لا تزال آثار اقدام المحتجين منقوشة في باحة مسجد السيد عبد الرحمن المهدي بود نوباوي، ولم تزل تلك الاقدام التي عفرتها الرمال تحتفظ بمنحوتات ترابية على صدر المسجد الذي اضحى حينها ميدانا للتظاهر ضد السياسيات التقشفية التي رفعتها حكومة المؤتمر الوطني لتجاوز المترتبات الاقتصادية السالبة التي خلفها انفصال جنوب السودان. بل ان المسجد الذي ارتبط تاريخيا ووجدانيا بطائفة الانصار، استحال في مايو من العام المنصرم الى منصة تنطلق منها الاصوات الناقدة لخطى وزير المالية علي محمود عبد الرسول الذي ازاح غطاء الدعم الشفيف عن المحروقات والمواد البترولية. اللافت ان عبد لارسول الذي اجج مزاج اهل السودان الجمعي بقراراته تلك، دهمت رجلاه – بمعية محافظ بنك السودان – سكون منزل زعيم حزب الامة بالملازمين امس الاول للتشاور حول ذات القرارات الجالبة للضجر الشعبي، والمتمثلة في رفع الدعم عن المحروقات. في تذكر جمعة الكتاحة لم تزل الذاكرة الجمعية للشعب السوداني تتذكر - في ما يُشبه التداعي – سلسلة المظاهرات التي انتظمت مسجد السيد عبد الرحمن بود نوباوي، كلما برزت الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات، او في حال اجترت الألسنة سيرة الربيع العربي. الشاهد ان تلك الذكرى وذاك التداعي برزت الى السطح مجددا بعد ان قام وزير المالية علي محمود عبد الرسول ومحافظ البنك المركزي بزيارة زعيم حزب الامة للتفاكر حول الشأن الاقتصادي في خطوة نادرة لم تعرفها ادبيات الممارسة السياسية السودانية في افقها القريب، حسبما يرى المحلل السياسي عثمان المرضي، معتبرا في حديثه مع (الاهرام اليوم) امس ان الزيارة في حد ذاتها جديرة بالاحترام، غض النظر عن دوافعها وعن اهدافها، وانتهى المرضي الى ان المشهد السياسي السوداني بحاجة ملحاحة الى التفاكر بين مكونات المسرح السياسي في السودان". اذن "المرضي" يبدو طروبا للزيارة ايا كانت مخرجاتها، كونها تمنح الفرقاء سانحة لتشريح ازمات الوطن الاقتصادية، لكن بالمقابل هناك من يرى في الخطوة محاولة مكشوفة لاسترضاء زعيم حزب الامة او لشراء سكوته حيال الخطوة المتوقعة وشبه الاكيدة برفع الدعم عن المحروقات للمرة الثانية في ظرف عام، وربما هذا القول يسنده تاريخ الاحتجاجات التي تزامن مع رفع الدعم الجزئي عن المحروقات العام الماضي، وقريبا من هذا المنحى فان الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين يرى ان الحديث عن رفع الدعم عن المحروقات مرفوض ابتداءً لدى احزاب المعارضة، منوها في حديثه مع (الاهرام اليوم) امس الى ان المعارضة لن تسكت على قرار رفع الدعم عن المواد البترولية لان الضائقة المعيشية استحكمت تماما، وانتهى متحدث الحزب اللينيني الى ان الحكومة لن تستطيع شراء سكوت المعارضة حتى اون دخلت معها في مشاورات جادة حول الازمة الاقتصادية الماثلة حاليا". اذن "حسين" يجزم بان الحكومة سيعاجزها انتزاع مباركة احزاب المعارضة للخطوة، لكن مع ذلك فان المحلل السياسي عثمان المرضي يرى ان الحكومة شرعت من خلال زيارة وزير المالية لزعيم حزب الامة في استرضاء امام الانصار، لحيازة مباركته لقرار رفع الدعم عن المحروقات، لكن هذه الرفضية لا تروق لنائب رئيس حزب الامة القومي الفريق صديق اسماعيل، منوها في حديثه مع (الاهرام اليوم) الى ان القرار في حزب الامة بيد المؤسسات وليس بيد رئيس الحزب او نوابه او معاونوه، مشددا على انه ليس بمقدور احد شراء سكوت حزب الامة القومي في مواقف تستوجب الكلام والنطق". شراكة اقتصادية لن يكون من المنصف اهمال فرضية ان الحكومة ربما تكون جادة هذه المرة في ابتدار مشاورات حقيقية لتجاوز الازمة الاقتصادية التي افرزها انفصال جنوب السودان، لكن تثبيت هذه الاحتمالية، دونه مطلوبات اهمها توافر النيات الحسنة من جانب الحكومة في حوارها مع الاحزاب السياسية، وهو شرط لازم عند المحلل السياسي عثمان المرضي، لمنح الحكومة توصيفة الجدية، منوها الى ان زيارة وزير المالية الى زعيم حزب الامة التي اعقبت زيارة البشير لذات الرجل، سيترتب عليها كثير من المواقف، ستؤتي اكلها حال انطلقت من مبادرة رئيس الجمهورية لحلحلة الازمات السودانية". الشاهد ان التفاؤل المشروط الذي يرفعه عثمان المرضي لا يبدو رائقا لمتحدث الحزب الشيوعي يوسف حسين، منوها الى ان الحوار مع الحكومة الحالية دونه بسط الحريات العامة والحريات الصحفية، ومنح الصحف المحظورة من الصدور اذن الطباعة، وابعد من ذلك قطع يوسف بان الحوار لابد ان يكون في العلن وان بنأى عن الثنائية، لضمان التوافق على حد ادنى لبدء النقاشات المسؤولة والجادة". لكن الصرامة التي ابداها متحدث الحزب الشيوعي تبدو معدومة عند نائب رئيس حزب الامة القومي الفريق صديق اسماعيل، معتبرا ان حزبه لا يمانع في الجلوس الى الحوار متى تحققت شروط النقاش ومتى استهدفت المحاور المصلحة الوطنية العامة، لكن الرجل ذو الخلفية العسكرية عاد وشدد بان حزبه لن يكون مطية لتحقيق اجندة حزب او جهة تتعارض اهدافها مع الثوابت الوطنية. استنادا الى حادثات سابقة فان الحكومة موعودة بصيف ساخن حال اقدمت على تنفيذ قرارها برفع الدعم عن المحروقات للمرة الثانية في اقل من عامين، ويمكن ان تجد نفسها امام عاطفة اكثرية الشعب السوداني الرافض لتمرير القرار، لكن اقسى على الحكومة من ذلك كله، الممانعة المغلظة التي ابداها تيار عريض لمشروع القرار، لا سيما ان هذه التيار تتزعمه قيادات تاريخية في الحركة الاسلامية تتصدرها نائبة رئيس البرلمان سامية احمد محمد. وبالمقابل فان الاحزاب لاسودانية ربما تنشط في الخط، لاهتبال السانحة من خلال سلسلة من التظاهرات ربما تعيد الى الاذهان جمعة الكتاحة ولحس الكوع. (الاهرام اليوم) [email protected]