* زميل دراستنا بثانوية حلفا- صديق إبراهيم- كان معجباً بالممثل الكوميدي المصري محمد عوض أكثر من إعجابه بهريسة "الخيرات".. * كان دائماً ما يتمثل أمامنا ببعض ما يعُدّه مضحكاً من مشاهد لمحمد عوض.. * وعلى عكسه تماماً أنا؛ لم أكن أرى في محمد عوض ما يُضحك إن لم اكن أراه سمجاً.. * والمدهش في الأمر أن زميلنا صديق هذا كان ذا شبهٍ بمحمد عوض إلى درجة لا تُصدق سيما حين يُسقط فكه الأسفل وهو يحاكيه.. * كان يبدو (أهبل) مثله تماماً.... * ووجه الشبه العجيب هذا يذكرّني بقصة قصيرة قرأتها ضمن مجموعة الرعب التي إنتقاها هتشكوك بعنوان (القط).. * فقد أشار الكاتب في مستهل القصة هذه إلى أن جيروم كوتر يشبه القط... * وبما أن كوتر هذا هو بطل الحكاية المشار إليها فقد ظننت أن الكاتب أراد تشبيهه بالقط من حيث المرونة والرشاقة وخفة الحركة.. * ظننت ذلك؛ ولكن كانت المفاجأة أن جيروم هو قط آدمي ب(ذيل!!) وليس الأمر مجرد شبه.. * نعود لزميلنا صديق ونقول إن بعض ما كان يصدر عنه في دنيا الواقع (الدراسي) حظىَ بحبكة كوميدية أكثر من محاولات محاكاته محمد عوض.. * فخلال حصة من حصص الإنشاء- مثلاً- طلب منا أستاذ اللغة العربية أن نكتب موضوعاً عن الشجاعة.. * ووقف الأستاذ- بمحض الصدفة- بجوار صديق إلى حين فراغنا من موضوع الإنشاء المطلوب.. * ثم بمحض الصدفة- كذلك- ألقى الأستاذ نظرةً نحو ورقة صديق فإذا هي فارغة كفؤاد أم موسى رغم مضيّ ثلث الساعة من الزمن.. * وشرخ طبلات آذاننا صوت الأستاذ وهو يصرخ: (ده إيه يا ولد؟!).. * أما (الولد)؛ فقد كان الذي (انشرخ) منه هو عقله.. * وتحت تأثير أجواء الرعب هذه أمسك صديق بقلمه يكتب أعلى الورقة (الكتابة تحت ظلال السيوف).. * كتب العنوان فقط ثم لم يزد عليه حرفاً.. * وطلب الأستاذ من الجميع وضع الأقلام والإنتباه.. * كان يبدو غاضباً جداً.... * أنا يا ولد (سيف له ضل؟!).... * هكذا سأل الأستاذ زميلنا صديق وهو في فورة من الغضب عظيمة.. * ولكن (المسكين) طفق يتمتم، ويغمغم، ويهمهم، بما استطعنا- بصعوبة- أن (نلملمه) جملة مفيدة فحواها أنه يعجز عن الكتابة حين يكون هنالك شخص (يراقبه).. * ولماذا لا تعجز عن محاكاة محمد عوض (بتاعك ده) حين يكون هنالك عشرات يراقبونك؟!.. * أردف أستاذنا قرني سؤاله الأول بالثاني هذا وهو لا يزال غاضباً من حالة كونه سيفاً له (ضل!!).. * وعجز صديق حتى عن الهمهمة والغمغمة هذه المرة... * ثم؛ وفي تطور لافت- حسب لغة الفضائيات- سكت الغضب عن الأستاذ فجأة وطلب من صديق المسكين أن ياتي إلى جواره أمام السبّورة.. * وبعد أن ربت على كتفه بلطف قال موجهاً حديثه لنا نحن الجالسين: (زميلكم معه حق).. * ثم شرح لنا كيف معه حق- (الود) صديق- معدداً جوانب الإبداع الإنساني وحاجة كل منها إلى ما يناسبه من أجواء.. * فالشاعر الذي يلقي قصيدةً أمام عشرات من الأعين التي تراقبه قد يعجز عن اجتراح بيت واحد منها إن كانت هناك عين واحدة تراقبه وهو (يكتب).. * والممثل الذي يُبدع على المسرح أمام الألوف- بالساعات- قد يعجز عن حفظ جملة واحدة من دوره أمام شخص ينظر إليه وهو (يحفظ).. * والكاتب الذي يكتب موضوعاً يقرأه الكثيرون قد يعجز عن (الكتابة) إذا كان واحدٌ من هؤلاء قعد له ب(المرصاد!!) وهو (يكتب).. * فالمبدع يتوجس من الرقيب- في لحظات المخاض الإبداعي- توجس الفأر من رقابة القط.. * وحتى هتشكوك ما كان ليبدع لو أن جيروم كوتر كان قطاً حقيقياً (يبحلق) في وجهه.. * واشتهر زميلنا صديق- بيننا- بأنه صاحب أفضل موضوع إنشائي كُتب عن (الشجاعة!!) رغم أنه لم يكتب سوى جملة واحدة.. * لم يكتب سوى العنوان.... * ثم انكمش كما الفأر المذعور من (القط) !!!!!!! آخرلحظة