثمن الفادح الذي يجب دفعه، نتيجة للصبر علي الإستبداد. وبمعني آخر أن هذه الحركات هي التعبير الصريح عن حالة العجز التي ينتجها ويرعاها الإستبداد. لسده جميع منافذ التعبير والحركة الطبيعية في المجتمع، أي الحرية بمعناها الواسع. التي تسمح لكل الكيانات والجماعات والتيارات بالتعبير عن نفسها، والإنتظام من أجل الدفاع عن مصالحها بوسائل سلمية. لأن العنف هو الوسيلة الوحيدة المتاحة للتعبير في ظروف الإنغلاق والقهر. بعد تجريد حامليه من صمم وبكم وعمي الأيدولوجيات والعقائد ذات التفسير الذاتي، التي تحمل العنف في صلب تكوينها او كجزء من وعيها بذاتها ووظيفتها! ليؤدي ذلك الإنسداد الي إرتداد المجتمع لحضن هذه الحركات، التي تعبر عن حوجات المجتمع ولكن بصورة معكوسة! أي تستعيض عن الإحتياجات المادية الدنيوية المعاشة، والتي لابد منها وتحفظ للأنسان كرامته. بوعود آخروية، والتي تتحول بدورها لحل جذري وسحري لكل المشاكل. وعند هذه المرحلة تتم إعادة الوعي و التفسير، لإشكالات واضحة ومؤثرة لها أسبابها المادية البينة بدلالة غيبية. اي نقلها لسياق مختلف تماما، للهروب من مواجهتها او للعجز عن تفسيرها او ضع حلول عملية لها. كواجب في عنق كل من يتصدي للعمل السياسي او الشأن العام. أي جواز المرور للقبول الطوعي والشرعية الجماهيرية. لذك نجدها تفسر المشاكل بالإبتلاءات، والمراد منها إمتحان العباد، وبقدر حجم البلاء تكون سعة الأجر، وهذا بدوره يستبطن أن هذه المشاكل/الإبتلاءات مرسلة من الرب الجليل، وتاليا تمتنع عن المناقشة/الجدل/الإعتراض، وبذلك تخطئ الحركات عدة مرات.أولا بحرف المجتمع عن التفكير العلاقني، بمعرفة الأسباب الحقيقية وهي بالطبع من صنع البشر، وبالتالي وضع الحلول التي تتفق مع طبيعة كل مشكلة. وثانيا بإيجاد مبررات للأخطاء، وتاليا تسويغها بإعتبارها تمنح الرضا بها الأجر، وبالتالي إستمرارها وتفاقمها وشدة تعقيدها. ثالثا تصوير فهمها للدين، بانه هو صحيح الدين، وبالتالي يمتنع الحوار والمجادلة، بل الرضا بنتائج تفكيرها وأسهامها في الشأن العام. الذي يتحول بدوره الي شأن خاص. تختص به الجماعات الإسلامية إنابة عن المجتمع. وتاليا إحتكار المعرفة والدين والدنيا! بكل هذا الإرث الديماغوجي والوعي المشوش القاصر، نزل الإخوان المسلمون الي ميدان العمل العام. وبعد مسيرة طويلة من الصعود والهبوط والإختباء والعلن. وتوظيف كل المعطيات والإمكانات بما فيها الدين الحنيف، من أجل الوصول او الإستيلاء علي السلطة ل(إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن). ومن خلال هذه المسيرة الطويلة والجهاد للمصلحة العامة القليل! شاركت هذه الجماعة بقية شرائح المجتمع المصري، في الإطاحة بالرئيس السابق او الدكتاتور الناعم حسني مبارك. علما بأن مشاركتها كانت في اليوم الثالث، حسب تقدير كثير من المراقبين( في بعض أدبياتها تمنع الخروج او التظاهر ضد الحاكم، ولا تستنكر التعامل معه او الأستفادة منه، بتقديرها وحدها!!) وبعد ظهور مقدمات تشير الي أن إتجاه الرياح، يميل نحو كفة الجماهير الثأئرة، ضد السلطة القائمة. وكعادتها البراغماتية التي تلازمها كظلها، وهي تحتاط للفشل. مدت حبال الوصل الخفية مع النظام والمؤسسة العسكرية. أي أن تكسب في كل الأحوال والإحتمالات، بغض النظر عن تعارض أساليبها