هي معركة بكل المقاييس، نتيجتها لابد أن تكون من صالح الصحافة، مهنةً ورسالةً ودوراً أساسياً في التغيير، هي معركة يحتاج فيها المنتصر إلى تنازلات وتضحيات في ذات الوقت. منذ أيام ولا شغل للناشرين وملاك الصحف والمؤسسات الصحفية إلا تكلفة إصدار وإنتاج الصحف، تدارس الناشرون الأمر ورأوا أن تلك التكلفة المتزايدة بسبب ارتفاع فاتورة الطباعة، وبسبب زيادة تكاليف النقل ثم التوزيع، وبسبب الزيادة التي طرأت على مرتبات العاملين في بعض الصحف التي طبقت ما أسماه العاملون ب(منحة الرئيس).. ثم زيادة أسعار الورق التي كانت أكثر وضوحاً خلال الأزمة الأخيرة التي جفت فيها الأسواق أو كادت تجف من ورق الطباعة، ثم (تعويم) الجنيه السوداني مقابل الدولار، رأى الناشرون أن كل تلك الأسباب تدفعهم، بل تجرهم جراً إلى تطبيق زيادة في أسعار الصحف السياسية تصل نسبتها إلى مائة في المائة. نحن في «آخر لحظة» حاورنا وحاولنا من أجل تفادي ذلك الأمر، لكن صوت الأغلبية كان هو الأعلى، ومع ذلك رأينا أن يكون لنا رأي خاص، بعد أن نخضع واقعنا إلى دراسة فاحصة سعياً وراء مكمن العلة، حتى نتفادى الخسارة اليومية التي لا نقبلها لأنفسنا، ولا يقبلها لنا القراء الذين هم شركاؤنا الحقيقيون في هذا العمل.. جلسنا في اجتماع طاريء ضم أغلب أعضاء مجلس الإدارة، وتبادلنا وجهات النظر، وقدمنا الدراسات الواقعية واقترحنا الحلول العملية، واتفقنا جميعنا بلا استثناء على ما قال به الباشمهندس الحاج عطا المنان رئيس مجلس الإدارة، من أن الصحافة رسالة قبل أن تكون استثماراً ذا عائد.. اتفقنا على ذلك واتفقنا على أن ننتصر للقاريء الكريم، واتخذنا إجراءات إدارية قاسية طالت مخصصات أعضاء مجلس الإدارة بنسبة (20%) وطالت بنود التشغيل، التي قلت بنسبة تكاد تكون مساوية لتلك، وقرارات أخرى كثيرة. رأينا أن ننتصر للقاريء الكريم وألاّ نزيد سعر الصحيفة على الأقل في الوقت الحالي- وألاّ نعمل على تقليل صفحاتها من ست عشرة إلى اثنتي عشرة صفحة.. قررنا أن نقاوم، وأن نقدم رسالتنا رغم الظروف القاسية والصعبة، ورأينا بالاتفاق مع بعض الزملاء والناشرين في اجتماع ضمه منزل الدكتور الباقر أحمد عبد الله ألاّ يكون لنا التزام بالزيادات المقترحة من قبل بعض الزملاء بحيث تظل أسعار صحف «آخر لحظة» و«المجهر السياسي» و«الخرطوم» وأخريات على ما هي عليه الآن، وأن تكون الزيادات هي خيارنا الأخير الذي نسأل الله ألا يلجئنا إليه.