هل تعرض السودان الى حرب جرثومية في فترة المهدية ؟؟؟؟!!. من الثابت أن الفتح التركي المصري كان حدثا هاماً للغاية ويكتسب أهميته من أهمية التغيرات التي طرأت على الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في السودان إثر دخول هؤلاء الأجانب.....ولكن ماذا عن الجانب الصحي في ذلك الوقت..؟؟. كانت هناك بعض الوبائيات الفتاكة بالسودان مثل الكوليرا والملاريا والجدري فقرر الخديوي فتح مستشفيا بعواصم المديريات وأكبر هذه المستشفيات هي مستشفى الخرطوم التي كانت تسع 270 سريراً أما بقية مستشفيات المديرات فقد كانت دون ذلك بكثير كما أنها تفتقر إلى الكوادر الطبية في مجالات عديدة. استجلب الخديوي مصريين لتعليم السودانيين النابهين مهنة التمريض وقد برع السودانيون في ذلك كثيرا لدرجة أن بعض المرضى يفضلون الممرض السودان عن الطبيب المصري. كان الوضع الصحي وقتئذ يعتبر سيئاً مقارنة بما مضى من عهود وذلك نسبة لحالة الفقر التي ضربت المواطنين جراء الضرائب والإتاوات الباهظة هذا خلاف المعاملة السيئة من قبل المسئولين الأجانب لذا بدأت بعض الأمراض في الظهور إلى السطح بصور ملحوظة مثل الكوليرا والجدري والتراكوما وخلافه.......فهل يا ترى كان انتشار وباء الجدري مقصودا؟؟. وباء الجدري – هل كان حربا جرثومية (أن وباء الجدري الذي إنتشر بصورة مخيفة وحصد الآلاف في المهدية بعد فتح الخرطوم فقد نشره غردون بواسطة ماء ملوث معبأ بدانات المدافع قذف بها عبر التحصينات وأصابت الأنصار بعد أن فتحوا الدانات (الجلل) التي لم تكن تنفجر لأخذ ما بها من البارود لإعادة استخدامه في البنادق ولكنهم كانوا يجدوا الماء فيعتقدوا أن بركات ومعجزات المهدي حولت البارود إلى ماء ويتمسحون به تبركاً والنهاية معروفة، وقد أفادت الإحصائيات بأن في هذه الفترة من ماتوا بالجدي كانوا أضعاف الذين ماتوا بسبب القتال). المرجع: (جورنال غوردون المحفوظ بالمتحف البريطاني). لقد ظهرت الحقيقة كاملة بعد الإفراج عن المستندات السرية من قبل وزارة الحربية البريطانية .ان مما يؤكد هذه الجريمة بالإضافة إلى جريمة نشر التايفويد والذي أستجلب مع حملة الإنقاذ بقيادة وولسلي والتي لم يقدر لها النجاح وووصلت مقدمتها بعد سقوط الخروطوم وكان سابقاً قد حدثت إصابات بالمرض في أبار الجقدول بعد المعركة الشهيرة التي سبقت معركة المتمة حيث قام الجنود الذين أوكل لهم حراسة الجرحى في أبار الجقدول وسط الصحراء بسرقة صناديق الويسكي المخصص لتسكين آلام الجرحى وبعد أن سكروا عثروا على صناديق البولوبيف الملوثة التي كانت مخبأة بين مهمات الحملة الطبية ولا يعلم بسرها سوي قائد الحملة وولسلي وقائد الحملة الطبية المصاحبة للجيش وضباط الإستخبارات، أكلوا المعلبات الملوثة وأصيبوا بالمرض ماتوا وعند عودة بقية الجيش من المتمة مهزومين وجدوا الفاجعة والجنود بين محتضر وميت ولأول مرة في تاريخ العسكرية البريطانية يسجل التاريخ ترك الجيش لجثث الجنود في العراء دون دفن بسبب الخوف من الإصابة بالمرض. القصة كاملة بعد أن تحركت ثلاث بواخر تحمل ستيورات ومن معه، وكان ذلك في 10/9/1884م، بدأ غردون حربه البيولوجية ضد دراويش المهدي باستخدم فيروس الجدري، وذلك عندما قام بزيارة مستشفى الخرطوم، والتقى بالدكتور نيكولا وسأله إن كان يستطيع إنتاج جراثيم الجدري، فأجاب الدكتور بأنه يستطيع. فكان أن وفَّر غردون للدكتور نيكولا العجول التي سيزرع فيها الجراثيم. بعد أن تحصل نيكولا على بثور الجدري قام بوضعها على أنوف العجول وتحت جلدها