(1) هل هذا حلف جديد يتذرع بحرب قبائلية مصطنعة يمكن لجمها بقليل من الجهد وبقليل من التنازلات ؟ كيف يمكن لدول شرق إفريقيا أن تتحد بمثل هذه السرعة كي تهدد وتتوعد على لسان متمرد قديم لا يقل عتوا عن أولئك المجرمين الذين حوكموا في لاهاي أو أعدموا في بلادهم ؟ ما هي أهداف هذا التحالف الذي يضم دولا كبرى من شرق إفريقيا , و يلوح به موسفيني سعيدا بعد أن وصل إلى جوبا , وأصبح الآمر الناهي في أمر جنو ب البلاد , بعد أن وضع رئيس الجنوب المرتعش سلفاكير في جيبه ؟ أ يعقل أن تجتمع كل هذه القوى , ومعها قوات الأممالمتحدة , ومن خلفها الدعم الدولي من أجل محاربة قبيلة هاربة تعرضت للمجازر والتصفيات , وزعيمها مختف في مكان غير معلوم ؟ ألا يبدو بوضوح أن ريك مشار ليس سوى حجة واهية من أجل إقامة تحالف ضارب قادر على توجيه ولجم أوار حرب أهلية قادمة أوسع مدى من بور وملكال وبانتيو ستنتظم بقاع أخرى من السودان الكبير ؟ (2) الحرب في الجنوب ليست هي حرب الجنوب . إن الجنوب لم ينفصل إلا في أذهان الهاربين من الحروب والهزائم ويريدون الفرار بعيدا كي يهنأوا بالغنيمة وأموال الشعب المنكوب الذي تمكنت من ممتلكاته بعض الجماعات الدينية . إن السودان ما مازال متحدا كما كان لم يتغير منه شيء إطلاقا فالجوع يضرب بأطنابه والحروب تشتعل في جسده وانسداد الأفق يخيم في أركانه إن كان في الشمال أو الجنوب , وبدلا من الإحاطة بالنزاعات تظهر التكتلات وبدلا من تقديم مبادرات لم الشمل يتحرك الزعماء في حرية كاملة داخل جوبا متحدين يتحدثون بصوت واحد يتوعدون ويحددون مصائر المنطقة وكان في إمكان أمثال موسفيني أن يطلق تصريحاته من عاصمته إلا إذا أراد أن يستعرض القوة , وأن يفتح الباب لحقبة جديدة , وأن يسمع صوته لمن ألقى السمع وهو شهيد . (3) إن موسفيني هذا المتمرد السابق الذي تستعمله القوى العالمية لتنفيذ كل المهام السرية لا يتحدث لوحده ولا للآن وإنما لزمن لابد أنه آت مهما دفن النعام رأسه في الرمال فهو يقول : " نحن ( دول منطقة شرق إفريقيا ) منحنا ريك مشار أربعة أيام للرد , وإذا لم يفعل فسيتحتم علينا ملاحقته (( كلنا )) هذا ما اتفقنا عليه في نيروبي . أ تحارب كل دول شرق إفريقيا ومعها موسفيني - الذي كان أول من تدخل في الجنوب وقصفت طائراته مواقع النوير وربما ارتكبت جرائم من القصف العشوائي - متمردا صغيرا ويتيما كمشار لا يقف على رأس خزائن دولة ولا على رأس مليشيات عسكرية ودول داعمة له بالمال والسلاح والمقاتلين والخطط وتصرح من جوبا ملمحة إلى أنها صاحبة القول الفصل في الحرب كدول تمتلك العتاد والرجال ولها علاقات دولية مستقرة ومصالح تتيح لها التموين والصمود في الحروب ؟ ويبدو أن هذا التصريح لا ينفصل عن إعلان أن الإخوان المسلمين في شمال الوادي جماعة إرهابية ولا ينفصل عن هروب كوادرهم إلى السودان عبر الصحراء ؟ فهل بعد هذا ستنضم مصر إلى هذا التحالف الوليد مع أوغندا ودول شرق أفريقيا ذات الحكومات المدنية البعيدة من التسييس الديني بحجة وجود إرهابيين مصريين من الجماعة مطلوبين للعدالة أو تطالب دول التحالف بتسليم مطلوبين للعدالة الدولية أو تتدخل فيما بعد بحجة إيقاف حر ب أهلية وتمهل الخرطوم أربعة أيام للرد ؟ . (4) إن السودانيين يرفضون اندلاع المعارك في مدنهم وقراهم وأحيائهم , ويطالبون بالتغيير السلمي وبحكومة انتقالية تمهد لانتخابات نزيهة , لاسيما وأن الانتخابات قاب قوسين أو أدنى من حرب الجنوب . وهذه المعارك لجد قريبة ومحتملة لاضمحلال هيبة الدولة وزوال سيادتها , هذا الاضمحلال الذي نراه في الجنوب , والذي تمدد إلى الشمال منذ اللحظة الأولى للانفصال , ومما من دولة فقدت سيادتها إلا وكانت مرشحة ومهددة بالحروب الأهلية طال الزمن أو قصر , وفي حالة السودان فإن الحرب الأهلية قائمة ولن ينتج من زوال سيادة الدولة وضعفها في التعاطي مع حرب الجنوب إلا المزيد من الانشقاقات وتفكيك الدولة إلى إقطاعيات وحيازات , تلك الإقطاعيات التي أصبحت ممكنة وواضحة الخطوط والملامح بعد تجربة الإخوان المسلمين المسماة بالتمكين . وقد تستمر الحروب لسنوات قادمة حتى يتم انفصال هذا أو ذاك الجزء من الوطن , لأن انفصال الجنوب لم يكتمل إلا بعد حروب طويلة وكان نتيجة حتمية لها , بعد أن جهز الإخوان المشهد تماما بالتمكين والحروب , وهما معا من عوامل التفكيك والانقسامات , فلولا التمكين والحرب الضروس الجهادية الطويلة لانعدمت عوامل الانقسام والتفرقة لأن الذي يجمع الوطن هو القومية في الرؤيا والمؤسسات. (5) أول نتائج الحرب أن تكون ( جوبا ) في ذيل نيروبي تتمحور معها في تيار المرونة السياسية الدولية , وأن تكون امتدادا لتكتل شرق أفريقيا في تحالف من أول أهدافه محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي , تحالف تسيطر عليه الرؤية العامة للمجتمع الدولي في القضاء على التطرف نهائيا وصياغة المستعمرات القديمة بما يتفق ورؤية السلام العالمي والمصالح وقد تنضم تشاد وأفريقيا الوسطى بمسحة فرنسية إليه لاسيما وأن فرنسا قد خرجت لتوها من حرب المتطرفين الإسلاميين في ( مالي ) وقد تنضم إليه أيضا مصر التي أعلنت أن الإخوان جماعة إرهابية , فما كان من الإخوان المسلمين إلا أن تسربوا إلى السودان حيث الحكومة التي تحكم باسمهم وأطروحاتهم . (6) هل يمكن لنا أن نستنتج من تصريحات موسفيني أن الحلقة تضيق على من فصلوا الجنوب وصمتوا بجريمتهم بعد انفراط عقد الأمن بداخله وهم يظنون أن ذلك سيطيل من عمرهم في السلطة , وسيعلن للجميع أن الجنوب لا مستقبل له لا بالوحدة ولا بالانفصال لأنهم ( حشرات ) مع أن معارك الجنوب لم تحدث إلا بنكوص الإخوان المسلمين عن استحقاقات نيفاشا وعن التحول الديمقراطي ؟ . وهل يمكن لنا أن نستنتج أن الإصلاحات في الشمال مهمة وضرورية لاستقرار الجنوب الذي يعبر بتروله إلى المواني الشمالية حتى ولو من باب المنافسة التي هي من أهم ركائز الاقتصاد الحديث , ومن باب التقليد الذي تنتهجه الدول المنفصلة من بعضها البعض , ومن باب حماية النفس من التدخلات الدولية التي تتحول شيئا فشيئا كما يلمح موسفيني إلى تدخلات إقليمية بأرضية وأذن دولي ؟ وهل يمكن لنا أن نفهم أن الإصلاحات لم تعد شعارا سياسيا ومماحكة إخوانية رخيصة , ولعبة كتلك اللعب المدمرة التي أتقنوها في ربع قرن من التيه وإنما أداة استقرار رئيسية في بلاد انفصلت بسبب ا لحروب العرقية والدينية وليس الاحتلال والمطالب التاريخية وأداة للم الشمل وتوسيع الرؤية السياسية بحسب حاجة السكان وعقلياتهم دون إملاء أو فروض أو تعسف في بلاد يخيم عليها شبح التفكك والمليشيات بما يجعل المحيط الإقليمي في حالة مستمرة من القلق من عجز الدولة الأيديولوجي وتقديمها للحروب بدلا عن السلام , حيث لا يعني الإصلاح في حالتنا سوى فتح الأبواب واسعة للحرية وفتح الأبواب واسعة للتعبير الصريح عن التنوع خاصة التنوع الديني والعرقي وتنوع مستويات الأفكار والبرامج وقبول التنوع و التلاقح الفكري خاصة في الأطروحات الدينية المتعددة بتعدد المصالح ولا يتم ذلك إلا بالديمقراطية وبتسليم السلطة لحكومة انتقالية تعبر عن التنوع والاعتدال والوسطية وتكون قريبة من المستوى الأيديولوجي لدول الجوار والمستوى الأيديولوجي لأهل السودان . وإلا فالحرب هي البديل وموسفيني هو الذي سيحدد فترات الهدنة وأزمان المفاوضات وبغير ذلك كما يقول موسفيني ( سنتدخل كلنا وسنحارب ) . [email protected]