مع قيم الدين الذي تبشر به، وإستفادت منه كثيرا. ليحدث لها الفارق مع بقية القوي الأخري مدنية/علمانية. ومستفيدة من كل طاقاته الروحية والأخلاقية، وعاطفته الجياشة في نفوس البسطاء. وهي سلفا خلقت قاعدة عريضة وسط هذه الشريحة. مستفيدة من أمكاناتها المادية الهائلة، بوصفها حركة عابرة للدول. وتتقن السمسمرة والمضاربة والإحتكار، وتهوي المصارف وشركات الأموال، هذا من ناحية! والسيطرة علي المساجد والمنابر الدعوية من الجهة المقابلة. مما أعطاها مساحة أكبر للحركة والتأثير، حتي في أشد الظروف سوء وتضييق وحصار. والخلاصة أنها كانت أكثر الأجسام السياسية، تنظيم وحركة وتأثير وتغلغل في نسيج المجتمع المصري، وكانت علي علم بكل ذلك. وبعد نجاح الثورة المصرية وتمكنها من إزاحة الفرعون الصغير. وبعد إنحياز المؤسسة العسكرية للرغبة الجماهيرية العارمة في الخلاص، وحالة السخط العظيمة تجاه الرئيس وأنجاله والحزب الوطني بكل رموزه ورجال أعماله. ضغطت المؤسسة العسكرية في إتجاه، حقن دماء الشعب والإستجابة لرغباته وأشواقه للتحرر والإنعتاق. وبعد إنتهاء إسقاط النظام بنجاح. بدأت تظهر بوادر الخلافات في كيفية إدارة المرحلة المستقبلية، بين تياران رئيسيان. التيار المدني/العلماني من جهة، وجماعة الإخوان المسلمين/بقية التشكيلات الدينية من الجهة المقابلة. وخلال تلك الفترة حاولت (الجماعة) أن ترسل تطمينات لبقية القوي السياسية المختلفة معها والمدنية بالأخص. بأن لديها نية التوافق علي إدارة المرحلة المستقبلية(وهو الشئ المتبع في مثل هذه الظروف، او زمان لا توجد فيها أمثال تلك الجماعات الدينية التي تعلن غير ما تستبطن!). المهم حاولت إيهام الجميع بأنها ليست راغبة في الإنفراد بالسلطة. ولذلك لن ترشح من أعضائها إلا لشغل ثلث مقاعد البرلمان المصري. وأنها ليست بوارد ترشيح أحد ممثليها في سباق الرئاسة. وأنه يكفيها المشاركة مع الجميع في بناء المرحلة المستقبلية! وغيرها من الرسائل العاطفية والتطمينية، حتي لا تفقد مصداقيتها في تلك الفترة والأجواء التوافقية. وتظهر بمظهر المحب للملك والعاشق للسلطة كما عهد عنها. ومع مرور الوقت بدأت تتنكر لأقوالها ومواقفها الظاهرة والمعلنة وتسعي حثيثا للتمكين! وهي تنزل بكل قواها للسيطرة علي البرلمان، مستفيدة من قاعدتها العريضة المذكورة آنفا. وخالفت كل القوي السياسية المدنية، في ضرورة أسبقية الدستور علي الإنتخابات، أو الإستجابة لتلك الأصوات في لجنة الدستور، او عدم التحرج من خروج ممثلي التيار المدني من لجنة الدستور، المسيطر عليها من قبل ممثلي الإخوان وشركائهم من التيارات الدينية ذات الأغلبية في البرلمان. او في إصررها علي عرض تعديلاتها علي الدستور من جانب واحد(الجماعة وحلفائها) علي الإستفتاء، وفي إستخدامها للمساجد والدين في التأثير علي المصوتين. وحتي المحاولات المستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، من بقية المكونات المدنية، بوضع مبادئ فوق دستورية، تستند علي معايير حديثة وعادلة تساوي بين جميع المواطنين. او لتلافي قصور الدستور المعدل الذي يعبر عن إتجاه واحد، ذهبت أدراج الرياح. لتبدأ مسيرة تأكيد مخاوف الجميع، بأنها جماعة حريصة علي السلطة. وما أرتضت العملية الديمقراطية إلا لإيمانها سلفا بقدرتها علي السيطرة من