لم أكن ممن تفاجأوا بالآثار الكارثية الموجعة للأمطار والسيول التي اجتاحت أجزاء كبيرة من السودان خلال الأيام الماضية فكل من يمر بطرقات وأحياء الخرطوم (العاصمة) ناهيك عن المدن والرى الأخرى يلمس تماماً القصور الكبير في الخدمات خصوصاً البنيات التحتية الرئيسية. يأتي هذا وحكومتنا الرشيدة تعمل بكل جد على إقناع المواطن المغلوب على أمره بأكاذيبها وحبكها الواهية التي أصبحت ديدناً وأسلوباً للعيش والتخطيط وإطالة أمد حكمها. القلب ينزف دماً وهو يرى المشاهد المأساوية لأهلنا الطيبين في شرق النيل وقرى الجزيرة وولاية نهر النيل وغيرها من المناطق الكثيرة المتأثرة بغياب الضمير الإنقاذي. وفي ظل تلك الأوضاع المأساوية يفكر رئيسنا الهمام حامي الدين والوطن في زيارة إيران فقط لتهنئة سادته تاركاً شعبه يحاول جاهداً التنفس تحت الماء وانتظار القادم الاكبر من تداعيات وتأثيرات صحية متناسياً أن سياساته الرعناء ورعايته للفساد المستشري في كل أجهزة الدولة هي التي قادت إلى هذا الوضع المعيشي المتردي. تهطل أمطار بمعدلات أكبر حجماً وتستمر أغلب شهور السنة في دول أفقر منا بكثير ولا تمتلك ثلث ما نملكه من موارد مثل غانا وسيراليون وليبيريا وتايلاند وغيرها من الدول لكن شعوبها لا تتأثر بتلك الأمطار لسبب بسيط وهو أن لديها حكومات وسلطات محلية تحاسب ضميرها وتوجه موارد الشعب في إقامة البنيات التحتية اللازمة عملياً وليس بتصريحات على الورق مثل تلك التي أوردها والي الخرطوم المهموم بتثبيت ركائز المؤتمر الوطني والتبرير الواهي للاعتداءات المتوالية على مدننا. نحن بالمختصر المفيد نعيش في ظل ال (لا دولة) لذلك تفعل فينا زات من المطر كبر حجمها أو صغر ما فعلت. والأخطر والأمر هو أن الأمر لم ولن يتوقف على الكوارث المطرية فالشعب السوداني يعيش مآسي حقيقية لم ولن يخبرها غيره يوماً من الأيام. الاقتصاد يتردى من أسوأ إلى أسوأ وكذا الخدمات الصحية والتعليمية وغيرها في ظل الغياب الكامل للجهاز التنفيذي وإنشغال الجهاز التشريعي بتثبيت أركان النظام المتهالك. وصف حكومة الإنقاذ بالفشل هو في حد ذاته تقليل من شأن الوصف نفسه لأن الفشل أقل بكثير من حال السودان لذلك أدعوا فلاسفة العصر لاستنباط تعبير جديد لوصف حال الحكومة السودانية. لكن الأمر المحير أكثر هو الكيفية التي تنجح فيها حكومة البشير في تلوين وتبديل الحقائق وإخراجها بسناريوهات يعجز أباطرة الأعمال السينمائية في نسجها. وعلى الرغم من أن الكل بما فيهم البشير نفسه مقتنع بأن الناس في بلدي يقتاتون من أكاذيب الحكومة ويتنفسون مآسيها ويعيشون فشلها الأبدي إلا أن المؤتمر الوطني مستمر في نسج شباك العذاب لشعب السودان ومصر على أن يمنحه من العذاب ما لم يخبره آل ياسر. لا أدري أي مرحلة من مراحل الفشل تجعل البشير وزمرته قتنعون بان عليهم الرحيل وتشكيل مجلس من أمهاتنا السكالى لإدارة شئون البلاد بشكل قطعاً سيكون أفضل بكثير من هذا الهراء الذي نعيشه. يقول المتشائمون، وأنا منهم، إن مثل هذه الكوارث ستجعل حكومة البشير أكثر تمسكاً بنهج إدمان الفشل وذلك لأسباب بسيطة ومثبته، فواقع سنوات الإنقاذ ال 24 علمنا حقيقة مهمة وهي أن نظام البشير لا يتنفس إلا تحت حطام المآسي والكوارث لذلك هو من يشعل نيران الحرب في غرب البلاد وفي جنوبها وفي العديد من المناطق لأن الحرب هي البقرة الحلوب لمزيج الفساد والكذب الذي تروي به الإنقاذ عطشها المدمر. ومثلما كانت الحرب المفتعله هنا وهناك هي ترياق الحياة للإنقاذ فإن حطام بيوت الغلابة ومشاهد المشردين والنازحين هي السلعة التي ستكون أكثر رواجاً لتجار الدين. سترون في مقبل الأيام أن حطام الكوارث هذا سيكون سبباً مباشراً في ملئ جيوب الصف الثاني من منتفعي النظام بعد أن شبع الصف الأول تماماً وأمن حياته بمئات الملايين من الدولارات المسروقة من عرق الشعب الكادح والتي تعج بها خزائن البنوك في العديد من البنوك الآسيوية والعالمية. [email protected]