وتمَّت عملية الزراعة، وبقي الإنتظار للحصاد الذي سيتمّ بعد ثلاثة أسابيع، (وردت تلك المعلومات في أوراق غردون بالمتحف البريطاني. جوليان سيمونز ص 153). بعد ثلاثة أسابيع ذبحت العجول التي قام بتجويعها الدكتور نيكولا لكي يتفشى فيها المرض أكثر. بعد ذبحها أزال منها دكتور نيكولا الغدد الليمفاوية، وقام بفرمها بماكينة فرم عاديّة وتصفيتها بغربال. كان دكتور نيكولا يقوم بذلك في جرأة دون خوف لأنه تلقى تطعيماً ضد الجدري بالقصر العيني في مصر. وذلك من طعم الجدري المعالج بالجلسرين الحديث الصناعة والذي يعطي مناعة ضد المرض بدرجة عالية. إلى هنا فقد انتهى غردون من الجزء المعملي من الحرب البيولوجية البريطانية ضد السودان، وبقيت عملية النقل إلى أعدائه (الثوار السودانيين). كان غردون يعرف تماماً كيف يتم الوصول إلى ذلك، فاستدعى أقرب المقربين إليه وهو إبراهيم فوزي باشا رئيس أركان حربه. وكان غردون قد أنعم على فوزي قبل أيام برتبة (لواء) و(باشا)، وأرسل خطاباً بذلك مع وكيله (نائبه) الكولونيل ستيورات إلى الخديوي لاعتماد هذا التعيين. بعد أن زرع غردون الجدري وحصده واستدعى إبراهيم فوزي، قام اللواء إبراهيم فوزي بإطلاق دانات الجدري على الثوار السودانيين. حيث قام إبراهيم فوزي بإحضار دانات مدفع جبلي ملأها بالمحلول الذي تحصل عليه دكتور نيكولا، ودقّ إسفيناً خشبياً في ثقب (فيوز) التفجير. إيصال جراثيم الجدري ونشرها في قوات الثوارالسودانيين، كتب عنها اللواء إبراهيم فوزي الذي قام بقذفها على الثوار. حيث أن عملية إطلاق دانات الجدري التي تمّت تحت إشراف اللواء إبراهيم فوزي قد شرحها اللواء إبراهيم فوزي في كتابه الشهير (نشره عام 1319ه). حيث يقول فوزي في صفحة (344) من الجزء الأول من كتابه (السودان بين يدي غردون وكتشنر): (كان غردون أمر بوضع مادة الجدري في حوض الكلل، (حصل خلط للعديدين بين القلة التي تحفظ فيها وبين الجلة والتي هي الدانة الحربية والحقيقة انها هي الجلة بمعنى الدانه وليس قلة حفظ الماء التي ذهب اليها محمود الكرنكي في الانتباهة)، فإذا قذِفت من المدافع وقعت في وسط الدراويش (الثوار السودانيين) بغير أن تنفجر فيأخذونها ويجدون الماء في جوفها فيقولون إنها من كرامات المهدي ويتبرَّكون بالمادة الجدرية ويمسحون بها وجوههم ففشا فيهم الجدري. وقدِّر عدد الوفيات به كل يوم بخمسين نسمة، ولم يفطنوا لشيء ما )..، ويروي ابراهيم باشا فوزي كيف ان محمد احمد المهدي استغل الحادثة في نسبة الكرامات الى نفسه ...( واتصلت الاخبار بالمهدي فبنى عليها ما بنى وزعم ان النبي صلى الله عليه وسلم أخبره ان الجلل تتحول الى ماء كرامة له وكثير من البسطاء يعتقدون أن هذه المكيدة كرامة ثابتة للمهدي).. إنتهي اعتراف وشهادة اللواء إبراهيم فوزي..ويبدو ان الدراويش الذين كانت تتفشى فيهم الامية لم يفطنوا الى مكيدة المهدي وان هذا الماء ما هو الا وباء الجدري ، والا لكانت مصداقية المهدي في موقف لا تحسد عليه.. وكان فوزي قد جاء مع غردون إلى السودان وكان أقرب شخصية إليه بعد كولونيل ستيورات. يقول المؤرخ السوداني محمد عبد الرحيم فقد وصف ما حدث.( وعند دراسة تاريخ الجدري في السودان سجّل الوباء الذي نشره غردون خلال المهدية أعلى نقطة لانتشار المرض في السودان، وذلك خلال عام 1885م. ثم تفجرَّ الجدري مرة أخرى عام 1887م، و1889م و1895م. عند دراسة تاريخ الأوبئة يتضح أن أكبر وباء أصاب السودان هو وباء الجدري الذي نشره غردون، لأنه بقي مدة طويلة في صفوف المحاربين، وتفاقم الأمر عندما ذهبت القوات السودانية إلى حرب الحبشة. حيث ظلت الحبشة مصدراً للجدري حتى حملة منظمة الصحة العالمية في الثمانينات)...