حينما إندلعت ثورة أكتوبر 1964 ..كنا وقتها تلاميذاً في مدرسة أبوسعد الأولية بأم درمان وتحديداً في السنة الرابعة.. وبعد أن تنحى الفريق عبود ومجلسه الحاكم وتشكلت حكومة أكتوبر الأولى ، ومن ثم عادت المدارس وفتحت ابوابها عقب اسبوعين من الإغلاق القسري.. ! شرح لنا الناظر الراحل الأستاذ/ فرح عوض .. أسباب قيام الثورة ، إذ لم يكن وعي الأغلبية منا مستوعباً للحدث في تلك السن المبكرة.. قال إنها ثورة من أجل الحرية و إزالة الغبن السياسي وهذه فهمناها لاحقاً و حل مشكلة الجنوب ! لم يقل إنها ثورة جياع ولا هي قامت ضد الفساد ولم تكن هنالك أزمة حياة ضاغطة! وحينما تقدمت بنا المراحل الدراسية وتفتح وعينا السياسي و نما فينا الحس الوطني.. بدأنا نردد مقولة ( ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ) ثم جاءت أبريل 1985.. فأدركنا حينها أن العلاقة وطيدة بين الخبز والحرية المطلقة لا السياسية في حد ذاتها فمن لا يملك خبزه قد لا تجديه الحرية وحدها .. فتكاتف العنصران لتفجير الإنتفاضة ..ووقفت مشكلة الجنوب بينهما حريقاً بدأ أوراه يتمدد شمالاً بذات القدر وهو يأكل أخضر الجنوب ويابسه ! ياترى كم هي المسببات التي تراكمت وتكاملت على مدى عمر ديكتاتورية العسكر والحرامية الحاكمة الآن التي يمكن أن تنبني عليها المبررات لتفجير الغضب الشعبي ضد هذا النظام ! الحريات السياسية هي محض تمثيلية في ظل ديمقراطية شائهة ومسخ و ذات سقف خفيض والمشاركة الهزيلة في حكم أم تكو ، منة من المؤتمر الوطني يعطيها لمن يشاء من المنكسرين تحته ركوباً عليهم ويسوقهم بمهماز الذلة والعطايا ! أما حرية الرأى يحجبها عن الشرفاء ولو كتبوا مقالاً ولم يطلقوا دانة ً..! والكل يعلم ان مال السحت و الفساد مسكوب في إبريق من يصلي بالناس وهو يدخل أياديه في جيوب الوطن ..ثم يخرجها وقد خمش ما وجد فيها على وفرته في زمان ما وقلته في الحاضر الآن بعد أن ثقبتها سكين قطع الجنوب عن الجبة الكبيرة ، ومن ثم يرفع مولانا الحاكم بأمر الهض اياديه بالدعاء لنا بالصبرعلى الإبتلاءات والتسليم بفرضية تفاوت الأرزاق ! فضلا ً عن إستيطان الفقر والمرض و عدم الخدمات ..ومآلات العلاقات الخارجية الكارثية .. وقد ذهب الجنوب وأنداحت الحرائق في جنوبات كثيرة ! فماذا يمكن أن نبدل في تلك المقولة ..غير إن إنساننا يفتقد الان الخبز والحرية وتهان كرامة نسائه ويتحداه أهل الحكم بعبارات التحقير والتحدي السافر ! يالك من محظوظ يا سيدي الناظر ..أنك لم تعش زماناً فيه الغبن السياسي والإجتماعي ً.. والجوع والتعفف والدموع صاروا ضيوفاً يتزايدون على الدور التي كانت غنية مترفة صوانيها مبسوطة في الشوارع تتبسم للسابلة دون منٍ ولا أذى ، في زمانك! وكان حريق الجنوب مقدوراً عليه، وهاهو بعد أن فقدناه .. إنتشر لهبه مستعصياً على كل خراطيم مطافيء العالم التي يسكب بعضها ماءاً يسرسر هزيلاً في حياء وخجل و يضخ البعض الآخر زيتاً و بنزيناً يندفع دفاقاً قوياً لتأجيجه ! ذهبت سيدي الناظر مع حكم عبود الذي على ديكتاتورية نظامه كان يرفع شعار.. ( احكموا علينا بأعمالنا ) وقد صدق القول.. وهانحن نحيا بعدك في عهد من يقولون لنا هي لله ومن زرعنا فيقلعنا ! وسنسلمها لعزرائيل ..لا ليعيدوها لله الذي جعل الشعوب خليفته في حكم الدنيا .. فسرقها عنها أناس تسلطوا ..علينا وقالوا .. الحسوا كوعكم ..وهو ذات الكوع الذي كنا نلحسه لنذيل عنه السمن الذي كان يتندى خاراً من أكفنا شبعاً وهي التي باتت في غيابك سيدي الناظر ..تتكفف ما يقيم أودها..! وقد إنتشر قحط المشروع الحضاري جفافاً في كل مساحات الحياة ! ولا زلنا نهتف سيرسير يا بشير.. وهو في كنكشة أبدية ولا يريد أن يفهم معنى سير ..هذا إن كنا نحن حقاً فهمنا قبله ماذا تعني ! لك الرحمة سيدي الناظر فقد ..علمتنا في مفردات الحرية حروفاً.. ولكننا صرناً عبيداً في زماننا لأسيادٍ في غير زمانك ! [email protected]