إن العثرة آتية والويل لمن تأتي منه العثرة. هكذا تحدث السيد المسيح لكي يهدي لدارون العلوم الإجتماعية رينيه جيرارد كما يلقبه أصدقاءه بريقا لكي يكشف عبره العنف الكامن في قاع المجتمعات الإنسانية منذ ليل الحياة. لم تحظى أفكار رينيه جيرارد باحترام كافي وسط المفكريين الفرنسيين فقد أصابه الظلم كما أصاب الفيلسوف بول ريكور من قبل المفكريين الفرنسيين حيث نعته جان بول سارتر بفيلسوف الأحد أي أن بول ريكور أقرب لرجل الدين من الفيلسوف. هاجر رينيه جيرارد الى الولاياتالمتحدة فاصبح مشهور في واحدة من أرقى الجامعات الأمريكية. اليوم هو عضو في الأكاديمية الفرنسية وزامل فيها كلود ليفي أشتراوس قبل وفاته.فمن ضمن من إشتكي من تجاهلهم له كلود ليفي أشتراوس. في حسرة يذكر رينيه جيرارد أن كلود ليفي تحدث عن نظرية كبش الفداء وتفسير العنف دون أن يذكر أسمه أي رينيه جيرارد. وبمناسبة العنف الكامن في قاع المجتمعات الإنسانية منذ ليل الحياة حاول محمد أركون الإستفادة من نظرية رينيه جيرارد لتفسير العنف الكامن في المجتمعات الإسلامية منذ فجر الإسلام.فنظرية محاكاة الغريم تفسر سر سعي المسلميين الى الإختلاف عن اليهود والمسيحيين ويضيف إليها محمد أركون بعدا آخرا مسؤول عن تبرير العنف وهو فكرة أمتلاك الحقيقة. ومن هنا تأتي الحساسية البالغة لمشروع محمد أركون. فهو كمن يعمل في حقل الألغام أقل غفلة قد تودي بحياته.ألم يك إنفلات العنف والقتل باسم الدين الذي يمارسه الإسلاميين أخطر من حقل الألغام؟ دخل محمد أركون لحقل الألغام الإسلامي مسلح بعلوم شتى. أستطاع محمد أركون أن يجمع جهود رينيه جيرارد غير المعترف بها من الأنثروبلوق كلود ليفي أشتراوس مع الأفكار الأنثروبولوجية. وإستفاد من الحوليات و جهودها في دراسة التاريخ وإستفاد من علم الإجتماع. فأصبح له منهج عظيم وهائل يطغى علي موضوع دراسته كما يرى ناقديه ويرى آخرون أن محمد أركون يستخدم منهجه الضخم كدرع ليختفي خلفه من عنف الإسلاميين. لن يرضى الإسلاميون عن مشروع محمد أركون وهذا شئ طبيعي لأن أركون حاول كسر الجمود الفكري بأدوات لم يعتادها عقلهم المتحجر منذ قرون.فجهود محمد أركون تختلف عن الكتابات المسطحة لأنها تمتاز ببعد رأسي يفارق ما أعتاد عليه عقل المتاجريين بالد ين.فمحمد أركون حينما يستقر الرأي علي فكرة فتح باب الإجتهاد المغلق منذ قرون من قبل كثر وتظهر أفكار كالأحياء وفكرة أهل القبلة وتفسير الترابي للقرآن علي أساس التوحيد يرنو بنظره بعيدا في أفق ما بعد الأجتهاد وهنا تكمن روح فكرة غربلة التراث التي تحتاج لمنهج ضخم وهائل كمنهج محمد أركون. مع منهج كمنهج محمد أركون نجد محاولات كل من الدكتور حسن الترابي والإمام الصادق المهدي وحتي تفسير الدكتور عبدالله الطيب وزخم تلاميذه كالحبر يوسف نور الدائم وعون الشريف قاسم تبدو كتخطيطات لدراسات تقوم علي قدم واحدة. ما قدمه الدكتور عبدالله الطيب وتلاميذه مقارن بمنهج محمد أركون الهائل يوضح أن الدكتور عبدالله الطيب لم تخطرعلي باله فكرة غربلة التراث وتحويله وبالتالي تجاوزه بل سعي الي تكريث كل ماهوقديم. ومسألة مقارنة عبدالله الطيب بمحمد أركون تأتي هنا في مجال اللغويات فمن ضمن أجزاء منهج محمد أركون الضخم نجد اللغويات عنده قد وظفت في مسألة غربلة التراث.في حين نجد دراسات الدكتور عبدالله الطيب إتجهت نحو المرشد لفهم أشعار العرب وصناعتها. ونجد أن الدكتور طه حسين قد كتب مقدمة دراسات الدكتور عبدالله الطيب إلا أن الدكتور طه حسين نفسه أعمل الشك في دراسة الأدب الجاهلي. وكذلك قدم طه حسين مشروع نهضوي وهذا مالم يحصل من قبل الدكتور عبدالله الطيب بل نجد تلاميذه اليوم من أكبر سدنة النظام الديني الحاكم والمتحكم في العقل السوداني.