بسم الله الرحمن الرحيم يُعَانِي كثير من الناس نقصاً في تقدير أنفسهم واحترامها.. فتجدهم لا يكترثون بمظهرهم ويكبتون رغباتهم.. ويظنون أنهم لا يستحقون أن يعيشوا حياة هانئة وجميلة.. ولا يستحقون أن يحلموا أحلاماً كبيرة.. ولا يستحقون أن يكونوا في المقدمة.. حتى إذا أراد أحدهم أن يركب سيارة (دبل كابينة) واسعة تجده يتجه مباشرة إلى الصندوق الخلفي إلى أن يطلب منه الآخرون أن يشاركهم في مقاعدهم.. وإذا أراد أن يصلي تجده قانعاً بالصفوف الخلفية حتى لو جاء مبكراً.. وإذا صلى مع مجموعة من الأطفال فإنه لن يتقدم ليؤمهم في الصلاة. أعرف أناساً كثيرين يبالغون في تقدير الآخرين وتعظيمهم.. فهنالك من يدخل مكتب مديره في العمل ويظل واقفاً مُطَاطِئاً رأسه إلى أن يُؤذَنَ له في الجلوس والكلام.. وأعرف أناساً مثقفين يجلسون صامتين في المناسبات الاجتماعية مع أنهم يستطيعون قول الكثير مما يطلبه المستمعون.. يعيشون هذه الحياة متفرجين مع أنهم مؤهلون للمشاركة.. فإذا حضر الواحد منهم ندوة علمية وفتحت الفرصة للتعقيب والنقاش.. وكان لديه معلومات قيمة عن ذلك الموضوع تمثل إضافة حقيقية تجده زاهداً ليترك الفرصة لغيره من الثرثارين الذين لا يفهمون كثيراً عن ذلك الموضوع. هكذا هُمْ يتنازلون عن فرصهم في هذه الحياة للانتهازيين الذين ينتظرونها بفارغ الصبر.. أعرف أشخاصاً يعتذرون عن المناصب والترقيات التي يستحقونها.. فإذا شغر منصب المدير أو رئيس القسم.. وأتى خطاب رسمي بتكليف أحدهم بتسيير الأمور باعتبار أنه أقدم الموظفين وأكثرهم خبرة.. تجد ذلك الشخص يشعر بالخوف من تحمل تلك المسؤلية العظيمة وإدارة الاجتماعات وإصدار القرارات.. ويرى أنه مجرد شخص بسيط لا يرقى إلى ذلك المستوى.. ونتيجة لذلك يعتذر عن قبول ذلك التكليف بحجج واهية وأعذار تافهة.. ليأتي أحد الشباب الواثقين من أنفسهم ويتربع على ذلك المنصب بغير جدارة.. والمأساة أن ذلك الشاب الصغير يقوم باستغلال هذا الخبير ويكلفه بكثير من أعباء الإدارة. هذا ما يحدث في كثير من مؤسساتنا.. فهنالك أشخاص يبذلون جهوداً جبارة في خدمة المؤسسة.. يحضرون باكرين ويغادرون متأخرين.. يعملون بينما يقضي الآخرون وقتهم في المؤانسة وشرب الشاي.. يخدمون الزبائن ويحافظون على سمعة العمل.. ومع كل هذه الجهود لا يتقدمون في سلم العمل.. بل يظلون عشرات السنين في الوظائف الدنيا وهم يشاهدون صغار الموظفين يتقلبون في نعيم المناصب العليا... أكتب اليوم عن أولئك الذين يظلمون أنفسهم بحجة أنهم لا يكترثون ببريق هذه الدنيا الفانية.. أكتبُ عن أولئك الذين يحرمون أنفسهم مما تستحق.. ويتنازلون عن حقوقهم للعاطلين عن المواهب والخبرات.. إنهم لا يظلمون أنفسهم فحسب.. بل يظلمون كل من كان سيفيد من تلك المواهب. أناس كثيرون لا يعيشون الحياة التي يستحقونها.. يهابون الأضواء.. ويهربون من القمة.. حتى إذا هاجروا خارج البلاد لا أحد يكتشف مواهبهم إلا بالصدفة.. ولذلك يروجون لنا في الخارج أننا لا نجيد تسويق أنفسنا.. لا نُخْبِرُ الناس بمؤهلاتنا ولا نبرز مهارتنا.. ولا نرتدي الملابس الأنيقة التي تُحَسِّنُ من مظهرنا.. ونظن أنه ينبغي للآخرين أن يحاكمونا بأعمالنا ودواخلنا وليس بمظهرنا وملابسنا.. ولكن الحياة لا تسير وفقاً لما ينبغي ويجب.. بل الحقيقة أن الآخرين يحاكموننا بمظهرنا وملابسنا.. جَرِّبْ واذهب إلى أقرب مستشفى في ملابس بالية.. ثم اذهب مرة أخرى في كامل أناقتك.. وسترى كيف يتعامل أفراد الحراسة معك.. وجَرِّبْ الذهاب إلى دعوة عشاء فخم بملابس عادية.. وانظر كيف يتعامل المضيفون معك. فنحن نعيش في عالمٍ يقيِّمُ الناس بمظاهرهم وطريقتهم في الكلام ومهارتهم في تسويق أنفسهم.. إنها حقاً معادلة صعبة.. ولكن ما هو أصعب أن تعيش في تواضع زائف ظاناً أن ذلك هو الزهد والقناعة.. تأمَلْ في سِيَّرِ العظماء من الزهاد.. وستجد أنهم كانوا يَعْتَدُّونَ بأنفسهم ولا يرضون بالذل والهوان.. كانوا يضعون أنفسهم في مكانها الذي تستحقه. إذن ثِقْ في نفسك وقَدِّمَ لها ما تستحق.. افعل ذلك من أجل نفسك ومن أجل أطفالك الذين يسعدهم أن يفخروا بك.. ويحبون أن يروك في المكان الذي يليق بك.. ارفع رؤوس أصدقائك وأحبابك.. افعل ذلك من أجل العمل الذي تحبه.. ومن أجل زملائك الذين يريدونك في القمة.. لا تسمح للأدعياء أن يصادروا حقوقك.. ويتبجحوا عليك وأنت تفوقهم مهارة ومعرفة.. إذا أيقنت أنك أكثر أهل الحي تفقهاً في الدين فعليك أن تستأذنهم لتصعد المنبر وتخطب فيهم.. وإذا رأيت أنك أكثر زملائك خبرة بالعمل وأكثرهم قدرة على تطويره فلا تهرب من المناصب.. وإذا كنت أكبر الحاضرين سناً فلا تقف من كرسيك لِتُجْلِسَ من هو أصغر منك.. ولا تبالغ في تعظيم الآخرين فالكثيرون منهم يتضايقون من التعظيم والتمجيد.. ويحبون أن تعاملهم بتلقائية. فيصل محمد فضل المولى [email protected]