خلالها! والدليل أنها تتعامل مع الديمقراطية بطريقة براغماتية فجة. ولم تستطع طوال تاريخها من تقديم مقاربة إسلامية عملية. تقترب من الوعي والنهج الديمقراطي، وتثبت إيمانها القاطع بهذه التجربة. وتاليا إخضاع مؤسساتها ومناهجها لشروطها. وهي ما زالت في ضميرها رجس من عمل الشيطان! ولكن لا بأس من إستخدامها لذر الرمادعلي العيون وركوب الموجة، طالما كانت موافقة لأهدافها ومؤدية الي السلطة، ولإضفاء نوع من الشرعية الشعبية. وإستمرت الجماعة في سعيها المحموم للسيطرة علي جهاز الدولة. لتقدم مرشحها لسباق الرئاسة خيرت الشاطر، وعندما رفض ترشيحه نتيجة لملابسات قانونية سابقة تحول دون ترشيحه. دفعت بالدكتور المهندس محمد مرسي. وبعد معارك إنتخابية وظفت فيها الجماعة كل الطرق الشرعية والغير شرعية لكسبها. وصل مرسي الي سدة الحكم، بعد أن تفوق علي منافسه الآخر الفريق أحمد شفيق في الجولة الثانية. وإستفاد مرسي كثيرا من كون المنافس له ينتمي لنظام مبارك، مما يعني إنتخابه إعادة نظام مبارك، ولكن في قناني أكثر جدة! بمعني آخر أن هنالك جزء كبير من المصوتين لمرسي، ليس عن قناعة به او ببرامجه. ولكن رفضا للفريق أحمد شفيق وفلول نظام مبارك. ليصبح الدكتور مرسي أول رئيس منتخب في تاريخ مصر. وبعد هذا الإنتصار الكبير، الذي كان يمكن أن يشكل نقطة تحول لمرسي والجماعة ومصر. بتقديم نموذج يعلي من مصالح الدولة لمصرية علي مصالح مرسي والجماعة( ولكن يبدو أن ذلك أكبر من طاقة الجماعة وكسبها السياسي). وكعادته والجماعة حاول الإلتفاف علي ذلك، بمزيد من التمويه الخطابي الكلامي. عن رئاسته لكل المصريين ومعاملتهم علي قدم المساواة...الخ من معسول الكلام. الذي يخفي الأطماع الحقيقية للسيطرة علي الحكم بصورة منفردة مدي الحياة(كجماعة مستضعفة ووارثة للأرض). ولم يمضِ الكثير من الوقت لتتكشف الحقائق. عن رغبة الجماعة وممثلها في سدة الحكم الدكتور مرسي في أخونة الدولة. او تحويلها الي مزرعة خاصة لجماعة الإخوان المسلمين، تسرح وتمرح فيها علي حسب هواها ونزواتها. لتبدأ في مضايقة القضاء وعزل النائب العام في مخالفة صريحة للقانون. ليستقيم لها ظل تمرير القرارات العرجاء، والهادفة لمصلحة الجماعة حصريا! وأيضا تمكنت من إزاحة كبار القادة، أصحاب النفوذ في المؤسسة العسكرية، مثل المشير محمد حسين طنطاوي والفريق سامي حافظ عنان وغيرهم من كبار رجالات المؤسسة العسكرية. وذلك من أجل فرض المزيد من السيطرة عليها او تجنب شرها! وبعد فترة تم الإعلان عن الصكوك الإسلامية، لتحويل القطاع العام الي قطاع خاص، يصب في جيب الجماعة وإمتداداتها الخارجية. اي السيطرة علي الإقتصاد والسوق بعد السيطرة علي الحكومة والعسكر. ولكن أكثر ما تبدت بوادر الفرعنة والغطرسة لدي الجماعة ومرسي، في صدور الإعلان الدستوري الذي يحصن فيه قراراته ويجعلها نهائية ونافذة، ولا يمكن وقف تنفيذها أمام أي جهة قضائية! أي هو فوق المساءلة والمحاسبة، أليس هذا بالضبط هو الإستبداد أو الفرعنة في أصدق تجلياتها! وهذا الإعلان بالتحديد يعكس رغبات، وما تستبطن الجماعة ومرسي من نياتهما الحقيقية تجاه الدولة والمجتمع المصري. ليجد المعارضة الشديدة من كل قطاعات المجتمع المدني الأخري. ليقوم بنوع من التراجع المحسوب! ويبدأ في تنفيذ سياسات أقل سفور من سابقتها (لقوة المجتمع المدني المصري ومتابعته للجماعة ومرسي عن كسب) ولكنها كلها تهدف الي السيطرة علي الدولة المصرية. وبمعني آخر أن الجماعة لا تجعل هنالك فواصل بين الجهاز السياسي الحاكم والمتغيير! والدولة البيروقراطية المستقرة، بأجهزتها المفترض او المتوقع أن تعمل بمبدأ الحياد تجاه كل المواطنين. او قيامها بأخونة الدولة كما هو شائع في الأدبيات وأجهزة الإعلام المصرية. ولكن مع مرور الوقت إزدادت وتيرة أخونة الدولة، وبدأ يضعف تأثير الجماعة المدنية في قدرته علي الإبطاء من سرعة هذه العملية. والتي لو إستمرت علي هذا المنوال، مستفيدة من غطاء الشرعية المفتري عليه! لتحولت مصر الي ما يشبه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي يسيطر عليها (المرشد الأعلي). خاصة بعد أن وضحت كل الدلائل التي تشير الي، سيطرة مكتب المرشد او قيادات الجماعة التاريخية. علي القرارات السيادية وتوجهات الدولة المصرية. أي تحول الرئيس مرسي المنتخب من قبل الشعب المصري، بقناعته او من دونها. الي مجرد موظف لدي الجماعة. ويتلقي التوجيهات من جهات او جماعة غير منتخبة وغير شرعية, ولا يعرف طريقة تكوينها أو إدارتها، او آلية إتخاذ القرارات داخلها او لمصلحة من تعمل، او مصادر أموالها. وكم من المرات رفضت حل نفسها، بوصفها جسم غير شرعي، ولا تخضع حساباتها للمراجعة او التدقيق المالي، او خضوعها لأي نوع من المراقبة. وكل ذلك أدي لنوع من الخلط الشديد بين، الدولة والجماعة والسياسة والدعوة. أي سمك لبن تمر هندي بلغة الأفلام المصرية. وهذا بالطبع مقصود ويصب في مصلحتها الذاتية. أي يمكنها الإستفادة والتكسب من كل تلك الأبواب. وفي نفس الوقت يتيح لها مخارج من الأخطاء والورطات والتناقض الذي يكتنف سلوكها! وهذا ماجعل سياسة مصر الداخلية خلال رئاسة مرسي القصيرة السابقة، تتميز بالإضطراب والتردد والتذبذب والشلل التام. وسياستها الخارجية تتميز بالتناقض والتخبط تجاه كل القضايا وعلاقات مصر الخارجية. بدءً من القضية السورية ومياه النيل وعلاقاتها مع أيران ودول الخليج وإسرائيل وحركة حماس. وهي أقرب لسياسة قطر التي تجمع بين المتناقضات ولكن من غير مقدرة مادية! مما يجعلها أقرب للتشويش وقصور الرؤية والنظر! وترافق ذلك مع إزدياد الوضع الإقتصادي تأزما، بسبب غياب البرامج الواقعية! والفشل في التعامل مع قادة النظام السابق وملفات الفساد والقتل، أو إسترداد أموال مصر من الخارج او مجرد تتبعها ومعرفة مصيرها(وجزا الله ال BBC عن المصريين كل خير فقد أسهمت في هذا الملف بجهد وافر، ووفرت خيوط ومداخل للإنطلاق منها، ولكن من يتابع ومن يهتم!). وبدلا عن ذلك حاولت مؤسسة الرئاسة! الدخول في مساومات مع رجال أعمال النظام السابق بغرض الإستفادة من أموالهم المشبوهة وعلاقاتهم الغامضة، للخروج من ضائقتها الإقتصادية! وظهر للعيان أن الدولة المصرية في ظل سيطرة الإخوان تسلك وجهة مظلمة. وتنذر بضياع كل المكاسب الحديثة، علي الرغم من قلتها وصعوبة الحصول عليها. وكذلك يتم إبعاد قطاعات كبيرة من المجتمع المصري بوعيها او بدونه، من التأثير في القرارات السياسية والمصيرية، أو الإستفادة من مظلات الدعم والحماية الإقتصادية والإجتماعية. وحدوث نوع من التمايزات الدينية والطبقية في المجتمع المصري. او الإنحياز للجماعة وأتباعها