فتلميذه الحبر يوسف نور الدائم أسطع مثالا علي ما أقول. فعبدالله الطيب هو من أتي بالتقاوى الفاسدة التي أنتجت الأجران الخاوية كالحبر يوسف نورالدائم.وقد يكون الدكتور عبدالله الطيب من حيث يدري ولا يدري قد ساهم في تكريث خطاب الأسلام السياسي في السودان بسبب فهمه التقليدي الذي حاول تكريثه عبر دراساته.فحاله كحال إدوارد سعيد الذي إعترف في آخر أيامه بأن كتابه الإستشراق قد ساعد في إنتشار الخطاب الديني المنغلق. قبل أيام مرت الذكرى الثالثة لوفاة محمد أركون والذكرى العاشرة للدكتور عبدالله الطيب.أيهما أقرب لروح الربيع العربي؟ حينما إنتقد عالم الإجتماع العراقي علي الوردي الدارسيين لقضايا الشعر العربي ونقد الشعر العربي ونقد النقد حينها كان الدكتور عبدالله الطيب يكتب في المرشد لفهم أشعار العرب.ويمجد في أخ الصحراء في كتاباته ويشيد بالبدواة. في الوقت نفسه كان علي الوردي يري أن البداوة والصحراء أكبر إبتلاء لحضارة العراق. فقد كتب علي الوردي عن الإزدواج في الشخصية العراقية والتناشز. أما نحن في السودان وفي مجال الشعر فقد أزدهرت حركة الغابة والصحراء بل إنتصروا للصحراء. فاي أزدواج في الشخصية وأي تناشز؟ اليوم وفي ظل وادي الموت الذي يمشي فيه الشعب العراقي لم يجد العراقيون ملجى غير دراسات علي الوردي كعالم إجتماع فز قد يساهم في أنتشال العراق من وحل التاريخ. فعلي أي دراسات نعتمد في جر السودان من وحل التاريخ؟ وهاهي ثورة سبتمبر قد إنطلقت؟ وكما يقول السيد المسيح حيث تكون الجثة تجتمع النسور نظام الأنقاذ الآن قد أصبح جثة إجتمعت عليها النسور. ومن قبل قد ذكرنا أن الإنقاذ سوف تسقط بالتقادم. فرفع الدعم يدل علي أن الإنقاذ قد إرتشفت كأس السم وقد سعت لحدفها بظلفها. هاهي جثة الإنقاذ تجتمع حولها النسور ولكن بأي الأدوات ستشرح؟ بأدوات تلاميذ الدكتور عبدالله الطيب المعجبيين بالبدوي وأخ الصحراء؟ وهذا مستحيل في نظر عالم الأجتماع العراقي علي الوردي. أن تشريح جثة الأنقاذ يحتاج الي منهج محمد أركون الضخم وعلي الوردي الذي ينتقد الواقفيين علي باب خلق العبارة الفاقديين لريادة الفكرة أمثال الأجران الخاوية الذي يمثلهم الجرن الخاوي الحبر يوسف نورالدائم. تشريح جثة الإنقاذ لا يحتاج لآداب الآداب وحدها بل يحتاج لآداب الإجتماع وآداب الإقتصاد وآداب علم النفس وفلسفة القانون. حينما تحدث علي الوردي عن إزدواج الشخصية العراقية وعن إبتلاء الصحراء لعراق الحضارة إنتقده القوميون بانه قطري وإنتقده الشيوعيون بأنه رجعي. واليوم وبعد مرور ثمانية عشر عام علي وفاة علي الوردي هاهي دراساته تظل كفنار يهدي سفينة العراق الضالة. في آخر أيامه أكد علي الوردي أن إزدواج الشخصية والتناشز لم يخص العراقيين وحدهم بل كل الشعوب العربية. وبالطبع ستشمل معها تخوم العرب أي عرب السودان. علي الوردي كان لبراليا أقرب لليسار لذلك قد أنتقده الشيوعيون والقوميون حقا إنهم صانعي الضجيج.هاهي دراساته تقف شامخة كالطود بعد أن إختفى القوميون والشيوعيون محبي النظم الشمولية. وهاهو علي الوردي لبراليا أقرب لليسار وستظل دراساته سيدة الموقف في هذه الأيام. عطفا علي دراسة علي الوردي وفكرة أن الصحراء والبداوة أكبر إبتلاء لحضارة العراق وأن كمون إزدواج الشخصية والتناشز في الشخصية العراقية بذرتها قد أتت من الصحراء والبداوة. سيظل السؤال قائم عن إندثار حضارة الفراعنة السود في السودان بسبب الصحراء والبداوة. [email protected]