كم هذه الليلة باردة على غير العادة !!.. الريح تعصف خارج النوافذ المؤصدة عيون " طاهر صادق الأمين " مفتوحة على سعتها ... الضوء الخافت المنبعث من شمعة صغيرة آخذة في الإنسراب صوب الموات !!؟... يهتز إهتزازت تزغلل بصره الضئيل أصلاً يرفعه الى الأعلى حيث السقف ثمة " مراين "خشبية تصطف في توازي بطول مساحة الغرفة تحدها من العرض " كمرا " من الحديد الصلب .... تنوء بثقل الأحمال المتراكمة على المتن شروخ الجدران وصدوعها تعكس صورة التضاد بين هشاشة الأساس وكثافة السقف !!... الرغبة في البقاء داخل هذه الغرفة الآيلة للسقوط تتأكد لدى " طاهر صادق الأمين " مع تعاقب الأماسي والنهارات يرافقها جنوح يبلغ درجة الإشطاط صوب خيار الإفناء الذاتي !!؟... * * * خارج حيزه تهدر السماء مرعدة تبرق منذرة بهطول أمطار يبدو أنها ستحدث أضراراً بليغة بمأواه تلفظ الشمعة آخر أنفاسها يبحث عن أخرى ؟.. كانت العتمة قد أخذت بتلابيب أرجاء الغرفة !!؟..... لم يعد ثمة ما يمكن رؤيته كف عن البحث سكنت الحركة .... كانت عيناه تحدقان في لاشئ !!... إطالة التحديق أورثته حالة من الإعشاء .... صار أعشى !!؟..... إصطدم مرات عدة بمنقولات الغرفة كاد أن يسقط أكثر من مرة تحسس جيبه عثرت يده على علبة ثقاب سارع بإخراجها لكنها سقطت من بين أصابعه قبل إشعالها إستدار متلجلجاً !!... لدهشته وطأت قدمه اليمنى جسم العلبة .... أحنى متنه ليلطقتها كاد رأسه أن يرتطم بحافة التربيزة الحديدية ... تشبث بقوائم الكرسي الخشبي فرد قامته وخطا صوب الباب قبل أن تقارب قدمه اليمنى أعتابه ترنح وكاد أن يتهاوى متساقطاً !!؟... بعد عسر إستعادت قامته إعتدالها بغتة قبض بأصابع متشنجة على شمعة وعلبة ثقاب كانتا مركونتين في مكان ما ..... لم تمض هنيهات حتى بدد ضوء الشمعة أسجاف العتمة المتكاثفة بينماأخذ هدير الرعد وعصف الرياح الآخذين في الخفوت يتباعدان إستجمع " طاهر صادق الأمين " شظاياه !!؟... التي طارت شعاعاً !!؟... بدأ يرتب محتويات الغرفة معيداً كل شئ الى وضعه السابق إقتعد كرسياً بجانب الطاولة الحديدية يتأمل ضوء الشمعة الضئيلة وقدرتها الخارقة في إكتساح جحافل الغشاوة الظلامية !!؟.... يقول متسائلاً - أهذا إحتباس إختياري أم قسري ؟... ثم أردف - ماذا في الخارج يصده ويحبس عنه نسمات الهواء المخضل بقطرات ندى النيل ... محاولاً إستنشاق ما تبقى من ذرات الهواء الملوثة بفعل دخان الشمعة وسجار " البرنجي " فتخرج رئتيه زفيراً متقطعاً يتحامل على نفسه متدانياً من آنية الشاي يوقد " الزبيرتايا " من شعلة الشمعة يصب قليلاً من الماء في " التنكة " الصغيرة مضيفاً بعضاً من مسحوق البن المحروق .... كان الليل قد توغل وكاد أن يقارب نهايات منتصه دون أن يصدر منه ما يرهص بإدراك مغزى وجوده في هذا المحبس !!؟... وقبل أن يحسم موقفه تماماً كان فحوى " التنكة " يطمح متدفقاً صب ما تبقى على الكوب الخزفي وأخذ يرتشف منه رشفات متباعدة مستمتعاً بمرارة البن المحروق اللاسعة !!؟.... أنتقل متراخياً من الكرسي مرتمياً على حشايا السرير بجسده المنهك * * * هب من نومه مفزوعاً لم يجرؤ على فتح عينيه ظلتا مغلقتين كأنهما عينا بصير !!... إلا إنهما كانتا ترصدان ما دون سقف الغرفة النجوم الكابية القمر المحجوب بغلالة رمادية من الغيوم .... السماء.ساحة لمعترك بين الرعد والبرق وتلبد الغيوم وإنقشاعها الريح العاصفة لا تني تلعب بالسحب الكرة !!؟..... إنصرف عن التحديق عبر السقف الى ما هو أعمق !!!.... نعمة الخيال وطاقتها على إختراق حاجزي الزمان والمكان تعيد الى ذاته السليبة ما يمكن الإشارة إليه بعودة الروح ، شمله هدوء جارف ... أخرجه من حالة الإنطفاء الوهمية التي حاصرته طوال تلك الليلة جلس على حافة السرير نظر حوله تحرك إتجه نحو الكرسي الخشبي إقتعده وضع يديه على سطح الطاولة الحديدية تمتد يده اليمنى تنبش في أحشاء الأشياء حوله دون أن يحدد مسبقاً ماذا يريد ؟... قبضت أصابعه على قلم جاف تعلق به كغريق يوشك على الهلاك سحب ورقة بيضاء عارية من الخطوط فضاء الورقة يتناصع أمام ناظريه سنان القلم تتحفز للرسم بالكلمات أيفجر قضيته على سطح هذه الطاولة ؟.. أهي هم خاص أم هم عام ؟... أيتداخل الهمان ؟؟.... فلا يجرؤ على الإمساك بأحدهما ماذا هناك ؟.... إلتبس عليه الأمر منذ الوهلة الأولى لم يعد قادراً على الفرز !!.... * * * أإنسلخ عن الحزب أم سلخوه ؟؟؟.... كانت مستنيرة في طرحها لقضايا الوطن وإمتلاكها لرؤية واضحة ..... وجد نفسه يجالسها دون الأخريات يظلان يتحاوران في كل شئ يتعلق بالشأن العام طوال اللقاء !!؟... ولايقاربان عتبة الولوج الى الداخل كان يناديها يارفيقة وتناديه يا رفيق بغتة صدر أمر من جهة عليا أن يتزوج الرفيق بالرفيقة لم يحر جواباً !!؟... بينما إلتزمت الرفيقة الصمت !!... وبعدها حدثت أمور شتى يلفها كثير من الغموض والإلتباس لا يدري حتى هذه اللحظة أهم لفظوه لفظ النواة ؟؟... أم هو خلع عضويته من جسم الحزب خلع " ضرس العقل " قسراً !!؟.... وبعدها طوته جائحة من النزوع الجارف صوب الإنطواء .... كلا الخيارين كانا يتناقضان مع طويته الرفض القاطع أم القبول بالأمر الواقع التنازع بين العام والخاص !!!.... أن يتداخلا أن يصيرا واحداً هل يستقيم الظل والعود أعوج !!؟... دون تردد وجد نفسه حبيس هذه الغرفة الآيلة للسقوط !!... * * * في معية الورقة والقلم يتساءل همساً - أين النهاية ؟ - متى كانت البداية ؟ - ماذا حدث فيما بينهما ؟ - من الضحية ؟ - أهو أم هي ؟ - كيف حدثت الواقعة ؟ - هل من بداية أخرى ؟ ...... .......... فيصل مصطفى [email protected]