سهل على الإنسان أن يختار بين الخير والشر، او بين الجيد والسيئ، اليوم نحن لسنا بصدد الاختيار بين أهون الشرين، هذا تعميم مخل بل وتجني، سياسيا الذي يلتقي معك في 40% من الأهداف هو شريك والذي يلتقي معك بما نسبته 60% أو أكثر هو حليف، لا يمكنك ان تطلق على من جاهروا بصوتهم عاليا من إصلاحيي الحزب الحاكم بأنهم استمرار للوضع الحالي وأنهم انتهازيون، ببساطة ان كانوا كما تقول أي انتهازيين فأبواب الدولة كلها مشرعة أمامهم من تأسيس شركات وإعفاءات، فالطريق معبد أمامهم الى أوسع أبواب الثراء ولما كلفوا أنفسهم هذا العناء ويتحملون في سبيل ذلك الكثير. بنظرة الى هبة سبتمبر، في رأيي الشخصي والذي قد يغضب البعض، ان الناس لم يخرجوا متظاهرين بالحجم الكافي والكثيف لعاصمة عدد سكانها ثمانية ملايين ليلا وأربعة عشر مليون نهارا ، لم نجد معارضة تنظم مظاهرات حاشدة بعشرات الآلاف، دعك من مليونية، وإذا كانت مصر ذات التسعين مليون نسمة تخرج مليونيات بسهولة فنحن ثلثها، عددنا 33 مليون هل خرج مائة ألف او مائتين كلا، الخيار المتاح هو التعاون مع الإصلاحيين لمسار ديمقراطي معافى وسليم. مخاوف عديدة ساهمت في عدم خروج الناس زرافات ووحدانا، احدها هو هذا الاستقطاب المجتمعي الحاد ، السودانيون قادرون على تجاوزه ان تم حل الإشكال السياسي ، او سيدفعون ثمنه انقساما آخر لبلادهم ان أفلتت هذه اللحظة التاريخية من بين أيديهم، ليس هناك دولة معصومة من هذا ، مجتمع متجانس كالمجتمع المصري اغلب مسلميه سنة و جلهم شافعي المذهب و مع ذلك انقسم على نفسه وسالت دماء، إذن العبرة هي في بث روح الاعتدال بين المكونات والقبول بالآخر. صحيح أن النظام (عقائديا في الدفاع عن نفسه) هو اضعف اليوم من بعث صدام الذي احتاج الى رافعة خارجية لتخليص العراقيين منه، وهو اضعف بلا شك عقائديا و عسكريا من بعث سوريا وهو اضعف بكثير امنيا وعسكريا من نظام مبارك و مع ذلك لم تكن الهبة الشعبية بالقدر الكافي والمنتظم للخلاص منه رغم عدم رضي غالبية الناس عنه وهو قد يجيد الى حين والى بعض الوقت فقط مرحلة التلاعب بالعقول وإثارة الهواجس والمخاوف لدى الناس من التغيير وتخويفهم من البديل كأن حواء السودان قد عقمت ، ذلك لن يستمر طويلا، فقد لامست الأزمة الاقتصادية وترا حساسا ويعلم الناس، عامة الناس، سائق التاكسي وصبي الدكان أن البدائل ممكنة بغير تحميل الناس أوزار حكومتهم الذي بسبب سياساتها فقدنا ثلث البلاد وأزهقت أرواحا كثيرة في سبيل الوحدة ودون مساءلة، ليتهم أنصتوا لصوت العقل، كتبنا وكتب غيرنا و كدنا نصيح كتابة في التسعينات بضرورة إعطاء الجنوب حق تقرير المصير كحل عقلاني وإيقاف الحرب، ويعلم المختصون من اقتصاديين وسياسيين أن بديلا لهؤلاء الحكام في السودان سيصلح علاقات السودان مع دول الاتحاد الأوربي ومع دول الخليج، ستحل مشاكلنا الاقتصادية، وبزوال قيود الفساد سننطلق و تطلق قدراتنا من عقالها، إذن فلم نتحمل كل هذا العنت و من اجل ماذا يحكموننا هؤلاء أصلا ، ما هو المبرر او المسوغ لمشروعهم ان لم يتنحوا