حينما ألقى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي آخر خطاب جماهيري كان يجلس الفريق عبدالفتاح السيسي في الصف الأول.. وزير الدفاع كان يصفق مع الحاضرين عند الضرورة.. في تلك اللحظات كان الجنرال يخطط للخطوة المقبلة في سحب البساط عن أول رئيس مصري منتخب في التاريخ. ذاك المشهد يجب ربطه بآخر.. بعد أن حقق الرئيس مرسي انتصاراً على المجموعات الإرهابية رأى أن الوقت مناسب لإحكام سيطرته على الجيش وجعله تحت إمرة القيادة السياسية كما في كل بلد ديمقراطي.. لحسابات معقدة اختار الرئيس مرسي اللواء السيسي ليوكل له مهمة تسديد أول لكمة للقائد العام المشير طنطاوي الذي كان قد حصن نفسه بمرسوم دستوري يجعل الجيش بعيداً عن أعين الرئيس المنتخب.. الجنرال السيسي لم يزد على كلمة "حاضر أفندم" وبعدها أنعم عليه الرئيس بنجمتين استثنائيتين حتى يصبح قائداً عاماً للجيش المصري. المشاهد تلك تؤكد أن الجنرال ذو الخلفية المخابراتية كان يخطط للوصول للسلطة بأقل خسائر ممكنة.. وأتته الفرصة حينما خرج المتظاهرون الذين خاب أملهم في الثورة التي لم تجلب لهم إلا ضيقاً في المعائش.. تمكن الجنرال السيسي بمهارة من تأليف جبهة عريضة ضد الرئيس المنتخب الذي لم يكمل عاماً في السلطة.. الجبهة تكونت من بعض الليبراليين الذين يخافون من حكم الإخوان بالإضافة لمجموعات من أنصار الدولة العميقة في مصر.. سند هذه الجبهة العريضة إعلام قوي ومدعوم بالإضافة لشرائح شعبية واسعة تم تخويفها من أصحاب اللحى الذين يتجهون لأخونة الدولة.. الأخونة كانت على النوايا أكثر من الأفعال وإلا ما استمر الجنرال السيسي في منصبه يحيك في سيناريوهات الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب. صنع الجنرال السيسي انقلابه الأبيض بسهولة ويسر.. تمكن من حشد قوى سياسية عريضة بما فيها الأزهر والكنيسة والسلفيين..الخطوة الثانية أتى الجنرال السيسي برئيس مؤقت بحكم وظيفته كرئيس للمحكمة الدستورية.. حتى هذه الرئاسة المؤقتة يستطيع السيسي أن ينزعها من الرجل الذي لم يؤدِ القسم كرئيس للمحكمة الدستورية.. جعل السيسي نفسه كنائب أول لرئيس الوزراء بالإضافة لموقعه كقائد عام للجيش ووزير للدفاع.. حتى الشخصيات القوية مثل محمد البرادعي جعلها في مناصب هامشية غير مؤثرة. في تقديري أن الجنرال السيسي الآن يتوجه لخلق كارزما خاصة به كمنقذ لمصر.. يرتدي نظارة سوداء و يوزع بين الجماهير صوره البهية التي تعود به الى عز الشباب ..يدعو من وراء ظهر الرئيس المؤقت لمسيرات مؤيدة للجيش، وفي الحقيقة أن هذه الخطوات تدعم نفوذه الشخصي كأقوى شخصية في مصر الآن..كأنما التاريخ يعيد نفسه.. ذات الخطوة اتخذها البكباشي عبدالناصر حينما احتمى بشعبية اللواء محمد نجيب ثم وضعه قيد الإقامة الجبرية.. وفعلها حافظ الأسد حينما سار وراء ميشيل عفلق حتى قوي عوده ثم نفى المفكر إلى العراق.. حتى في سوداننا ذاق الترابي جزاء سنمار. الخطوة الأخيرة ستأتي حينما تبلغ الفوضى أوجها في مصر.. ربما يستقيل الرئيس المؤقت وربما يخرج الشعب يطلب تسليم السلطة للجيش، عندها سنتذكر عبارة قالها الرئيس مرسي في آخر خطاب له "أوعى يَضَّحِكْ عليكم". الاهرام اليوم. www.facebook.com/traseem [email protected]