قال تعالى: (ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض(. (1) التبعيض هذا وما قبله تحذير بأدب القرآن ولطفه علينا؛ دون الحاجة إلى (إياكم)...! هذا ما ورد في (الخاطر الأول) حين تأملتُ النص... أما الخاطر الثاني فلابد من التفتيش عنه بعد سؤال (لماذا أصلاً الناهية التحذيرية طالما أن الأمر متعلق بالأماني؟!).. فالظاهر البديهي أن (الأمنية) لا ترقى لأن تكون (عدوانية) أو شريرة لهذا الحد...! (2) الحدود الجامعة بين المعاني تتلامس في خط واحد؛ وهو علم الله بضعف النفس الإنسانية وجهلها.. فالآية صريحة (دون فلسفة)؛ عليكم بالتماس مرماها: (ولا تتمنوا...)؛ إنها في سياق الحوادث تردنا إلى أمثلة كثيرة (غابرة معاصرة أو آنية) ففي البعد الزمني تذكرنا ب(غيرة) إبليس من سيدنا آدم؛ والغيرة مبعث التّكبُّر؛ بل هي في جامعات الحياة فصل مكتمل (للحسد)..! (3) و(الحسادة) بتعبيرنا المخفف لها (إخوة وأخوات) لا حصر لهم؛ أكبرهم (البغضاء) وليس أصغرهم (الضر)... فعن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد)... ومن الثوابت التي لا تقبل النقاش أنه لا ينطق عن الهوى..! (4) تهوى شخوص الراهن التسابق لكسب المغانم (كلٌ بطريقته).. فالجالس على كرسيه أشد حرصاً عليه من (البشر).. ولذلك تدور محاولات الاستماتة على البقاء بعدة ما كينات؛ أولها ماكينة: (الرضا عنه) والتي لو فككنا جزيئاتها الإفتراضية لتبين (الدّنس) صادماً للنفس بلا هوادة.. وفي حالة الكرسي فإن للحسد مفعوله في أحوال التنافس.. لكننا مع ذلك لن نستطيع الصمود بقول العارف: (من نازعك في دينك فنازعه ومن نازعك في دنياك فألقها في وجهه). (5) وجه الحاسد لا يخفى على البصيرة... في السياسة؛ الإعلام؛ الرياضة؛ السوق.. الخ.. فهو أشد ثقلاً من حامله..!! (6) حمل الرواة بأن الرسول الكريم كان (يعاف) الحسد وله في مواضع شتى أضواء تكشف (ظلمة) الحاسد؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: (دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين...)..! (7) المتدينون أو العامة لا يسلمون من صغائر تطعن (الرجولة..!!)... إنهم بحاجة إلى التذكير.. ولا نرجو من ذلك سوى تبيين (الحضيض) الذي يتوهط فوقه (الحساد) الحاقدين: * قال ابن سيرين: ما حسدتُ أحداً على شيءٍ من أمر الدنيا، لأنه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على الدنيا وهي حفرة في الجنة؟ وإن كان من أهل النار، فكيف أحسده على أمر الدنيا وهو يصير إلى النار؟. * روى عن ابن مسعود رضى الله عنه: لا تعادوا نعم الله عز وجل؛ قيل: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم من فضله. * ومن آثار ابن عبد البر: كان يقال: أقبح الأشياء بالسلطان اللجاج، وبالحكماء الضجر، وبالفقهاء سخافة الدين، وبالعلماء إفراط الحرص، وبالمقاتِلة الجبن، وبالأغنياء البخل، وبالبخلاء الكِبر، وبالشباب الكسل، و بالشيوخ المزاح، وبجماعة الناس التباغض والحسد. * أما الحسن رضى الله عنه فقد تحدث عن الحسد مع التنبيه لتبعاته: (ليس أحد من خلق الله إلاّ وقد جعل معه الحسد، ومن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه شيء)..! الاهرام اليوم. [email protected]