لقد عشنا و ترعرعنا في وسط المجتمعات السودانية , و هنالك تقاليد قد تُحكى و قد تُطبق , كنا نسمع منذ نعومة اظافرنا و نرى و يحكى لنا , ان الرجل السوداني يدخل النار بقلب ثابت و هو يدافع عن عرضه و عن وطنه و عن حقه. و ان الفتاة السودانية تزكي أوار قلب الرجل فينال من عدوه الذي هو عدويها , كل الأحاجي السودانية كانت تلقن الأطفال الاخلاق الاسلامية و شهامة السودانيين الفريدة في عصورنا هذه. و لكن منذ ان تبدل الحال , و انعطفت الأخلاق الى الأسوأ , ظهر على السطح عكس ما كنا نمتاز به كسودانيين. غابت الغيرة و ذهبت الشهامة ادراج الرياح و لم يكن من أحد ينصر المظلوم. تبدلت الأحوال بتدبير مدروس و مخطط له. كأن الذي كان يخطط لتوطيد الاخلاق الاسلامية و الشهامة في عصرنا هذا قصد الفتك بالمجتمع. لقد جاء أناس يمسكون بمقاليد الحكم و هم يضحكون و يسخرون من بساطة و سذاجة الشعب السوداني الطيب. لقد جاء اناس أغرب من الخيال , متعلم و جاهل يأتلفون من أجل اثراء حياتهم , فاختلط الحابل بالنابل و ظهرت سوءاتهم , و لكن هذا كان يحدث على مرأى من الشعب. انها جماعة قائدها يقرأ القرآن و يذكر الأحاديث و يتشبه بعمر أمير المؤمنين رضي الله عنه في عدله, و لكن هذه الصيحات لا تتعدى الحناجر. ألا يخجلون ؟ ألا يخافون الله ؟ أينامون بالليل و هم مرتاحي البال؟ لا نشبههم بعمر رضي الله عنه فهم لا يصلون مرتبته فقد كان غيورا جدا على أعراض المسلمين, شديد العقاب على من سرق حقوقهم أو غشهم. هل قادة الحركة الاسلامية في السودان من أعلاهم الى أدناهم يخافون من عذاب الواحد الأحد ؟ أم اصاب قلوبهم الران؟ فنحن يا قادة الاسلام السياسي في السودان نرقد قريري العين و نحن ما بين فقر و عوز نخاف الله فقط لأننا نتحمل مسؤولية اسرنا و عوائلنا و رغم ذلك نخاف عذاب الله , فماذا دهاكم انتم؟ هل استحللتم هذه الحياة بصكوك غفران من مرشديكم؟ أم انكم تعيشون الوهم الأكبر و هو أن خلاص الناس في أيديكم؟ كلا ! و لكن دمار العالمين هو ما ستسفر عنه السنون. لاحظوا ايها القادة , كل اللغات تغيرت و تبدلت و هي تتفنن في نبشكم و تعريتكم , و لكن ذلك لا يحرك ساكناً, لقد ماتت قلوبكم و التي كانت في بادئ الأمر فرحة بالحكم و الصولجان , ثم انعطفتم لشهوة المال , و لما ذهب الله بالمال و البترول تقاتلتم و ذهبت ريحكم , تناثرتم كيفما جئتم , هذا درس بالمجان , لقد اختبركم الله و فشلتم , فغرقتم في الذنب و كابرتم و أخذتكم العزة بالاثم. أليس من عاقل بين ظهرانيكم ؟ أليس فيكم من يخاف الله فيقول قولة الحق؟ أم انكم تخافون على سدة الحكم و سلامة الحزب الاسلامي. و لا تخافون الله في هؤلاء المساكين و الفقراء الذين تزعمون انكم قد اتيتم من أجلهم. هذه كذبة كبرى فلا أخلاق اسلامية تحملون و لا شهامة تفتخرون بها , فقد عرفكم الفقير و الغني و العالم و الجاهل. لكن الخوف منكم و من ظلمكم ما جعل الناس تصمت . الى متى ستحكمون , مائة سنة مائتين أو يزيد ؟ مهما طال الزمان فإنكم تحملون في ظهوركم أوزاركم و أوزار من والاكم , التوبة خير من العزة بالإثم. لقد فشلتم حد الفشل , و لكن الكبرياء الظالم يمنعكم من التوبة , فاعلموا يا سادة الاسلام السياسي ان الشعب السوداني صف واحد يضحك مع بعضه البعض و كل افراده و اصنافه تعيش في فرقان و أحياء جنبا الى جنب. لم يتعلموا الكراهية الا منكم. الوزراء الفاسدون , الذين يسخرون , و الذين يسرقون هل هم اسلاميون أم انهم للتمكين الدنيوي ؟ هذا السؤال مطروح على كل راعٍ يرعى بشرا أم غير ذلك في رقعة كان اسمها السودان. هذا اليأس سوف يوصل الناس الى السرقة و الفساد و الكفر , فهل بعد كل ذلك انتم اسلاميون؟ دعونا من كل ذلك , في السياسة هل لديكم فقهاء , أم اذكياء أم بلهاء ؟ الجواب على هذا السؤال في غاية الأهمية. فان كان لديكم فقهاء فأين العدل و الخبراء و التنمية و الرخاء ؟ و ان كان لديكم أذكياء فأين الدبلوماسية و العلاقات و الصفاء؟ و ان كان لديكم بلهاء فهذه الطامة الكبرى و ما علينا إلا الصبر على البلاء. هنالك محكمة كبرى , على العوالم الاسفيرية و على المخطوطات الورقية و على ألسنتنا. و لقد نطقنا بالحكم. لسنا حزبا ً , و لسنا دعاة متشدقين , و لسنا مارقين من رحمة الله , و لسنا منسلخين من حب الوطن , لكننا سودانيين نحمل في أذهاننا أحلاما ً طحنتها رحى الحرب اللعينة, دهستها حوافر الجياد الصافنات , و قتلتها بذرة الشر في قلوب رجال هم من بني جلدتنا. فما عرفوا الوصول , و ما عرفوا ان يستشيروا , فغرقوا في الخصام , و لم يبقى إلا اللؤم و الغباء. ماذا تعني هذه الاحزاب السياسية و هي تحمل أكبر كذبة و نكسة في تاريخنا الحديث العريض, لم ننعم في يوم بالاستقلال , لا تجدي الطبول و لا الاناشيد و لا الاغاني , فقط يجدينا العمل. المثل السوداني العظيم الذي يقول به البسطاء :"القلم ما زال بلم" هل يعي العقلاء و المتعلمون ما معنى هذا المثل. و المثقفين منكم خرجوا من صلب هذا الوطن فكانت القطيعة ما بينهم و المجتمع. لقد تربوا في كنف هذا القطر الذي يدعا السودان ثم مسحوا ملامحه بدعوى التغيير , ترعرعوا في مدارسه و جامعاته التي بنيت و عملت من عرق الفقراء و الكادحين. فهل هذا هو الجزاء؟ اخرجوا ايها القادة من هذه العباءة الرديئة , كما تحبون البيوت المزينة بالذهب و الديباج , احرصوا على ان يرزق الله فقراءنا جزءا يسيرا مما استأثرتم به كل ٌ حسبما قُدر له. ان عدلتم فستحكمون فينا طويلا بلا كراهية, فان خرجتم عن الوطن و الشعب فلكم منا الكراهية و اللعنة, ان كنتم تؤمنون بالحساب و العقاب و اليوم الآخر فلا تبذروا في أموال المساكين و الفقراء و اليتامى. و ان كنتم مثل (فاقد الشيء) فإننا نرجو النجاة من الله, و لكن اعلموا لو هب الشعب في وجوهكم حينها ستخسرون دنياكم و آخرتكم , اتركوا هذا الحكم انه نار سيشتد أوارها عندما تقتربون منها و حينها لا يفيد الندم. و ان كنتم قد اتيتم من اجل مجد دنيوي , فستلحق بكم الأجيال القادمة الهزيمة النكراء لصالح الشعب المغلوب على أمره. انتبهوا ما زال الوقت امامكم , لقد شوهتم صورة الاسلام , و انتم تسترون السارق و الفاسق , فمن يستره يوم الحساب و انتم معهم؟ الحكم الاسلامي ليس بهذه السذاجة , لقد ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة (الشفاء) على السوق تمنع الغش و تحكم بالعدل بين الناس فرضي عمر بحكمها لأنها أعلم الناس في الفقه و المعاملات فهي التي اثنت عمر عن حكمه في قصة المهور المشهورة. فقال عمر : "أصابت امرأة و أخطا رجل , كل الناس افقه من عمر" فعدل عن حكمه أمام الجمع, فلتعلموا ان شهادتكم مجروحة و أن حكمكم يشوبه ألف شائبة و يزيد , و خطابكم لا صدق فيه , و سياساتكم لا تناغم فيها , فالمسؤول فيكم لا مرجعية له , لا يرجع الى من ولّاه و لكن يحكم بغطرسته و كبريائه. انتم لا تبنون حزبا ً و لا دولة , لقد هدمتم دولتكم و لكن كيف الخروج , أتخافون الخروج من هذه الورطة و الشعب السوداني ينظر اليكم ينتظر ساعة الصفر ؟ و لكن أعلموا لقد اكتملت دائرة التجارب السياسية , فكل الأحزاب السياسية جربت الحكم , فقد كنتم انتم خاتمة المطاف للأحزاب السياسية و القادة السياسيين. و لكن هنالك شباب يكمن ما بين طموحاته و الترقب , سوف ينقض عليكم و على كل مستهلك من الفكر, سوف تكون نهاية حكمكم في السودان هو المرحلة المفصلية التي بعدها يتغير السودان , فينعم السودانيون بثرواتهم الكبيرة المنهوبة داخليا و خارجيا. فسيدنا عمر بن الخطاب الذي تزعمون انكم تتشبهون به , عطل حدا ً من حدود الإسلام في حادثة الغلمان الذين سرقوا ابلا ً لرجل من المدينة كان يستخدمهم , فلما علم عمر بانهم كانوا جياع بسبب تأخيير رواتبهم امر بتركهم و عطل حد السرقة و هو القطع , و زجر صاحب الابل و أمره عمر بدفع حقوقهم كاملة و الا عاقبة هو. هذه الشدة في الحقوق و هذه هي العدالة و الخوف من الله و هذه هي العبقرية في الحكم. لقد حكمتم ما يقارب ال24 سنة لم نر فيها عدلا و لا ازدهارا و لا رخاء , نتنقل فيها من مصيبة الى أخرى. لقد قاربتم من مصير ( بن علي – و القذافي – و حسني مبارك) و الملك بيد الله يأتيه من يشاء و ينزعه ممن يشاء. لماذا تساقط العقلاء من الحركة الاسلامية و زهدوا في الحياة و قول الحقيقة؟ اليس هذا جهادٌ في حد ذاته؟ فالجهاد ليس الموت في خطوط النار , ام انكم قد سكتم خوفا ً و رهبة ً من السلطة الظالمة؟ هل مصلحة الحزب تقدم على مصلحة الدين و الوطن؟ نريد من يفتي في هذا و ان يكون صادقا في قوله. ستقولون هنالك اعداء من العلمانيين و الشيوعيين و غيرهم , و لكنكم تحورون الموضوع عن مساره لتشغلوا الناس بمثل هذه المواضيع المضللة. لقد بذرتم في عقول البسطاء هذه السموم , فالشعب السوداني لم يعرف الكراهية و القتل من قبل , كل هذه الاشياء ازدهرت في عهدكم , و لكنها بذرة مستوردة لقد صنعتكم نفس الجهات التي تدعون انها كافرة و تحاربونها. لقد اقتلعتم الحكم اقتلاعا و سرقتموه بليل , و شوهتم وجه الجيش السوداني , مارستم مع الشرفاء من الضباط القتل و التشريد و التعذيب. و هل تصدقون ان ما فعلتموه سيطيل حكمكم ؟ هذه الأصوات التي تصدر من ابواقكم لا تتعدى الحناجر. ان الله لينصر الدولة العادلة و لو كانت كافرة , اما دولتكم فلن يكتب لها النصر و الرخاء , هل رأيتم يا قادة الاسلام في بلادي لسان حال الأطفال و الشباب و قد ظهرت سوءاتكم أمامهم ؟ مستقبل مظلم و شباب ضائع. فان دولتكم صنيعة اجنبية و قد ابتلعتم هذا المقلب. اتريدونها دولة اسلامية أم امبراطورية أم مملكة ؟ لا والله لن تكون ما دام الذين يتبعون اثركم يتفاخرون بالغنى من اموال المساكين من الشعب. عندما يتأمل الانسان ما تفعلون , و الناس في هذه الأيام يعيشون في كابوس السيول و الأمطار. يجد انكم تفكرون بالعقلية الساذجة , وكل عام تتكرر نفس المشاهد ,فهذا يدخلكم في دائرة الظلم , خاصة و ان فيكم البروفيسور و الدكتور و الطبيب و المهندس . الشدة و الغلظة في ارجاع حقوق الناس هو المنقذ , فهبوا من أجل انقاذ الناس أصحاب الحق في هذا الوطن العظيم, لقد عشتم تحلمون بالإمبراطورية و القصور و ماتت قلوبكم و احتقرتم الناس. هذه الدولة التي تحترم الجاهل و الحقير فيعلو فوق رقاب المتعلمين و المثقفين , هذه الدولة أقل ما يقال عنها انها جاهلة. و قياداتها ساذجة , من ورائها ثعالب لا يخافون الله. لقد فارقت وجوهكم مسحة الحياء , و اصبحتم بلا اخلاق اسلامية و لا قيم انسانية و لا شهامة سودانية , فلتذهبوا أنى جئتم غير مأسوف ٌ عليكم. أحمد يوسف حمد النيل [email protected]