علي حساب بقية قطاعات الشعب، سواء كان ذلك في التوظيف أو فرص الإستثمار او التمكين من الدولة! وكل ذلك لم يمر علي فطنة الجماعة المدنية. خاصة وهي صاحبة تجربة سياسية وفكرية متقدمة بمراحل علي حركات الإسلام السياسي، وحذرت منها ونبهت الي خطورتها مرات عديدة! وهي أكثر وعيا بالتوازنات الدولية وإحتياجات اللحظة الراهنة. كما أنها تشعر أنها أخطأت خطأً كبيرا. في عدم تضامنها وتشكيلها لجسم واحد. بعد الإتفاق علي الحد الأدني، أي مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة المواطنة. أي تشكيل جبهة موحدة ضد التيار الديني، وسيطرته علي بسطاء الشارع المصري. بالنزول الي الشارع والإلتحام بالجماهير، وتمليكها للحقائق، وتوعيتها بمتاجرة هذا التيار بالدين وقيمه. لقلب الطاولة عليه وإيقافه عند حده، وتعريته أمام الشعب وأنصاره. ولتخليص الدولة المصرية وأجيالها المستقبلية من شرور هذا التيار وجهله. المهم بصول الإمور الي هذا الحد. وبعد فشل كل محاولات إقناع مرسي بالإستجابة لصوت العقل ومطالب الشعب ونبض الشارع. ومعاملة جميع المصريين علي قدم المساواة، كأفراد لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات. وبعد قصور الإجراءات الشكلية للديمقراطية، كصنوق الإنتخاب ونحوه. عن التعبير عن رغبات الشارع العريض. كان الخروج للشعب المصري في يوم 30/6 للتعبير عن رفض سياسات الدكتور مرسي. ولنزع الشرعية الصندوقية عنه ولرد الأمر الي أهله. وقد إستجاب الجيش ممثل في وزير الدفاع، بالتعاون مع ممثلين لمعظم إتجاهات المجتمع المصري، كجبهة الإنقاذ وممثل الإسلام المعتدل شيخ الأزهر، وممثل المسيحين البابا تواضروس الثاني، وومثل حركة تمرد وحزب النور السلفي. بإعلان حل السلطة، وتعيِّن سلطة مؤقتة، لفترة إنتقالية للإعداد لإنتخابات جديدة ولتعديل الدستور. مع إعطاء الرئيس المكلف سلطة إعلانات دستورية مؤقتة تسمح بإدارة المرحلة الإنتقالية. لحين إنتخاب سلطة جديدة وحقيقة تمثل الشعب بصورة أكثر إنصاف، وتتفادي كل السلبيات السابقة! مع التأكيد علي أن المؤسسة العسكرية بعيدة كل البعد، عن ممارسة السياسة او السيطرة علي جهاز الدولة. وأن ما قامت به يمثل جزء من مهامها في الحفاظ علي الدولة المصرية، وحمايتها من الإنزلاق الي الفتن الداخلية والحرب الأهلية، او سيطرة فصيل علي كل مقدراتها او العبث بمصيرها وربطه بإمتدادات إقليمية لا تجلب لها سوي المتاعب! وهنالك ملاحظة لابد من ذكرها، وهي أن التاريخ سيحفظ للفريق أول عبدالفتاح السيسي، إنحيازه للشعب وتساميه عن إمتلاك السلطة او إعادة العسكر للواجهة والنفوذ. رغما عن صعوبة ذلك داخليا بالرفض الشعبي الهادر، وعالميا بإنتهاء عهد هذا النوع من السلطات الغشيمة، ولكن كل ذلك لا يقلل من موقف الرجل البطولي والرائع. كما أكدت الأحداث الأخيرة أن الشارع المصري هو الحاكم الفعلي. وأنه يمثل بعبع مخيف لكل الحكام. وأنه قادر علي محاسبتهم ونزع السلطة منهم، بل ومحاكمتهم علي أخطاءهم. وهذه مرحلة متقدمة جدا يصل إليها أي مجتمع، وتدل علي حيوية الشعب المصري، وتقدمه حتي علي حكامه! وتفلته من قبضة السيطرة والتغبيش والوعود الجوفاء. ولكن يجب التفريق بين رفض تغول ودكتاتورية الحكام، وبين تعطيل الأعمال والتخريب ونهب الممتلكات العامة. فالأخيرة مرفوضة ويمكن