التحية والتقدير للأستاذ الدكتور علي محمد عثمان الذي طاف بنا في سياحة علمية رفيعة تناول فيها قضية السلم التعليمي الحالي التي تشغل وتؤرق كل سوداني غيور على وطنه، والشكر موصول للصحافي الكبير الأستاذ طه النعمان الخبير بمهنته المؤمن بوطنه وشعبه وصاحب الرأي الصائب والقلم الحر الشجاع الذي ينعكس جلياً في واجهته المضيئة لتنير الطريق لكل من يريد السير في الصراط المستقيم. في فذلكة تاريخية علمية رائعة تناول الدكتور علي محمد عثمان النظم التعليمية التي اتبعتها الحكومات الوطنية المتعاقبة منذ الاستقلال الى اليوم، وتطرق أيضاً للنظم التعليمية في عدد من بلاد العالم ومعظمها تنتهج سلماً تعليمياً فترته 11سنة ما عدا دولتي إنجلترا وماليزيا 12 سنة، وأورد الأسباب التي دعت الى إعادة النظر في السلم التعليمي الحالي وتقدم باقتراح بسلم تعليمي جديد تكون فترته الزمنية 12 سنة، 8+4 بإضافة سنة دراسية للمرحلة الثانوية. من خلال تجربتي التربوية العملية والمشاركة في تنفيذ السياسات التعليمية التي أقرتها الحكومات الوطنية أورد بعض الإضاءات عسى أن تكون إضافة تعين متخذي القرار للوصول للرأي الصائب الذي يصب في إصلاح التعليم وتحديثه. عند صدور القرار بتنفيذ السلم التعليمي الحالي 8 +3 تفاءل المواطن وبنى آمالاً عريضة فيما سيحققه السلم التعليمي من نجاحات وطفرة علمية كبرى تنعكس مخرجاتها تنمية ورخاء، ولكن بعد مرور ما يقرب من عقدين من الزمن اتضحت الرؤية ولم تتحقق الأهداف التي وضعت لإحداث النهضة التربوية العلمية التي تقود الى دولة العلم الحديثة وتستوعب الكم الهائل من الشباب وتوظف علمهم وتفجر طاقاتهم في استغلال الموارد والخيرات الكبيرة التي حبانا بها الله تعالى. إن إصلاح التعليم لا يتم بزيادة عدد سنين السلم التعليمي ولكن لابد من معرفة الأسباب الحقيقية الأخرى التي أدت إلى تدني التعليم ومعالجتها علاجاً جذرياً، وإن التعليم يشبه الهرم في هيكله وترابط حلقاته العلمية والإصلاح لابد أن يبدأ من قاعدة الهرم ثم التدرج الى القمة. الأسباب التي أدت الى التدني: 1. إن المناهج والمقررات لمرحلة الأساس صممت ليقوم بتدريسها معلم مؤهل يحمل درجة البكلاريوس خريج كلية التربية، هذا النوع من المعلمين لم يكن موجوداً بالمدارس عند التنفيذ. 2. التوسع في التعليم وزيادة عدد المدارس أدى إلى تعيين معلمين جامعيين لسد العجز، بالإضافة الى الكم الهائل من المعلمين العاملين بالمدارس من حملة الشهادة السودانية بدون تأهيل لتوقف معاهد التأهيل التربوي. 3. آلت مسؤولية التعليم الأساسي الى المجالس المحلية التي ليست لها موارد مالية تمكنها من تحمل المسؤولية العظيمة وعجزت عن تزويد المدارس بالعدد الكافي من المعلمين الذي أقرته إدارة المناهج لتدريس المنهج والمقررات الصيفية وتغطيتها وفق فترة زمنية محددة وجدول أسبوعي لكل مادة وكان العجز كبيراً ومؤثراً على سير العملية التعليمية، كمثال ولاية الخرطوم يساوي (000.3) معلم. 4. غياب المعلمين المتخصصين في تدريس المواد التي يبدأ تدريسها من الصف الخامس كان سبباً في تدني وهبوط المستوى. 5. البعد الشاسع بين إدارة المناهج والدارسين في المدارس، يدرس الطالب 21 مادة ويمتحن في ثماني مواد، وهذا عمل لا يتماشى مع النظم التربوية ولا يساعد على الإستيعاب والتحصيل الجيد. 6. عزوف الكفاءات العلمية عن الإنخراط في مهنة التدريس وعزوف الطلاب من ذوي النسب العالية في الإلتحاق بوزارة التربية (راتب المعلم عند التعيين 250ج). 