المصدر (الفداء في دفع الإفتراء) صفحة (53) إن الثوار السودانيين الذين استشهدوا بمرض الجدري الذي نشره غردون، كانوا يستشهدون بمعدل خمسين ثائراً في اليوم الواحد، إلا أن غردون لم يصل إلى غايته بالإبادة الشاملة للثوار بهذا المرض الفتاك. حيث تسارعت حركة الثورة السودانية ضده حتى أطاحت به قتيلاً هارباً على ضفة النيل الأزرق. دانات مرض الجدري التي ضرب بها غردون قوات الثوار التي تحاصره، أصابت أولاً قوات أمير الأمراء عبد الرحمن النجومي وأمرائه. أحد هؤلاء الأمير ميرغني سوار الذهب الذي كان سريعاً في الكتابة إلى المهدي عن الجدري الذي أصيب به عمر النور بتاريخ 26/ ذي الحجة 1301ه، فردّ عليه الإمام المهدي بخطاب (يتوفر في دار الوثائق المركزية). لكن الجدري الذي نشره غردون لم ينته سريعاً، بل استمرَّ أكثر ضراوة خاصة في أوساط قوات الأمير عبد الرحمن النجومي. وعندما أبلغ الأمير النجومي الإمام المهدي بازدياد مرض الجدري في جيشه، ردّ عليه الإمام المهدي بخطاب بتاريخ 9/5/1885م مواسياً وحاثاً على الصّبر.......(وردت القصة ايضا في جريدة الانتباهة من نفس المصدر 16 – يونيو – 2013) قرائن مهمة تثبت الحرب الجرثوميه لعل احد القرائن المهمة التي تشير الى تعرض السودان الى هذه الحرب ان تجارة العبيد التي اعادتها المهدية الى افظع ما كانت عليه، فتدفق الى الحجاز، عبر عصابات سودانية محليّة، موجات ضخمة من الرقيق السوداني. وبات نشاط تهريب الرقيق من ميناء سواكن يجري في العلن، وعبر مجموعات ضخمة تتجاوز الألفيّ شخص مع كل حمولة بحرية.......المهم ان الرقيق السوداني كان معرضا للكشف عليه للتأكد من خلوه من الجدري.....(يصف المستشرق الهولندي سنوك هوروخرنيه الذي مكث في مكة عام 1884م، أجواء ومناخات بيع العبيد والجواري في دكّة الرقيق.. "ازاء الجدار تقف الفتيات والنساء من الجواري على الدكّة، والكبار منهن لا يرتدين سوى حجاب خفيف، ويقف أمامهن على الأرضيّة الرقيق الذكور، وفي بهو القاعة يلعب مجموعة من العبيد الصبيّة. ويجلّس الدلالون على مركازهم ويتبادلون أطراف الحديث سوية او مع بضاعتهم من الرقيق". فيما يصف طقوس الشراء.. "واذا اهتّم زبون بصبي أسود صغير، يقوم الدلاّل المخصص بمناداته، ويطلب منه الكشف للزبون عن شعره، واقدامه، وبقية أطرافه؛ ويجبّر الصبي على فتح فمه واستعراض لسانه واسنانه، فيما يقوم الدلّال باستعراض مواهبه للزبون المهتّم". واذا جاء المشتري لابتياع جارية فحصها فحصاً دقيقاً من قمة رأسها الى أخمص قدميها كما تُفحص البهائم. فاذا تحقق من لباقتها ولياقتها سامها من البائع. ويقوم المشترون عادة بعدة اختبارات للرقيق قبل اتمام عملية الشراء. فيسألونهم ان كانوا يتحدثون العربية، ويسألونهم بعض الأسئلة الشخصيّة.. ثم يقومون بالكشف عن علامات الاصابة بالجدري، ويبحثون في اجسادهم عن ختم "جدرّي خالص" تنويهاً عن تلقيحهم ضد الجدري – واللقاح كان يُمنح في الحجاز، مشفوعاً بشهادات اعتماد مختومة من مفتي الشافعيّة في مكة، ولكن قلّما كانت تمنح هذه الشهادات للعبيد. واذا ظلّ في نفس الزبون قليل من الشك، فانه يصطحب العبد الذي ينوي شراؤه لفحصه عند طبيب مقابل عائد مادي، او يقوم بصلاة "الاستخارة".. اما اذا كان يعمل بالرمل والندر، فهو يذهب لشيخ الرمل ليقرأ طالعه قبل اتمام صفقة الشراء. خالدة الزبير الشيخ [email protected] باحثة تاريخية