قال دينق مشام وهو رئيس إتحاد مزارعي أعالي النيل لضباط الامن بعد ان طال إعتقاله والتحقيق اليومي معه : " يا أخوانا ما تدونا تهمه واحد .. وحاكمونا خلونا نقضي فترة بتاع العقوبة .. عشان نمشي نشوف شغلنا واولادنا .. ، يوم أنت متمرد .. ويوم انت تاجر عمله .. يوم متمرد .. ويوم تاجرعمله .. يوم خاين .. أنا خنت منو ؟ .. وبينما كان يسرد لنا مشام قصته مع الاعتقالات المتكررة .. ونحن نضحك من المفارقات .. وتخبط أجهزة الامن المتصارعة علي إرضاء سلطان الجبهة الاسلامية.. وكم من الابرياء راحوا تحت سياطهم وتعذيبهم .. ، دخل علينا احد ضباط الامن وهو يصيح كأنه يتعامل مع تلاميذ في مدرسة ابتدائية بينما كل الموجودين من رموز المجتمع وقيادات الدولة ، قال : " والله كويس عملتو المعتقل نادي .. ضحك وإزعاج وفوضي .. ؟ّ! .. وهنا رد عليه مشام : " مافي فوضي يا جنابك .. ما النظام كويس .. ، وهنا أنفجر الجميع بالضحك مرة أخري " ولا تخفي علي القاريء كلمة " النظام كويس " ّ! .. فخرج الضابط وهو يشتاط غضبا .. عظمة الانسان السيوداني .. انه كثيرا ما يحول المأساة الي ملهاة .. أهزوجه .. ونكته .. وكم من الدراما .. تخفف من وطء المعاناة وقسوة الظرف الصعب ، وفي المعتقلات أيضا تدور حوارات جيده .. قد لا تتوفر في الخارج .. ربما لأن هناك متسع من الوقت .. قد لايتوفر في الحياة العادية .. ، ولكن بلا شك ان الاعتقال في حد ذاته و احدة من أكبر الجرائم في حق الانسان .. ، هو إهدار للزمن وتوقيف للمصالح .. ، ولكن ماذا يفعل الناس مع بشر ما زالوا يعيشون خارج التاريخ .. ، ولمجرد ان قلت رأيك يسحبونك علي المعتقل .. ويدفعون بقطاع الطرق ..ومن أستأجروهم ليقوموا بتعذيبك .. هؤلاء هم قادة الجبهة الاسلامية الترابي والبشير وعلي عثمان وغازي " الاصلاحي " والجاز ونافع ومصطفي اسماعيل .. وبقية الفئة الفاسدة التي مازالت تصر علي تدمير السودان . * أشار البروفيسور أسامة عبد الرحمن النور " رحمه الله " .. لطائرة أيبيريا الاسبانية العابرة لسماء الخرطوم .. وقال : يكون الآن علي متنها الدكتور محمد حسن باشا في طريقه الي العاصمة الاسبانية مدريد ليمثل السودان في مؤتمر دولي يعقد لإنقاذ آثار السودان .. ، كانت الآثار السودانية قد دعت له منذ وقت طويل وبذلت جهودا كبيرة حتي يعقد .. ، ومن القرارات التي اتخذت .. إذا تم إعتقال البروفيسور أسامة عبد الرحمن النور يذهب د. محمد حسن باشا .. نيابة عنه .. ، وأهل النظام المستبد لايريدون هذا المؤتمر لأنه سينقذ الآثار المسيحية سواء آثار مروي أو آثار النوبه .. ، وهم يسعون للتنقيب عن آثار سنار " الاسلامية " .. أنظر لكم التعصب .. المسيج بكم من التخلف وقصر النظر والبعد عن النظرة العلمية والثقافية للآثار ..