بدون مقدمات فإن الحراك الجماهيري الحالي هو غير كافي لإسقاط النظام .. للأسف هذه حقيقة نستطيع رؤيتها بوضوح إذا تجردنا قليلا من مشاعر الحماسة الثورية وفكرنا في الوقائع بعقلانية .. الشباب والشابات الرجال والنساء الشرفاء الذي خرجوا ضد نظام البشير الظالم والفاسد في مختلف مدن السودان لم تكن أعدادهم كبيرة .. اكثر التقديرات تفاؤلا في وسائل الاعلام الغير محابية للحكومة لم تتجاوز الخمسة آلاف في إحدى مظاهرات الخرطوم .. وهو رقم ضئيل جدا مقارنة بعدد السكان الذي يفوق الخمسة ملايين إذا اردنا الحديث عن ثورة تهدف لإسقاط نظام متسلط على البلاد والعباد لربع قرن من الزمان .. لكي تقوم مثل هذه الثورة فإنها تحتاج لمشاركة شعبية جارفة .. على الأقل عشرة في المائة من سكان البلد لتستطيع هز النظام .. كما أن التظاهرات يجب أن تكون عامة لأغلب مدن البلد الكبرى - لا محصورة فقط في العاصمة - لتبعث رسالة للعالم ومن قبله للجيش بأن النظام يفقد السيطرة ..* الأعداد القليلة التي خرجت*سواء في تحركات يونيو 2012 أو هذا التحرك المجيد الظافر - كما نأمل ونتمنى - في سبتمبر 2013*يجب علينا رفع القبعة احتراما لمبادرتها في النضال وتضحياتها التي دفعتها من دمها وحريتها .. لكنها تدعونا للتساؤل .. *لماذا ظلت قليلة ؟ أين باقي الشعب ؟ لماذا لا يتحرك وينفعل ؟ هل تراه كله (كيزان) من عضوية المؤتمر الوطني ؟ أم أنهم كلهم من طبقة أصحاب الأعمال المنتفعين والمتصالحين مع طغمة نظام البشير ؟ أم ربما هم (مرتاحون) اقتصاديا واجتماعيا وسعيدون بقيادة البشير الرشيدة لهم ؟ الوقائع المشاهدة تؤكد أن الغالبية الساحقة من ابناء الشعب السوداني في شتى أصقاعه هم ساخطون على البشير ونظامه الفاسد وإدارته الفاشلة لشئون البلاد .. وأنهم ضاقوا ذرعا من هذا الواقع الأسود ويريدون التغيير .. هذه الرغبة مشتركة غبر كل فئات الشعب بكافة تباياناته الجغرافية والطبقية والتعليمية والوظيفية .. لكن السؤال لماذا لا تترجم هذه الرغبة بفعل كالمشاركة في تظاهرات الثورة ضد هذا النظام الفاشي ؟ قد تصعب الإجابة على هذا السؤال .. لأنه يقود إلى عدد كبير جدا من التساؤلات المتفرعة عنه مثل هل هذا الوضع السوداني الحالي ليس سيئا بما يكفي ليحث عددا أكبر من الشعب على الخروج والتظاهر ؟ هل يحتاج السودانييون أن تمارس معهم الحكومة شيئا أكبر وأبشع من الاجراءات الحالية لتدفعهم للتحرك ؟ أم أن هناك حالة اقتناع سلبي متفشية بأن هؤلاء القوم هم الأقل سوءا وأن التغيير قد يقود إلى ما هو أسوأ ؟ أم تراه الخوف المستزرع من (ناس دارفور) و(الجبهة الثورية) من أن يدخلوا الخرطوم ويعيثوا فيها فسادا ؟ أم ﻷن الناس أدمنت حياة القهر حتى استساغتها وأصبحت قادرة على التكيف معها ولا تريد بدأ حياة جديدة مجهولة المصير ؟ هل حدثت حالة من التبلد للانسان السوداني ليحتاج مثلا الى خمسة او ستة تحركات تظاهرية كهذه عبر عدة أعوام حتى ينتفض ويثور ؟ أم لعل السودانيين ببساطة يريدون التغيير لكنهم لا يريدون دفع اي ثمن مقابله ؟ مهما كانت الإجابة فهي تكشف عن حالة شرخ عميقة وتآكل في جسد المجتمع السوداني أصابته بالتشوه .. وهي نتيجة طبيعية وحتمية لأكثر من 24 عاما من العبث الممنهج بحياة هذا الشعب .. المهم هو الخطوات التي يجب اتباعها لتحريك بقايا الفئات المتخاملة لدفعها للمشاركة في العملية الثورية .. أهم هذه الخطوات هي التنظيم .. هذه التحركات الثورية هي تحركات شبابية بامتياز من شباب غالبيتهم بلا تنظيمات سياسية محددة .. واستطيع أن أخمن أن كرههم لثالوث الديناصورية السياسية (المهدي والميرغني والترابي) ليس بأقل من كرههم للبشير .. لكن عليهم أن ينظموا انفسهم على الأرض بشكل أفضل .. بشكل يقارب تنظيمهم الاليكتروني الرائع جدا عبر الانترنت .. حتى يكون عندهم القدرة على التحرك بفعالية أكثر .. اتفهم أن ذلك سيكون بالغ الصعوبة في ظل المراقبة والقمع الأمني ولكن لا مناص منه .. فبالعمل المنظم يأتي الحشد الكبير ودونكم أمثلة كفاية وستة أبريل في مصر ..*الشيء الآخر هو الاصرار .. التظاهر اليومي ولو بأعداد قليلة .. *فهو يبقي جذوة الثورة حية .. ولعل اكثر من نرشحه لذلك هم طلاب الجامعات .. فهم الأكثر وعيا والأعمق تأثيرا وتجمعهم اليومي في جامعاتهم يمثل نقطة انطلاق حية وفعالة لهذه التظاهرات .. وقد ضربن (عازات) الأحفاد أجمل وأروع الأمثلة على ذلك ..يبقى الشيء الأهم أن لا نستلم للإحباط حتى وإن هدأت أعاصير المظاهرات .. يجب علينا اكمال المسيرة بالاستعداد للهبة القادمة .. بنشر الوعي الثوري بين الناس والتنظيم والإعداد الجيد .. والتي نأمل عندما تهب أن تقتلع هذا الهم الجاثم طويلا على صدورنا وصدر سوداننا المكلوم ..