قولوا حسنا تواجه الصحافة السودانية اليوم أزمة حادة لم يشهدها تاريخها منذ انشائها فى بواكير القرن الماضى.. تقع الصحافة فى تقديرى داخل خماسى يؤثر سلبا على مسارها مثل مثلث برمودا الذى يغرق السفن ربما يغرق الصحف كلها أو تلك التى لم تجد قبولا واسعا من القراء وتتعثر فى توزيعها واعلاناتها مما أدى الى ان توقفت كثيرا من الصحف عن الصدور. هذا المثلث الخماسى الذى أضعف دور الصحافة واضعفها بعضها وتردد بعضهم عن الاصدار فى الظروف الحالية حتى الذين أخذوا تراخيص من مجلس الصحافة يتكون حسب تجربتى من الناشرين والدولة ومجلس الصحافة واتحاد الصحفيين والطابعين هذا اذا استثنينا القراء باعتبار أنهم لا ناقة لهم ولا جمل فى صناعة الصحافة بل هؤلاء القراء المساكين فرضت عليهم صحافة ضعيفة المهنية ومدجنة. اذا أخذنا الناشرين مثلا فتجربتى الشخصية معهم لحوالى ثلاثين عاما منذ انتفاضة أبريل 1985 التى أتاحت حرية الصحافة، هؤلاء الناشرون لا يتحدون ويجتمعون لمناقشة القضايا التى تهم الصحافة كصناعة أو مهنة أو كأحد أهم آليات ممارسة الحريات العامة والديمقراطية الا عندما يريدون زيادة سعر الصحيفة كلما زادت تكلفة اصدارها منذ أن كانت عشرة قروش حتى قرروا أخيرا رفع السعر الى جنيهان ونصف. ظللت أكررمنذ ذلك الزمان أن الحل ليس فى زيادة السعر بل فى زيادة سعر الاعلان والتكتل حوله تجاه المعلنين خاصة فى مواجهة الشركات الكبرى وأقول دائما الغنى يجب أن يدعم الغنى الفقير وليس العكس بل أن فى انتشار الصحف فائدة للشركات وأقترحت وكتبت حلول كثيرة ولكن دون جدوى بل للأسف ظن البعض ظنونا ليس فى محلها. ولكن يبدو أن زيادة سعر الصحيفة كان هو الحل الأسهل وأخيرا وصلت الى قناعة أتركها للزمن.. ومما يؤسف له ان بعض الناشرين لديهم تصورا ضيقا ويعتقدون خطأ" أن منافسة غيرهم تضرهم فيلجئون الى أساليب لا تتفق وطبيعة مهنتهم التى يفترض فيها السمو!! ولعل أسوأ ما فى الناشرين أنهم لا يتعاونون ويتحدون فى أهم قضية تهم الصحافة وهى قضية الحريات الصحفية فضربت الصحافة السودانية فى مقتل واضعف دورها فى بث الوعى والاستنارة وعودة الديمقراطية بل أذكر ان أكبر خطأ للصحافة السودانية عقب انتفاضة ابريل 1985 حين ساهمت مساهمة مباشرة فى وأد الديمقراطية بسبب الابتذال والتشهير والاثارة الضارة المغرضة ومهدت لاختطاف الديمقراطية تماما مثلما حدث بعد ثورة اكتوبر 1964.. اليوم الصحافة دخلها ناشرون غرباء على مهنتها بل ليست من اختصاصهم اللهم الا الرغبة الجانحة فى السيطرة السياسية فكيف لاتحاد ناشرين أن يفعل شيئا؟ الضلع الثانى هو الدولة باجهزتها السلطوية وقوانينها المتعددة التى تسيطر على الصحافة والصحفيين وتأبى أن تقدم للصحافة أى تسهيلات أو ميزات ولعلها تقصد ذلك وهى تنحاز لصحافة وصحفيين دون آخرين لمجرد الخلاف فى الرأى فالحكومة لاتمارس العدالة أو المساواة مع الناشرين والصحف والصحفيين فمن معها فهو قديس ومن ليس معها ولو كان ناصحا فهو ابليس يجب ضربه واقصاؤه. الضلع الثالث هو مجلس الصحافة فهو ضعيف ولا يقدم شيئا ملموسا للصحافة خاصة فى مجال الحريات الصحفية ويهتم كثيرا بالرسوم العالية للتصديقات والتجديدات ومدخلات الانتاج، فدوره تقوم به جهات أخرى تتغول على سلطاته التى أعطاها لها قانون الصحافة وأقصى ما يستطيع المجلس فعله هو تقديم المذكرات التى لا تسمن ولاتغنى من جوع فهو من شاكلة المجلس الوطنى لدرجة أن ندواته عادة لا يؤخذ بما يرد فيها الأمر الذى جعل الناشرين ورؤساء التحرير زاهدون فى حضورها الا القليل منهم ولا عجب فى ذلك فطبيعة تكوينه وقانونه تتحكم فيهما الحكومة التى تشكل غالب العضوية سيما اذا أضفنا لها الضلع الرابع وهو اتحاد الصحفيين الذى نعرف كيف يتم تكوينه فهو مثل مجلس الصحافة لا يقوم بدوره لا فى الحريات الصحفية ولا فى دعم الصحفيين. وأخيرا لا تقوم المطابع بدورها فى التوعية والاقتراح للناشرين كيف يمكنهم تخفيض تكلفة الانتاج فهناك وسائل اقترحتها عليهم ولكنهم لا يتحمسون لها بل لا ارادة لهم ففى حين يتطور العالم فى وسائل الطباعة ومحاولة تخفيض تكلفة الانتاج ما زل الطابعون يتبعون وسائل تقليدية. القضية الآن لاخراج الصحافة من مأزقها الحالى وايقاف التدهور والمصير المجهول ليس فى زيادة سعر الصحيفة أو غيره القضية أولا فى حرية الصحافة وتحررها من القبضة فمعظم القراء قد كفوا عن شراء الصحف وعادة ما يلجأوون فى حالة الضرورة الى شراء صحيفة واحدة أوالتبادل أو التأجير ولعلهم على حق فكيف لمواطن يجد مشقة فى العيش أن يشترى جريدة بجنيه وجنيهين ونصف فى حين أن الصحف أخبارها واحدة ومكررة ويعلم القراء الأذكياء طبيعتها ومصادرها ومقاصدها... حرية الصحافة هى أساس تطور الصحافة.. صحافة حرة أو لا صحافة.. @ الجريدة www.aljareeda-sd.net