، فعلماء الآثار يقولون ان التنقيب عن آثار سنار يحتاج لأمكانات لا قبل للسودان بها .. خاصة وان المنطقة التي يجب التنقيب فيها شاسعة وتحتاج لطبقة أسمنتية عازلة .. ، حتي لا تهدم المناطق الآثرية علي بعضها .. وتحتاج لخبراء ودراسات .. ولم يمضي علي حديث أسامة بضعة ساعات .. حتي جاءنا دكتور محمد حسن باشا .. وهو يحمل حقيبته .. لينفجر المعتقل كله في نوبة من الضحك الهستيري .. فقد جاءوا به من المطار رأسا عوضا عن ركوب الطائرة .. وحضور المؤتمر ّ * .. مرت علينا بضعة أيام لم نستحم .. دخل احد عناصر الامن وهومتجهم .. " ليه ناس الامن دايما زعلانين ومتجهمين ..؟ بينما ناس السجون ضاحكين واولاد ناس .. ، " نادي بصوت عال : " حمام يا معتقلين " .. المهم وقفنا في الصف .. نقه .. ونكات .. بصوت خفيض .. قمت انا علي شلاقتي قلت ليهم نكته العريبي ديك : " انتو في رمضان .. ولا العيد الجانا للبرود .. ؟ " .. الجماعة انفجروا بالضحك .. بتاع الامني ما سمعني كويس .. لكن عرف انو انا فكيت نكته قام حدر لي .. قلبي طار .. قلت الليله حيرسلوني محل الحفلات الصباحية و( طيارة قامت ) .. و ( أرنب نط ) ..في سيتي بنك .. وتاني الجليل الرحيم ما يفكني منهم .. وطبعا ناس سطوح الامن بيشاهدوا السيارة التي تحمل احد المعتقلين المرحلين : إذا ذهبت جهة اليمين فهذا يعني انها ذاهبة الي كوبر أو " الهلتون " كما يطلقون عليه .. أما إذا ذهبت جنوبا فهذا يعني جهة سيتي بنك .. أو المصرف العربي ..وهذا يعني بيوت الاشباح .." .. المهم جات سليمه .. جاء دوري .. دخلت الحمام .. ما فيهو نور .. ضلمه شديده ..، رقراق من بره تشوف بيهو الماسورة .. الدش سرسار وكلها دقايق .. وبالامر وبالنهير .. وانا اصلا حمامي سريع زي ما بقول اخونا فيصل محمد صالح انو انا بلبس وبعدين بستحمي وبجي طالع .. لكن انا وضعي كان صعيب ومحتاج لوقت لأنو كم يوم ما شفت الموية .. ، تصوروا حمام تحت تهديد السلاح .. وبسرعه وضلام ورعب .. ليه كده يادكتور الترابي .. يا بتاع القانون الدستوري ..؟ ليه الزله دي .. ؟ .. بعدين جوه الحمام سألت نفسي : الجابني هنا شنو ؟ .. في زول كبير بقبضوهو عشان قال رأيه ؟ .. ده شنو الجنون ده .. ؟ .. ونافع قال بعتذر للناس الدرشهم .. ّ! * .. كان البروفيسور كامل ابراهيم والموسيقار ضياء الدين ميرغني .. وشخصي نشكل ثلاثي لا يفترق .. ،رغم فارق الاعمار من ثلاثة أجيال وفارق الاتجاهات وكامل بالطبع حكاء ويحب الونسه .. وكثيرا ما يطالبنا بأن نأتي له بسفه أو سجارة أو شاي ومافي واحد يرجع ليهو بدون واحده منهن .. ، فخاطب بروف أسامة للبروف كامل قائلا : أنت يا كامل الشباب ديل ما نجضتهم بالكلام الكتير .. ، أنت عامل كده زي واحد زميلنا لما كنا في كوبر سنة 1971.. يصحوهو يفطر وينوم .. ، ويصحوهو يتغدي وينوم .. ويصحوهو يتعشي وينوم .. ، حسي انت مما دخلت المعتقل ده تنضم .. تنضم .. تنضم .. أصلك ما سكت .. ما حسيت بالمعاناة النحن فيها دي .. ّ! [email protected]