إن بناء الأوطان عملية شاقة وطويلة الأمد يمرحلها أولو الضمائر الحية الذين يندبون نفسهم ويضحون من أجل الآخرين ، ولها بالتالي مطلوبات جسيمة لا يتحملها الأنانيون ، وأول ما تتطلبه – عملية البناء- سواعد متينة ومدربة تتحكم فيها أذهان متفتحة تدفعها نفوس متجردة ، على غرار نفس الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه الذي كشف عن تجردها حينما تحدث مخاطباً بطنه عندما سمعها تقرقر من شدة الجوع في يوم ٍ من أيام عام الرمادة : ( قرقري ما شئت فوالله لن تذوقي طعاماً حتى يشبع أطفال المسلمين ) عمر الفاروق صاحب المقولة الشهيرة ( وُلّينا عليكم لنسد جوعتكم ونوفر لكم حرفتكم فإن عجزنا عن ذلك إعتزلناكم ) ، كان ذلك في القرن السابع الميلادي . وتمر السنون والقرون لتسفر في نهاية القرن العشرين عن عمر آخر ليحرك دباباته ليلاً متسلطاً أمة آمنة مطمئنة متصالحة مع نفسها ومع كل العالم ، تمارس أرقى وأحدث ما توصلت إليه العبقرية الإنسانية في مجالي الإدارة والحكم ، ليفرض عليها إسلاماً غير إسلامها الذي عرفته منذ قرون . أمة كانت تطبق بكل أريحية وإطمئنان الشرائع الإسلامية في كافة مناحي حياتها – صلاةً – وصياماً – زكاةً - وحجاً – وشهادتين كمان – لم تكن هناك مدينة (في السودان قاطبة ) تخلو من مئذنة لرفع الآذان للصلاة ، وليس هناك حي أوقرية أو فريق يخلو من زاوية أو مسيد ، أمة كانت تطبق شرائع الإسلام يبدأون أكل ( المناصيص والضلع ) بالبسملة ويختمونه بالحمدلة ويعبرون عن دهشتهم بالحوقلة ، يبيعون ويشترون بالصلاة على محمد ، أمة هي الأعلى نسبة ( على مستوى العالم ) لحملة كتاب الله ، يتزوجون بشريعة الإسلام وبها يطلّقون ، يزرعون بها ( بسم الله للغاشي والماشي ) هكذا يبدا السودانيون بذر مزوعاتهم ، وبها يحصدون ويطمرون . حرك عمر دباباته ومجنزراته ومدرعاته ليفرض عليهم إسلاماً غير الإسلام الذي يطبقونه والوارد إليهم بالتواتر من سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم والذي أنزله إليه الله الواحد الأحد عبر أمين وحيّه سيدنا جبريل عليه السلام . وقد فرض عمر إسلامه وشريعته لمدة أربع وعشرين سنة ، وبنسبة مائة بالمائة فلم يعارضه أصغر جندي إلا صفاه وبقسوة ، ولا أصغر معلم في نائي القرى إلا وفصله وشرّد بناته وأبناءه ، ولا أصغر موظف في أيّ مصلحة إلا وأحاله إلى الصالح العام . حتى بلغت أعداد المقتولين ( لرأيهم ) والمفصولين والمحالين إلى الصالح العام الآلاف . فكانت حصيلة إسلام عمر وشريعته ( الغير مدغمسة ) قتلاً وتشريداً وتضليلاً وتجهيلاً وزرعاً للأمراض العضوية والنفسية وتوطيناً لها . حصيلة لم يشهد التاريخ البشري على أمتدداته الزمانية والمكانية لها مثيلاً ، منذ عهد النمرود مروراً بفرعون ونيرون وغيرهم من الذين يريد الله ليأخذهم ببعض ذنوبهم ، فاشهدوا معنا بأن إسلام عمر البشير يختلف عن إسلام عمر الفاروق بمائة وثمانين درجة . واشهدوا معنا بأن إسلام عمر القرن السابع للإعمار والتعمير وإسلام الآخر للخراب والتدمير . [email protected]