من الواضح ووفقاً لطول التجربة في ميادين القمع والتعاطي، فإن المعادلة باتت مختلة بين الشارع السوداني وأجهزة الإنقاذ السياسية والأمنية.. فالأخيرة إستفادت كثيراً من تلك التجارب ..فيما تقلصت خبرة الشارع في إدارة حركة نفسه وحمايتها من التفلت المرفوض من كل عاقل .. و من المؤكد فقد إستثمرته الحكومة لتنفير عامة الناس عن الخروج حتى السلمي منه .. بل وهي أى الدولة بكل مخططي سياساتها على مختلف أدوارهم ..هي التي فتحت المجال لبعص العناصر التي يمكن أن تكون دستها وسط المتظاهرين للإنحراف بهم نحو التخريب خلال الأيام الأربعة الماضية والتي كانت عاصفة بالحرائق والتحطيم ..ومن المؤكد أن من سقطوا بالسلاح شهداء أو جرحى من وسط غبار الزفة ، قد تم إستهدافهم من عناصر الأمن الذين تغلغلوا داخلها ليتخيروا الذين يعرفونهم كنشطاء من الطلاب ويتم إصطيادهم بتركيز وعن قرب ! نحن نعلم مقدار الحقد الطبقي والعنصري الذي ملاء النفوس غلاً ورغبة في التشفي من أهل النظام الذين سقوا بلغة خطابهم المذمومة كل شجرات تلك السموم بعد أن كاد الوعى الإجتماعي أن يتجاوزها ويطويها في صفحات الماضي ! لكن الثورات لا تنجح بالتخريب ولا بالإنتقام ولا بالنهب ولا ترويع الناس البسطاء باستهداف ممتلكاتهم من الحوانيت والسيارات.. فالفوضى حينما تنطلق وينفلت زمامها فهي لن تفرق بين ماهو عائد لأهل النظام أو ماهو ملكية عامة أو غيرهما ! ولن تصل المسيرات الى هدفها المنشود الا بوجود قيادة لتنظيمها والا.. فستصبح رياحاً هوجا تتقصد كل الإتجاهات ثم تتقطع فيها وتهدأ ..! الإعتصامات في الميادين بصورة دورية و الخروج السلمي كل يوم هو ما يرهق أجهزة الحكم ويوتر أعصابها ، ويجعلها رغم ما تدعية من عدم إعتراض التظاهر السلمي ، هي التي تبدأ بنثر التراب نحو سلمية التظاهر ومن ثم ترتكب الغلطة القاتلة التي تؤلب عليها المزيد من الناس ليخرجو ضدها في الطرقات والميادين ! لا أمل لنا بالطبع ولا تعويل على معارضة ..منها من أمسكت الإنقاذ عليهم .. زلة قدم من نوع مخجل ..والله أعلم! ومنهم الذي في فمه ماء .. ومنهم من فقد ذاكرته التي كانت تقود الشارع عبر النقابات والإتحادات أيام زمان ومنهم من في جيبة ورقة بنكنوت صوروها قبل ان يشتروه بها..ومنهم من يعتبر السودان محطة للتزود بالوقود كلما فرغ خزان حركته ياتيه لماماً ويسافر مع أجنحة دخان البلاد وهي تحترق..فالأمر لا يعنيه في شي جاع الناس أم ماتوا ! ومنهم من قال .. فليبدأها الطلاب و الشماسة والحرامية بالتخريب والنهب لقطع نفس أجهزة الأمن والشرطة ومن ثم نأتي نحن لسلخ الدب بعد أن يسقط أرضاً ! و الذين نشروا الرعب باعتبارهم ثواراً وفدوا لدعم الشارع فقد قدموا خدمة كبيرة للنظام ..لانهم زرعوا الخوف في قلوب الأهالي ..الذين قال بعضهم أن يحكمنا أهل الإنقاذ أفضل من أن تتحكم فينا سطوة النعرات البغيضة ..والمعنى واضح ! هو درس دامي ..وقف حياله المثقفون وطلائع المجتمع المدني من أطباء ومحامين ومبدعين على سبيل المثال لا الحصر ..موقف المتفرج عبر شاشات رسائلهم النصية من خلف مكاتبهم وبيوتهم وأنديتهم..! أما نحن كتاب الإسفير.. وكما يقول أطباء العمليات الجراحية عند خروجهم لأهل المريض بعد إجراء الجراحة في الأفلام العربية..! فنقول وبدون يأس ولا إحباط.. ( أهو إحنا عملنا اللي علينا ..والباقي على ربنا ) فأما المريض المطروح في غرفة الإنعاش ..هو من يتأوه من ذلك الجرح الدامي..شفاه وعافانا وإياكم ..الشافي المعافي من كل داء ..كداء الإنقاذ الخبيث ! ونقول لمثيري الغبار الذي دون شك أزعج كثيراً عيون السلطة الغاشمة ..لكل محارب إستراحة لتقييم التجربة ومن ثم الإنطلاق من جديد بعد الإستفادة من هذا الدرس الدامي ..ولكن لا للتوقف بعد أن بدأت الإنطلاقة ! و إلى جمعة ثورية حامية في كل مكان من ربوع الوطن. [email protected]