7. الكتب المقررة لتدريس منهج السلم التعليمي وضعت بطريقة لم تكن سائغة ولا متعارفة للمعلمين بالمدارس (الطريقة الكلية). 8. البيئة المدرسية محبطة ومنفرة وخالية من وسائل التعليم الحديثة الجاذبة التي تساعد على التحصيل الجيد وتنمية القدرات واكتشاف المواهب. اقتراحات تسهم في إصلاح التعليم: 1. أن ترفع النسبة المالية المقررة لوزارة التربية والتعليم في الموازنة العامة للمالية إلى (15%) بدلاً عن (5.3). 2. أن تتحمل حكومات الولايات مرتبات المعلم لحين تحسين الموارد المالية بالمحليات، وذلك لسد النقص الكبير في المعلمين. 3. إصدار قرار بتكوين مجلس عالي لرعاية المناهج يتكون من ذوي الكفاءات العلمية وأساتذة الجامعات ورؤساء الشعب بإدارة المناهج لوضع التصور والسمات العامة لمنهج يحقق الأهداف التربوية ويواكب المستجدات العلمية الحديثة. 4. إصدار قرار بتكوين مجلس رفيع المستوى بالإضافة الى عمداء كليات التربية لرسم السياسات وطرق التأهيل التربوي العلمي والمهني لتخريج المعلم الكفء المقتدر علمياً ومهنياً. 5. أن تقوم إدارة المناهج بالمتابعة والتحرك الميداني والإهتمام بتقارير المرجع الميداني من إدارة التعليم والمعلمين للتقييم والتقويم. 6. الإهتمام بالإحصاء التربوي، وهو الأساس لوضع الإستراتيجيات والخطط والبرامج التعليمية المفيدة. 7. لاستيعاب الطلاب ذوي النسب العالية في الشهادة السودانية ولالتحاقهم بكليات التربية أن تدفع لهم حوافز مالية شهرية خلال فترة الدراسة وأن يلتزم الخريج بالعمل في التدريس، أسوة بما كان يعمل به في معهد المعلمين العالي. 8. عمل كادر وظيفي جاذب يبدأ بمرتب مجزٍ عند مدخل الخدمة وفيه مساحة متدرجة لاستيعاب الكفاءات العلمية المختلفة والنادرة لتنوير وتحديث التعليم. مما تقدم طرحه أضم صوتي الى اقتراح الأستاذ الدكتور علي محمد عثمان وتثنية السلم التعليمي المقترح (8+4 =12) سنة، وبإضافة سنة للمرحلة الثانوية لتصبح الدراسة بها أربع سنوات، وتأييدي لهذا الإقتراح هو للأسباب التالية: 1. إن الفارق العمري بين طفل السادسة وطالب الثالثة عشرة كبير لا يسع لإضافة سنة أخرى لطالب عمره (13) سنة ليصبح عمره (14) سنة في مدرسة واحدة مع طفل السادسة. 2. القوى العاملة من المعلمين بالمدرسة الثانوية أوفر مع وجود العدد المناسب من المعلمين المتخصصين في المواد، ولذلك التحاق الطالب بالمدرسة الثانوية أفيد وانفع له من الاستمرار في مدرسة الأساس. 3. بيئة المدرسة الثانوية أحسن حالاً وأوفر مجالاً للتعليم الجيد في هذه السن. 4. إنتقال الطالب من مرحلة الأساس التي قضى بها 8 سنوات الى المرحلة الثانوية فيه تغيير وتجديد ودفع معنوي ونفسي للاستمرار في الدراسة برغبة وهمة. 5. إضافة سنة دراسية للمرحلة الثانوية لتصبح أربع سنوات تساعد الطالب في تحسين المستوى وتمكنه وتعده للامتحان في مساقيه العلمي والأدبي. نسأل الله التوفيق والسداد محمود نايل عثمان تربوي ومدير عام لتعليم الأساس بالمعاش الأبيض- 4 نوفمبر 2009م من المحرر: أولاً الشكر أجزله للأستاذ محمود نايل لهذا الثناء والإطراء غير المستحق لشخصي، وثانياً أتمنى أن تجد هذه المداخلة العلمية القيِّمة، التي توحي بالخبرة الطويلة الممتازة والتمكن من مادة البحث وموضوعه التعليم، أن تجد ممن هم في مركز القرار الإهتمام والمتابعة وأن تكون أحد مرتكزات المدارسة والحوار في مؤتمر التعليم القومي المرتقب. النعمان