أن تقدم الدولة خدمة للمواطن فهذا أمر جيد ومفروض عليها، ولكن حتى عندما تحاول الدولة تقديم الخدمة التي كلما تفكر في تقديمها يواجه المواطن العجب العجاب!! وفي أي صيدلية من الصيدليات التي تتعامل مع التأمين الصحي وأخص صيدليات شوامخ يواجه المواطن مصاعب جمة لصرف الدواء!! يبحث الموظف في تلك الصيدليات عن أبسط الأسباب كي لا يصرف للمواطن الدواء وكأنما مهمته الأساسية هي منع صرف الدواء لا تسهيل صرفه للمواطن المسكين!! حدث هذا لي شخصياً عندما ذهبت لصيدلية شوامخ في الخرطوم منطقة شارع الدكاترة، حيث طلب مني الموظف تصوير الأوراق وقد فعلت وقد طلبت منه صرف أقراص الضغط «زارتان» وكان معها قطرة زالامول وتراڤاتان والقطرتان لا توجدان إلا بمستشفى مكة، ولكن الموظف أصر على صرف كل الروشتة وبقطرة بديلة لماذا؟ لا أدري!! وقد كان تعليله أنه سيعاقب لماذا لم يصرف كل الروشتة، وقد ذكرت له أن القطرة البديلة لا أرغب فيها لأن القطرة الأصلية موجودة ولكنه أصر، أما كل الروشتة أو لا شيء وأنه سوف تتم مساءلته لماذا لم يصرف كل الروشتة؟ ولا أدري لماذا تتم مساءلة بائع إذا لم يرغب الشاري في الذي يعرضه ولا أدري ولم أسمع طوال ربع قرن أن تمت مساءلة موظف عما يفعل، فالذين تسببوا في التدهور المريع الذي نعيش لم يتعرض أياً منهم للمساءلة!! وهل تفرض أمانة التأمين الصحي على موظفيها إرغام المرضى على شراء أدوية بديلة لا يرغبون في استخدامها طالما أن تلك التي يستخدمونها واعتادوا عليها متوفرة؟! ثم إن التأمين الصحي لا يغطي إلا نسبة يسيرة من التكلفة، فأقراص الضغط من الأدوية المنقذة للحياة وهذه في كل دول العالم متوفرة بكثرة وبأسعار زهيدة وفي متناول المواطن البسيط ولكنها في السودان الأعلى سعراً وليست في متناول المواطن حتى مع بطاقة التأمين الصحي، فأقراص «زارتان» وعددها ثمانية وعشرين قرصاً يعادل ثمنها خمسين جنيهاً أي ما يقارب الجنيهين لكل قرص، وبطاقة التأمين الصحي حسبما ذكر الموظف توفر ثلاثين في المائة من القيمة أي أن السعر يصبح خمسة وثلاثين جنيهاً أي أن التخفيض يصبح خمسة عشرة جنيهاً!! طلب مني موظف الصيدلية أن أذهب إلى صيدلية مكةبالرياض وأصرف الزلامول ومن ثم أرجع إليه لصرف الزراتان، حسبتها مادياً لو ذهبت إلى الرياض وعدت إلى هنا فإن ما أصرفه سيكون أكثر بكثير من تلك الخمسة عشرة جنيها البائسة التي يوفرها لي ما يسمى جوراً بالتأمين الصحي. المشوار يكلف أكثر من ذلك بكثير والأغلى منه الوقت الذي يهدر ما بين الصيدليات التي تطالبك بكل شيء وعندما تقوم بالتنفيذ ترفض أن تقدم لك الدواء بحجة واهية. ولي أن أسأل لماذا لا يتم تخفيض الدواء إلى أكثر من تلك النسبة المنخفضة؟! ولماذا يدفع المواطن البسيط هذه الأسعار الباهظة حتى بعد التخفيض المتواضع الذي تؤمنه بطاقة التأمين الصحي. وأمر آخر تجاهلته إدارة التأمين الصحي وهو ارتفاع أسعار الدواء والذي يستوجب أيضاً رفع سقف التأمين الذي لم يحدث حتى الآن، فاليوم أنا أصرف نصف العلاج لأن الأسعار ارتفعت وبقي سقف التأمين كما هو! معظم الصيدليات التي تتعامل بالتأمين الصحي تجد المعاملة فيها في غاية الجفاف والحدة رغم أنهم يتعاملون مع مرضى، وهذا النوع من الجفاف وعدم الذوق الذي يلاقيه المواطن المعافى يدخله في عداد المرضى!! كما أن الملاحظ كثرة العاملين بتلك الصيدليات، وغالباً ما يرجع المواطن لأن الدواء الذي يطلبه غير موجود، وهذا أمر عادي، حتى أن عدد العاملين بالصيدلية الواحدة يفوق عدد العقاقير الموجودة على رفوفها!! صيدلية واحدة فقط تتعامل ببطاقة التأمين الصحي أجد فيها معاملة طيبة ومهذبة وهي لا تتبع للتأمين الصحي وهي صيدلية مستشفى مكة للعيون. تشعر بأن الموظف بالصيدلية يحس بسعادة غامرة حين لا يكون الدواء بالروشتة موجوداً بالصيدلية، أما إذا كان موجوداً فإن سلسلة المتاعب والمطالب من جانبه تنهال على المريض المسكين من تصوير وخلافه وماكينة التصوير خارج الصيدلية في الشارع ولا أدري لمن تتبع فإذا كانت للتأمين الصحي فلتكن داخل الأجزخانة من ضمن الأصول، وتدفع في الصورة السوداء جنيهاً واحداً فقط لا يخضع لبطاقة التأمين الصحي!! إدارة التأمين الصحي يجب أن تقدم قبل كل شيء خدمة مهذبة فهي تتعامل مع مرضى وهذه الخدمة تتم بتدريب العاملين أدب المخاطبة والرقة في التعامل مع المرضى والمعاقين، وما يقدمه التأمين الصحي يزيد المرضى سقماً ويدخل المعاقين في دائرة المرض الأمر الذي يشكل عبئاً جديداً على التأمين الصحي!!. [email protected]