تدهشني الحملة هذه الأيام على من تمت تسميتهم ب(الديمقراطيين) وعلى موقفهم الذي يرى خصومهم أنه مناقض لمبادئهم (مبادئ الديمقراطيين لا الخصوم!!)، وهو أنهم مؤيدون ل(الانقلاب) على الإخوان في مصر. ومرد دهشتي ينبع من المبررات التي يستند عليها خصوم الديمقراطيين هؤلاء، من وجوب رفض كل أشكال الانقلابات العسكرية طالما أنهم رافضون لانقلاب الإنقاذ مثلاً، وأن ذات الأسباب لرفض انقلاب الإنقاذ تشتغل على بقية الأوضاع المشابهة من انقلابات على أنظمة ديمقراطية – دعونا نقول منتخبة. وهذا استناد يأتي على مبررات (قد) لا يؤمن بها أعداء الديمقراطيين هؤلاء لكنها مفيدة في الحملة التجريمية الحالية. ولنحاول تمحيص هذا، علينا أولا بالرجوع إلى حالات كنا قد أشرنا إليها من قبل. ونقول مرة أخرى؛ ما موقف مهاجمي مؤيدي السيسي، من الإطاحة برؤساء منتخبين ديمقراطيا (حتى لو كانت ديمقراطية صورية) وعلى رأسهم مبارك ذات نفسه؟ ألا يعتبر إجباره على التنحي من قبل الجيش انقلاباً عسكرياً تم بمباركة الشعب والإخوان وغيرهم مما شكل مبررا لشرعية قامت عليها انتخابات أتت بالإسلاميين قبل أن يشربوا من ذات الكأس؟ ثانياً أود التساؤل عن متى صار الإخوان حملانا وديعة وديمقراطيين؟ إن الديمقراطية لا يمكن –في ظني- أن تنتجها تركيبة غير ديمقراطية مثل تركيبة الإخوان وغيرهم من جماعات الإسلام السياسي التي تقوم على مرتكزين مضرين بفكرة الديمقراطية ذات نفسها، هما: السمع والطاعة في المنشط والمكره لقادة الجماعة، وكونهم يظنون أن الله لم يهد غيرهم كما قال ابن سينا. إن قضاة محاكم التفتيش الجدد في تبنيهم لمفاهيم ظلوا لعقود يقفون ضدها؛ فقط لأنها تخدمهم الآن في محاولة استحلاب التضامن معهم في حربهم ضد (العلمانيين) كما يقولون؛ يمارسون –كالعادة- عنفاً بالغاً تجاه الخصوم، وهو لا يختلف كثيراً من عنفهم القديم تجاه من لا يؤمن بما يؤمنون به، بمحاولة تجريمه بأنه خارج عن الملة –الدين، وهو ما يرونه مبررا لهدم حقوقه كإنسان، بل وقد يهدر دمه ذاته، فقط الآن تحولت النغمة بدل (كافر – غير مسلم) إلى (غير ديمقراطي) فقط لأنك لم تستجب لمحاولات إدانة سفك دمائهم أو ركلهم خارج السلطة –كما فعلوا هم هنا- لأي من الأسباب؛ مثل التشفي، عدم الاهتمام، الإيمان بفكرة العقاب والقصاص،... الخ. إنني أتساءل – كذلك- ما الذي يترتب على كوني (غير ديمقراطي –ديمقراطي مزيف) أو (علماني) أو حتى موافق على سحل الإخوان؟ ما نوع العنف الذي سيمارس ضدي من قبل (الديمقراطيين الجدد) وأي حقوق من ما تبقى من حقوقي الإنسانية سيتم مسحها تماماً؟ إن كان الحصول على الجنسية الإنسانية رهين بدفاعك عن حقوق الآخرين الإنسانية؛ إذن فأكثر قارعي طبول التجريم الجدد غير مؤهلين للحصول على هذه الجنسية وهم يستندون –في العميق- على فكرة إقصاء وهضم حقوق المخالف وقهره، بل وجعل دمه حلالا إن اختار اعتقادا مخالفا لما ولد عليه. في رأيي أن موقف الكثيرين من تأييد قتل الإخوان ونزع السلطة عنهم، يحتاج إلى نقاش موضوعي غير متشنج، نقاش عميق وواسع بعيدا عن سطحية المجابدة والمناقرة، لنحاول معرفة لماذا فقد الإخوان لدى الكثير من المستنيرين الحق في الانتماء الإنساني الذي يؤهلهم لحصد التعاطف معهم في محنتهم حين تحدث؟ هل هذا لشيء فعله –يفعله الإخوان؟ أم أن هناك ما يحتاج إلى جراحة تبين لماذا يفقد الكثيرون –كما قلت- حاسة التعاطف –إنسانيا- مع الإسلاميين دون غيرهم؟ وإلى ذلك الحين تظل محاولات التجريم وكسب النقاط وطريقة: "ما قلنا ليكم الناس ديل ما ديمقراطيين ولا حاجة" الصادرة ممن هم غير ديمقراطيين ولا حاجة كذلك! تظل كلها ضرباً من التدافع غير المثمر. إشارة: في أركان النقاش في الجامعة (زمان) كان الإسلاميون –كلهم- يفضلون الدخول إلى أركان (العلمانيين) ليسألوا فقط: أنت مسلم ولا كافر؟ إذ لو كنت مسلماً فسيطالبون برأيك في الآية الفلانية والآية الفلتكانية، وإن كنت كافراً فهذا يكفي لدق طبول الحرب حتى إقصاء العلمانيين إلى خارج نظام المجتمع. (ما أشبه الليلة...) [email protected]