أن تكون مقبرة للتجربة الديمقراطية الوليدة، التي تحتاج لمساحة أكبر وزمان أرحب ليستوي عودها. كما أنها تشكل مدخل لدخول العسكر مرة أخري وبالتالي تسميم الأجواء، التي لن يصلح معها لا تطور سياسي ولا تقدم تنموي! المهم أن هذه المرحلة الإنتقالية تمثل فصل جديد للدولة المصرية. وتحدد طريقة إدارة هذا الفصل، مستقبل الدولة المصرية. إما دولة مستقرة وقابلة للتقدم او دولة فاشلة معرضة للإرهاب والفتن. ولكن المؤكد أنها مرحلة شديدة التعقيد والخطورة ويتمثل ذلك في عدة نقاط. أولا أن الخصم الحالي للدولة والمجتمع المصري، هم الإخوان المسلمون بكل تاريخهم مع العنف ورفض الآخر. وثانيا أن إيمان الإخوان بالدولة الديمقراطية أساسا ضعيف كما ذكرنا سابقا، وبعد وصولهم عبر المعبر الديمقراطي، ثم إزاحتهم بواسطة العسكر. وبغض النظر عن الملابسات وإقتناعهم بها اوعدمه وهو المتوقع! سيزداد تشككهم في هذه الآلية الديمقراطية والشرعية الإنتخابية والبديل بالتأكيد سيكون مزيد من العنف. وسيزيد في أواره الإحساس بالغبن! وهنا أيضا ملاحظة تخص مسألة الشرعية التي يتباكي عليها الإخوان، فهذه الشرعية نفسها قد أتت محمولة، علي سواعد ودماء وأكفان هولاء الشباب الذين يثورن عليهم الآن. وتاليا هم أحق بها والأحرص علي حمايتها والدفاع عنها. وليس لمن حصد عرق وجهد ودماء غيره، ونسب لنفسه ما لا يملك. والدليل أن عمر الإخوان يقارب الثمانين عام، فأين كان حصادهم من الديمقراطية والشرعية طوال هذه الفترة؟! ماذا قدم قادة الجماعة بما فيهم مرسي، للحصول علي هذه الشرعية المفتري عليها! ماذا يساوي إسهامهم في التغيير مقارنة بحركة 6أبريل وكفاية وغيرها من التنظيمات الشبابية والأفراد المستقلين. كم مقياس عطاءهم في المبادرات الأولية التي أشعلت فتيل الثورة. وهي الفترة الأخطر والأكثر تكلفة في عمر أي ثورة. ماذا كان موقفهم فيما يخص حفظ دماء الأبرياء بعد كل هذه التداعيات. وإذا كانوا مقتنعين بشعبيتهم وثقتهم في الشعب كبيرة، فليس هنالك خوف حتي ولو أعيدت الإنتخابات عشرات المرات! ثالثا محاولة إقناع الجماعة وأتباعها بالمشاركة في إدارة المرحلة المستقبلية، او المشاركة في الإنتخابات القادمة. مسألة في غاية الصعوبة لجماعة عقائدية، إطلاقية التفكير ممتلك للحقائق ومصادرة للصاح. لا تؤمن بإدارة الدولة فقط. ولكن عليها واجب هداية المجتمع، مما يعني ضلال المجتمع. وبالتالي كيف تستجيب لنداءته او دعواته؟ وهي المُخلِص!! وحتي إذا قبلوا متظاهرين بالموافقة علي مسألة المشاركة. فإنهم إما أن يفوزوا وفي هذه الحالة، يلجأوا لأخونة الدولة بوتيرة أسرع، بعد وضع كل الإحتياطات التي لا تعيق عملهم. وإما أن يخسروا، وفي هذه الحالة يعلنون عن تزوير الإنتخابات، ورفضهم لنتائجها. وتاليا اللجوء الي العنف لرد حقوقهم المغتصبة. لكل ذلك فالدولة المصرية معرضة لإختبار عظيم، لم تشهده طوال تاريخها. وقد يؤثر علي تماسكها ويعرضها للضعف لفترات طويلة. إذا ما فشلت في السيطرة علي تداعيات الأحداث والصعوبات التي تجتازها. وذلك ليس لصعوبة القضايا او تعقيد الإشكالات. ولكن المشكلة الأساسية، تكمن في وجود هذه التنظيمات الدينية، التي تنخرط في العملية السياسية من مدخل ديني، لا يقبل الإختلاف والمشاركة، وأقصي ما يقدمه هو الإستتباع من مرتبة أقل. ليفسد