كأن قوة خفية دفعته دفعاً الى هذا المكان. عشق قديم للأمكنه سكنه !!؟.... وقتها كان المكان مرتعاً لألاعيب الصبية ونزقهم .... صلة حميمة تجذرت في أغوار النفس بينه وبين تلك الأمكنة !!!... شجرة النيم الظليلة ملتقاه مع أترابه خلال أوقات القيلولة .... حينما يخلد الكبار الى سويعات إسترخاء عقب إنقضاء عناء نهار شاق. ولما شب عن الطوق .... كان مهوى القلب ، شاطئ نهر النيل ، حيث ثرثرة الأمواج والخلوة والإختلاء ولحيظات الهشاشة !!!؟.....عندما يتفتت تماسكه ويستشعر الضآلة والوحشة ، يصبح شاطئ نهر النيل الضمادة التي تطبب الجروح الغائرة وتأسو آلامها !!؟.... الفناء الواسع المبسوط رملاً ، ملتقى الصحاب الباعث على الحبور وقد بللته قطرات الماء ، قبيل هنيهات فغدا رطباً ، كاسراً لحدة رياح السموم.... هنا في هذا المكان ، كثيراً ما تحاور مع الرفاق ونعم بزهارة الحياة وطزاجتها وإنبثاق الأشواق لتحقيق الذات ... وإمتلاءها بالآمال العراض تحت مظلة آفاق مفتوحة ومجتمع بلا تابوهات ذات عصبية دينية !!؟..... * * * الأمكنة كذرات رمال شاطئ النيل تنسرب من بين قبضة اليد إنسراباً كسريان النار في الهشيم ..... البحر ، الجبل ، الصحراء ... أمكنة ، صادرها الزمن بإسم التخوم الإدارية لتأسيس قطرية الدول !!؟.... أقام بالمكان ، ظعن ، حل به ، إرتحل حينما وطأت أقدامه أرض هذا المكان ... ثمة خيوط وهمية ربطته به، قوة خفية جذبته جذباً إليه .... لعل رائحة " الدعاش" ، تلك الرائحة التي تعقب هطول المطر وتمتزج برائحة أجساد البشر وتربة الأرض الطيبة ، تثير في النفس التوق الى التماهي والذوبان في تضاريس هذه الأرض السمراء !!؟.... فيصبح الوطن الحبيبة والقصيدة والترميز والكناية والإيحاء ..... ماذا يحدث حينما يلتقي مكاناً أليفاً؟ يكتنفه إحساس طاغٍ ويدفعه دفعاً للإمساك بتلابيبه .... ملامح الأمكنة ومعالمها ..... كيف يتحسسها !!؟؟؟.... الرؤية ، اللمس ، المعايشة ، عجزت كلها أن تهبه ذات الإ حساس المفقود هل يمكن لأرض ما أن تغادر المكان؟ أم أن المكان هو الذي يبارح الأرض؟ * * * كل الأمكنة صارت غريبة !!؟.... كأنها لم تكن في يوم ما ، كانت قائمة هنا حتى هذا المكان الذي ظل الى وقت قريب ، يمنحه قدراً من الصفاء والقدرة على طرح الأسئلة .... توارى خلف الغيوم !!؟... تعلق بأمكنة بعيدة عن الأرض !؟؟.... السماء الزرقاء ! النجوم المتوهجة ! الشمس المشرقة. إستحضرت الذاكرة ما كان كائن. السهول المتشاسعة بلا إنتهاء المروج السندسية تتوج اليابسة ..... النيل سليل الفراديس يتدفق عطاءً الحقول في السنبلة !!؟؟. البستان في الثمرة !!؟... "الحديقة في الوردة" !!؟... حاول عبثاً أن يعيد الأمكنة الى أرضها ينطوي على نفسه مفتوناً بوحشة العزلة!. نظر الى الأمام بغضب .... هذا المكان المتوهم -الآن- كان في الماضي ... رئة يتنفس من خلاله و يؤكد صلته بالوجود ... أيهرم المكان !؟... أتتجعد معالمه !؟... أتغيض تضاريسه !!؟.... * * * إنهمر المطر مدراراً غسل أدران المكان أريج الدعاش الذي عطر الأجواء إستجلب معه الى الذاكرة الأمكنة الأثيرة التي سكنته وأسرت الوجدان ... مرتع ألاعيب الصبية .... شجرة النيم الوارفة الظلال ... شاطئ نهر النيل ... ثرثرة الأمواج وهمسها ... الفناء الواسع المبسوط بالرمل المبلل حوار الرفاق والآفاق المفتوحة كل هذه الأمكنة صارت وهماً وصدى رحيق "الفيتوري" يقرع صدره( شفت روحي صارت شفقاً )!!؟... لعلها فقدت حضورها الطاغي أو لعله العجز النفسي على التفاعل مع طاقة الخيال الجموح !!؟.... تساءل مخذولاً - أين الأمكنة المتوهمة الآن ؟.. - لقد إستحالت الى أزمنة فقط - هل فقدت البعد المكاني !!؟.... * * * تداخلت الأمكنة المتوهمة لم يعد يدرك أيهم يحتويه أيهم يجبر هشاشته ويلملم شظاياه ؟.. أيهم يجمع فتاته ويرمم شرخه ؟... الحدود الإدارية سلبت الأمكنة ، جغرافيتها فأنسلخ عنها التاريخ !؟.. فأصبحت تخوماً ... بلا روح طبيعية... أهي بكائية على طلل دارس... أم إحتشاد للتعبير عن تغيير الأمر الواقع !؟. من يعلو هذه الأمكنة ، قمين بإحيائها !؟.. فقد ضاقت الأمكنة ذرعاً بمن يهيمن على ربوعها ويجثم بكلكله فوق أنفاسها ، ثمة وميض نارٍ يلتمع تحت الرماد !!؟... لعل الشارع المحتقن ينفجر في ثورة كُبرى تعيد للأمكنة ومن يعلوها ، ماء الوجه المستلب !!؟... [email protected]