إن تفاعل الفرد سلباً أو إيجاباً تجاه أي قضية قومية أياً كان نوعها وافقت ميوله أم لا ، يعتبر هذا التفاعل مؤشراً حقيقياً لقياس نسبة تشبع هذا الفرد بقوميته أو (وطنيته) . ومن هنا برز اهتمام الدول المتقدمة بالتربية الوطنية ، فأضحت مادة مقررةً في المراحل التعليمية على مختلف مسمياتها وحسب سياسة الدولة المرسومة ، فبعض الدول تدرس مادة التربية الوطنية في مرحلة الأساس أو الثانوي وبعضها في مراحل التعليم الجامعي . ولعله وفي الأسابيع القليلة الماضية مرت على البلاد أحداث عديدة منها ماهو سياسي وعسكري مثل الاعتداء على مصنع اليرموك ، وأخرى رياضية كخروج فريقي القمة من البطولتين القاريتين صفرا اليدين وحدث هو اجتماعي في المقام الأول مثل مرض الرئيس ، هذه الأحداث مجتمعة وإن كانت ابتلاءات لم تفلح في خلق نوع من الشعور بالانتماء لهذا الوطن ولو بدرجة بسيطة يمكن قياسها . فثمة قضايا عامة يجتمع الناس حولها هي بمثابة الأصول لا خلاف حولها وان اختلف الناس في الفروع فالأشخاص كلهم الى زوال وفناء وتبقى الأوطان وتُبنى بقيم شعوبها . فما من أمةٍ إلا وتسعى لأن تكون سابقةً في مضمار السباق الحضاري , وأن تكون قويةً عزيزةً منيعةً تقود ولا تُقاد , تسود ولا تُساد , وتسعى لأن تطور أوضاعها باستمرار وتتقدم بإطراد , وهذا لن يتأتى إلا من خلال تأهيل قدرة وفاعلية أبنائها من أطفال وشباب , ذكورا وإناثا , فهذه الفئات هي أكثر العناصر البشرية حيويةً وحماساً ونشاطاً لتحقيق الأهداف واستعداداً للبذل والعطاء والفداء , وهم الأكثر تشوقاً لتحقيق المجد لأمتهم ,والخير والرفاه لوطنهم , وهم أمل المستقبل بكل أطيافه من سياسيين وعسكريين واقتصاديين وتربويين وإداريين وعمال وفلاحين . ولِما لهذه الفئات السكانية من أهمية , فان الدول والأمم تُولي أهميةً خاصة في تربيتهم وتنشئتهم بوضع سياسات تربوية واضحة ومحددة الأهداف والإستراتيجيات والخطط والمناهج والكتب والوسائل والنظم وضمن بيئة مدرسية وأسرية واجتماعية خاصة , وذلك لأن هذه الفئات من ( الأبناء ) هم موطن الأمل , ولذا يعزى تقدم أي أمةٍ الى تقدم التربية فيها , ومن هنا نلمس في كل دولة وفي كل إقليم الاهتمام المتزايد بالتربية والتعليم بشكل عام والتربية الوطنية بشكل خاص . ولعل دولة ماليزيا أقرب مثال على ذلك ففي زيارة رئيس الوزراء الأخيرة للسودان عزا تقدم بلاده ونهضتها لاهتمامهم بالعملية التعليمية وأن الدولة تخصص سنوياً ربع الموازنة العامة للتعليم فكانت النهضة الماليزية التي أصبحت محط أنظار دول العالم ومثار اهتمام الكثير من مراكز الدراسات السياسية والاقتصادية وغيرها . فلماذا لا يُقدم القائمون على أمر التعليم في البلاد بإلزامية تدريس مقرر (التربية الوطنية) في جامعاتنا السودانية وهي ذات المرحلة التي يكمُل فيها النمو الجسمي والفكري للشباب وتكون خير معين لهم في قيادة تغيير حقيقي لهذا المجتمع السوداني ويكون هذا المقرر ( من المواد الإجبارية ) ولا تُستثنى فيه التخصصات بل يكون إجبارياً لكل طالب جامعي ، وحبذا لو تم تضمينه أو إدراجه كبديل لبعض المقررات بصورة كلية أو جزئية مثل التاريخ القديم وعلم الاجتماع وغيرها من تلك المقررات التي درسناها قبل عشرات السنوات وتظل كما هي الى اليوم ، وذلك لِما لهذا الموضوع من قيمة تربوية كبيرة في حياة أبناء الوطن من خلال بتزويدهم بمعرفة نظرية وميدانية عن وطنهم أرضاً وشعباً , وترسيخ محبة الوطن والأخوة الوطنية لديهم , وتحفيزهم لخدمته بوعي وإخلاص وخلق مجالات للتنافس على الإبداع لتحقيق التقدم والرقي المنشودين في مختلف ميادين الحياة ، فمقررات التربية الوطنية تختلف عن غيرها من المقررات الجامعية لما لها من الخصوصية في الصراحة والصدق والولاء والانتماء للقيادة وللوطن , وإذكاء الشعور بالمواطنة وتنمية الحس الوطني وإنماء القدرة على مواجهة التحديات بدلاً من استقاء المعلومات من أركان النقاش التي تنظمها أحزاب متحاربة فيما بينها ، متهالكة أهلكت معها أجيال من الشباب كان منوط بهم بناء وطن سليم معافى من الأمراض والأحقاد . فما ذنب هؤلاء الشباب من الطلاب وهذه الأحزاب بمختلف مسمياتها ومشاربها تزج بهم في صراعات هي في غالبها شخصية لا صلة لها بوطن ولا مواطن ، وتشهدهم على وقائع لم يشهدوها وأحداثٍ ومواقف لم يصنعوها ؟ فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته . [email protected]