العملية الساسية ولا يصلح شأن الدين. والنتيجة خسائر بالجملة علي الدين والدنيا والآخرة! لذلك أعتقد أن حل المعضلة المصرية يتم من خلال مدخلين أثنين. أولا بالإستفادة من فشل الثورات السودانية. التي سمحت بإعادة العسكر من اول وجديد. ليتم إعادة إختراع العجلة في كل مرة وتفسير الماء بالماء، بعد جهد عقود من الزمان! وذلك عبر إطالة الفترة الإنتقالية علي الأقل لمدة ثلاث سنوات. وخلال هذه الفترة تقوم الأحزاب، بتنظيم نفسها وترتيب أوراقها، وإعداد برامجها وتقديم أفضل عناصرها، بعد تصفيات حقيقية تعتمد علي الأداء المقنع. والإتفاق علي دستور يعبر عن كل المصريين، بعد حفظ للأديان مكانتها كفضاء يجمع بين المتدينين و لا يعادي الآخرين. والترتيب لنظام سياسي يقوم علي التوافق بقدر الإمكان، والفصل التام بين الدولة والجهاز السياسي من جهة، والفصل بين السلطات المعروفة. لتقوم بدورها الرقابي والتشريعي والتنفيذي علي أكمل وجه. مع وضع كل الإحتيطات، لكيفية مجابهة الأزمات والعثرات الديمقراطية. أي كيفية التخلص من السلطة المنتخبة بوسائل سلمية، إذا ما حادت عن الطريق المرسوم لها، من دون تعريض النظام السياسي والدولة للخطر! أي ألا تُحَوَّل الشرعية الديمقراطية الي نوع من القداسة والتابو، الذي يبيح لها الإستفراد بالبلاد والعباد! والمدخل الثاني يتم عبر الجلوس مع جماعة الإخوان المسلمين، وإقناعها بالمشاركة بعد فك إرتباطها بالدين، وتحولها الي حزب سياسي مدني، دون صبغة لا دينية ولا أيدولوجية. وفي حالة الفشل كما هو متوقع! يتم إقناعها علي الأقل بقبول النظام الديمقراطي، والإلتزام بقواعد اللعبة الإنتخابية، بعد إعطائها ضمانات تضمن التمتع بالسلطة في حالة الفوز، في حدود التفويض الشعبي الممنوح لها. او التركيز علي شباب الإخوان، وإقناعهم بأهمية الدولة المدنية المعبرة عن الجميع. والقطع نهائيا مع العنف وإهدار دم الأبرياء, لمخالفة ذلك ليس لجميع الأديان وكريم المعتقدات والقوانين الوضعية فقط. ولكنه يمكن أن يرتد عليهم ويكويهم بنيراه وعذابه الذي لا يحتمل(ولنا في حركة طالبان الأسوة السيئة). كما أن للنزعات والحوجات الدينية قنواتها التي تستوعبها وتعبر عنها، وتستقطب الطاقات الروحية لكل المتدينين، بعيدا عن جهاز الدولة وإمتلاك السلطة. لأن ذلك شأن يخص الجميع، ومن حقهم جميعا المشاركة فيه، وعدم التضرر من أي جهة تكون علي قمته. بالتأكيد هذا طريق صعب ويلامس حواف المستحيل. ولكن دون المرور بهذا الطريق، والجلوس مع جماعة الإخوان المسلمين، وإقناعها بالمستقبل الذي يضمن مشاركة الجميع دون إقصاء لأحد او تنظيم او فصيل. ستكون الإمور في غاية التعقيد، ويتعرض المجتمع المصري للإستقطاب الحاد والإنشقاق العمودي. المفضي بدوره لتغذية العنف والعنف المضاد، ويبرر إنتهاكات حقوق الإنسان، وتصفية المخالفين بدم بارد. ويدخل الدولة المصرية في ورطة تطال أسس بقائها. وتتعطل عجلة التنمية ويدخل الإقتصاد والأمن والعلاج وكل الضروريات في نفق مظلم. وتصبح مصر دولة طاردة وفاشلة. وتنضم بإرتياح لأخيها السوداني في نادي الدول الفاشلة. ليؤكدا حقيقة واحدة أن الأسلام السياسي إذا ما دخل بلد أو زار مجتمع، حل فيهما الدمار والخراب وحمل معه الفشل والضياع. ولا حول ولا قوة إلا بالله. عبدالله مكاوي [email protected]