في الرابع من رمضان تم الإنشقاق فعليا في التنظيم الإخواني المتأسلم في السودان، وقاد البشير مرحلة جديدة من مسيرة نظامه في الحكم كان فيها الكثير من التغيرات في تاريخ وجغرافيا السودان ويرى كثير من المراقبين أنها كانت مرحلة للتغيير في قواعد اللعبة لدى الإسلاميون أنفسهم، فباتوا يتحدثون عن الديمقراطية بنسختها الشائهة لديهم ولكن هذا تطورا فهم في مرحلة ماقبل 1999م التي كانت ترفع فيها المصاحف على أسنة الرماح وينادى فيها بالجهاد في جنوب السودان ويدعون تنزل الملائكة للقتال الى جانبهم وكان المرشد العراب الترابي هو الذي يدير هذا الخطاب والتوجه ويبارك خطوات المجاهدين والشهداء ، وكان والمعارضين بضرورة الحال والمرحلة وحدة الخطاب هم الكفار والمرتزقة المأجورين المدعومين من دوائرة امريكية صهيونية لها أطماع في السودان وكان الشعار المرفوع حينها حب الآخرة والزهد في الدنيا رغم البنايات والقصور التي شقت بطن الأرض لتعلو من أجل الأثرياء الجدد فقراء الأمس القريب وبدأ الزحف المقدس على الثروات والمقدرات وتكورت البطون والأرداف وتحمشنت الدقون وصار الوطن مسرحا للفساد وأزداد الفقر والجوع والمرض وجاء طوفان الجبهة المتأسلمة وظل المتخمون يرددون في كل الدروب :هي لله .. هي لله .. هي لله ؟، دون أن يتكرم أحد الصحابة الجدد أبناء دولة الإسلام في السودان ليخبرنا ماهي تلك التي لله . ولا أظن أنهم يعرفون ما يرددون كانت شعارات مبهمة تردد في هيستيريا وتشدق لتصبغ كرنفالاتهم وأعراس الشهداء بصبغة مباركة طيبة قبل أن يعلو صوت الغناء "الجهادي" ليرقص الجميع على هذه الأنغام وتفوح منهم روائح المسك وتفتح شبابيك الجنة فيطل منها الغلمان المخلدون والحور العين "الحور العين هم أخوات نسيبة بعد أن تجرى لهن تعديلات وتصير عيونهم حوراء لان الحور في العين هو شدة سوادها مع شدة بياضها" كانت هذه هي الأجواء في الخرطوم ، وضع الدين لافتات على الشوارع والكباري والمرافق العامة. بعد الرابع من رمضان والفتنة الكبرى التي عاني منها النظام المتأسلم ، فوجئنا بخروج عراب النظام من القصور الى العراء معارضا وإماما للحريات ويدعو الى الدولة المدنية الحديثة التي تطلق فيها الحريات للعباد وتتم المشاركة السياسية للجميع ، وسب وكال لإخوة الأمس وأنكر عليهم فعلهم في الشعب المسكين وصار معارضا بإمتياز لا علاقة له بالسلطة وإستغفروا الله على ما أقترفوه من قتل وتعذيب وتنكيل بالخصوم السياسيين وقتلهم وتضليل الشعب السوداني بتصوير الصراع السياسي في الجنوب على أنه صراع سياسي وقال بأن الحرب في الجنوب هي سياسية وأن الأسلمة ماهي الا شعارات لمرحلة سبقت ،وتحدث أقطاب النظام عندما قررت الولاياتالمتحدةالامريكية تجميد أرصدة المسئولين في الخارج بأنهم كانوا عيون لوكالة المخابرات الأمريكية "CIA" في دول الجوار منذ العام 1990 ، مما يعني ببساطة أن النظام نفسه هو المتعاون مع الولاياتالمتحدةالامريكية وأن شعار "الطاغية الأمريكان ليكم تسلحنا" لم يكن سوى للإستهلاك المحلي ولعبا بالدقون وذرا للرماد في العيون . بعد الرابع من رمضان ذهب الإسلاميون الأكثر معرفة وفكرا الى المعارضة وخرجوا بمشئتهم كما يقولون أو رغما عنهم الى خارج دوائر السلطة ، ليكونوا حزب المؤتمر الوطني المعارض، الذي يسعى بجدية الى إسقاط النظام وهو الأكثر نشاطا لتراكم المعلومات لديه من تجربته مع النظام طيلة فترة العشر سنوات التي ظلا يحكمان فيها سويا، ولكن كمن الإشكال في التداخل الأمني بين التنظيمن المعارض والحاكم فكلاهما يخترق الآخر وتأخرت عملية التغيير ردحا من الزمن وظلت المعارضة السودانية تدور في فلكها السياسي والأمني وتعاني من تصدعات داخلية يرى الكثيرون أنها أتت بفعل مخابرات الدولة ونظامها البوليسي وسعيها الدؤوب لتفتيت التكتلات الكبيرة الفاعلة مثل حزب الامة القومي والإتحادي الديمقراطي وتلتها الأحزاب التقدمية ولكن البعض يرجح أن هذا يعود الى التطور الفكري والثقافي ومحاولة الأجيال