لهذا السبب وحده أي أنهم عقبة كأداء في سبيل العون الخارجي وتسببوا في شقاء البلاد والعباد دون رحمة لفقير او مسكين، ان لم يتنحوا فأجدر بالناس الخروج عليهم وتنحيتهم. لنتصالح مع من حولنا ولا تحدثوا الناس عن ان هذا الحصار هو ضريبة المشروع الحضاري فالمتغطي بورقة التوت عريان وبمقياسكم نقول ان ما فعلتموه بالسودان هو الذي قصم ظهر نظرائكم في مصر فاللاعب الكيشة يضر بالفريق بأكمله. ومع هذا كله ومع عدم خروج الناس بجموع منتظمة لفشل المعارضة في ذلك فان التغيير او إسقاط النظام لن ينجح بذات الطريقة التي حدثت مع عبود ومع نميري لذلك على قوى المعارضة بالداخل والخارج التنسيق والعمل مع الإصلاحيين في الحزب الحاكم وذلك سيحقق ثلاث أهداف: أولهما سيجنبنا الاستقطاب في المرحلة القادمة ، اذ ان التيار الإسلامي ينبغي ان يسمح له بالتعبير عن نفسه وفي الإطار الديمقراطي القادم، شبح! ماضيه في الحكم مع أداؤه السابق السيئ سينال منه وسيعود الى اقل من حجمه الذي كان عليه عشية 30 يونيو1989مقارنة مع القوى الجديدة. ثانيهما وجود التيار الإسلامي المستنير المعتدل سيضفي لمسة اعتدال مفقودة عند الجبهة الثورية حاليا التي ستدرك انه ليس فقط تضحيات الشباب في الوسط والمركز ساهمت في التغيير بل ان اللقاء مع قوى حية مستنيرة من عدة مشارب ساهم أيضا بل كان له الدور الأكبر في الوصول للهدف الديمقراطي بأقصر الطرق مما سيدعم وحدة البلاد باقتناع الجميع ان اللقاء مع الآخر ممكن. ثالثا غلاة المتشددين في النظام سيطمئنوا بوجود هؤلاء أي الإصلاحيين لروابط الزمالة عبر السنين أنهم لن يتعرضوا مستقبلا لأي انتهاكات من أي نوع عدا العدالة الحقيقية مما سيقلل من روح الممانعة لديهم للتغيير كما ان المترددين من من لم تتلوث أياديهم و ذمتهم المالية سينضمون لمذكرة الإصلاحيين لتكون لهم الغلبة وها قد ارتفع عددهم من ثلاثين الى 500 وربما ألف والعدد قابل للزيادة فقد كرت السبحة والحق أبلج وهو أحق ان يتبع وان سكوتهم في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة و جلهم من تولى مسئولية في هذا البلد، سكوتهم سيقسم السودان مرة أخرى. نعم بذلك تكون جميع القوى تستعد للتحول الديمقراطي الرشيد كما ان الجبهة الثورية عليها ان تكون أكثر واقعية وان تقبل بالسودان الديمقراطي بعيدا عن أي أيدلوجية أخرى، ليس للناس أي استعداد لتجريبها لا أيدلوجية إسلامية متشددة ولا فكر السودان الجديد المنغلق والمتشدد،وجرب جيراننا الشيوعية والبعثية والناصرية والقذافية و الاخوانية وكل الايلوجيات فشلت، الناس تريد أحزاب خدمية وتريد ديمقراطية معتدلة ومستدامة تحفظ الحقوق وتمنح الجميع الفرص المتساوية. من قبل كتبت منتقدا معارضة الخارج من الذين يهاجمون رجل مثل د الطيب زين العابدين ود عبد الوهاب الأفندي بحسب التصنيف المسبق و لمجرد الخلاف في التوجه و قد نال الأخير نصيبا اكبر ونالته سهام وتناولته أقلام وكلها معارك وطواحين هواء والذي يلتقي معك في ما تطرحه من رؤى ديمقراطية هو شريك وحليف. [email protected]