الجديدة مواكبة التطور الذي نتج عن تغييرات عظيمة في الساحة السياسية المحلية والدولية وشكل المعارضة الحديث بل ذهب بعضهم الى إلصاق صفة الحداثة على تنظيمه السياسي. بعد إنتهاء مشكلة الجنوب كواحدة من أهم المشكلات في الوطن والتي ظلت تؤرق كافة الأطياف السياسية والمجتمعية في جنوب وشمال السودان ،بالرغم من أن النهاية كانت مأساوية ومروعة ولم يكن ليتنبأ بها أكثر المحللين تشاؤما ووصفت بأنها الجريمة السياسية الأكبر في التاريخ السوداني الحديث ولكن النظام بشكلة الجديد غير الأيدولوجي والذي إعتمد في تركيبته وهيكلته على عدة عوامل أخرى ليس من بينها الأيدلوجية المعروفة للتنظيم الإخواني العالمي مما أدى حينها خروج القيادات العالمية للإخوان المسلمين مثل عربيات والقرضاوي والغنوشي وغيرها بأن من يحكم ليس هو التنظيم الإسلامي الإخواني وإنما هو مسخ وكائن مشوه نتج عرضيا عن الصراعات على الثروة والسلطة والسيطرة على موارد الشعب السوداني وليس له هدف سوى البقاء على السلطة والتنعم بمقدرات الشعب . وأعتمد النظام في تركيبته على تأجيج الصراعات العنصرية والنزعات الطائفية وقام بتسليح ما يسمى بالمتعوربون الأفارقة الذين ينكرون الإنتماء الأفريقي وينكرهم العرب. فأدخل الى القاموس السياسي مصطلحات هي في الأصل قنابل قصد منها التمييز على الأساس العنصري الجهوي القبلي مثل العبيد والتي قوبلت بمصطلح الجلابة أو ما يعرف بمؤسسة الجلابة وفتحت جراحا جديدة ليدفع الشعب السوداني فاتورتها من دمه وماله فقرا وذلا وهوانا وتفرقة . كان طبيعيا في عهد العصبة الإنقاذية أن تخرج المناطق التي ظل النظام يؤجج الصراع فيها ويقتل ويغتصب ويحرق ويدمر بالسلاح للتغير والثورة وجاءت الحركات المسلحة التي تعامل النظام معها بالعقلية البوليسية وتوسعت رقعة التهميش لتشمل كل السودان الشمالي بعد إنفصال الجنوب مما أدى في خاتمة المطاف الى تحالف القوى المدنية والمسلحة للمرة الثانية بعد تجربة التحالف الوطني الديمقراطي التي فشلت لعدة عوامل ليس المجال هنا للتحدث عنها ولكن كانت كل القوى السياسية بما فيها تلك التي تستنكر العمل المسلح لإسقاط النظام لها أجنحة عسكرية مشاركة في جيش التحرير حينها. الآن يبدأ النظام في محاولة تغيير جلده عبر عدة سيناريوهات آخرها قادة إنقلاب الإسترحامات المزعوم كلعبة لتغيير النظام من داخله، إستباقا لتغييره من الخارج الذي بات على رأي الكثيرين من قيادات النظام حتميا ووشيكا، وقابل الشعب تلك المحاولات الفاشلة بالتهكم والسخرية لما في تلك المحاولة من مخالفة لعرف القوات المسلحة التي يحرم لدى أشاوسها الإسترحام والخضوع بعد نية التغيير والشروع فيه ودونكم الخلاص الوطني -28 رمضان و المحاولة التصحيحية بقيادة هاشم العطا وكيف أن قادتها رفضوا بشكل قاطع أي شكل من أشكال الخضوع والتذلل ولكنها مليشيات الإنقاذ ولا حرج!!. عاد قوش العقل المدبر الى أبيه البشير كما قال الإسلاميون عودة يوسف الى أبيه يعقوب عليهما السلام في تلاعب بالدين والتدين وتشبيه القتلة بالانبياء المعصومون ولكنها مهزلة الأيام وادبيات المتأسلمون مما دعى الأستاذة الرائعة شمائل النور بالنبي "قوش" وبعدها يعلن البشير أنه مزمع على تغيير وزاري ربما يبعد فيه أحد أجنحة الصراع الداخلي في التنظيم ليحل بدله مجموعات التغيير الإخواني ونظرية إبدال النعل الإنقاذي ليحل الإنقلابيون أنفسهم ومحاولة إدخال عدو اليوم وربما حليف الأمس الترابي بمؤتمره الشعبي – نسخة المعارضة الإخوانية – لنعود الى مرحلة تمكين ثالثة تفرز المزيد الجرحات في جسد الأمة المنهك وربما الدماء ، وتم تسويق قيادات إنقاذية كقيادات للإصلاح القادم مثل الدكتور / غازي صلاح الدين العتباني ولكن لن تمر هذه اللعبة مرة أخرى على شعب خبر حيل والاعيب النظام طيلة الفترة القادمة . مانريده هو تغييرا جذريا نحو سودان ديمقراطي حر تسود فيه قيم الحرية والسلام والعدالة ويبقى بيننا الأمل في التغيير دوما،،،،،،،،، [email protected]