اطلعت على مقال نشر بصحيفة الراكوبة هذا اليوم والذي تاريخه 25 /01 /2014، حيث جاء تحت عنوانين، العنوان الأول: تزوج قاصر ووهبها خادمة لوالديه، والعنوان الثاني: اضطهاد المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية، بقلم الأستاذة/ سيدة الشيخ باسعيد.. ولا أكتمكم أنَّ هذا المقال من أعجب ما قرأت في بابه.. ومصدر عجبي أنَّه رغم كون الفكرة الأساسية التي يدعو لها المقال ويشجع، بل ويحرض عليها تخالف آداب الإسلام وأخلاقه الحميدة، إلا أنَّه قد تم طرح وعرض عين هذه الفكرة في ثوب الإسلام ومن تحت عباءته.. وأكثر من ذلك، تمت مهاجمة المخالفين بعنف شديد ووصفهم بأنهم متخلفين وأصحاب آراء متعفنة وأنهم فوق ذلك بعيدين كل البعد عن قيم الإسلام الحقيقية.. ولأنَّ هذا الموضوع بهذا الطرح الذي يمس العلاقات الأسرية بأفكار سالبة مغلوطة قد يؤثر على استقرار كثير منها.. الشيء الذي قد يبذر بذوراً كثيرة ربما تنبت وتزهر مستقبلاً في شكل خلافات أسرية قد لا تنتهي إلا بهدم الرباط الأسري نفسه.. لذلك حاولت جهدي المتواضع في الرد على هذا المقال.. وأقرر بادئ ذي بدء أنني لست أسيئ الظن بكاتبة المقال ولا بالراوي الذي روت عنه ولا أتهمهما في دينهما.. معاذ الله.. فالله وحده هو العليم بالنيات..فأنا أهاجم الفكرة ولا أهاجم الأشخاص.. لذلك أتمنى أن تتسع الصدور للرأي الآخر المخالف. ذكرت الكاتبة سيدة الشيخ باسعيد على لسان أحد الرواة وقد أوردت اسمه أنه كان له صديق في كندا وأنه ذهب الى بلاده وتزوج هناك ثم رجع الى حيث يعمل وعندما سأله هل بدأ الإجراءات اللازمة لإستقدام زوجته أجابه أنه لا ينوي ذلك خاصة أن أعرافهم الإجتماعية لا تسمح له.. وكان تعليق الراوي عليه بقوله:(أدهشني أنه لا يحس بأي حرج من ضرورة إرضاء مجتمعه المتخلف والبعيد كل البعد عن القيم الحقيقية للإسلام).. ورغم شدة هذا الكلام إلا أنني سعدت به جداً حيث كشف لنا أن الراوي حريص على التمسك بالقيم الحقيقية للإسلام ومن دعاتها الى الدرجة التي يصف المبتعدين عنها بالتخلف.. لكنه للأسف بعد ذلك يأتي ويناقض نفسه بنفسه حيث يطرح أفكاراً بعيدة عن القيم الحقيقية للإسلام في كثير من المواضع. منها أن صديقه عندما ذكر له أنه قد تزوج حتى يجعل زوجته تعيش مع والديه المسنين لتخدمهما وترعاهما.. استنكر عليه ذلك بشدة وهو يعلم أن والديه بعيدين عنه ولا يستطيع أن يباشر خدمتهما ورعايتهما بنفسه.. فأفتاه هذا الراوي مباشرة وبدون أي تروي ودراسة للموضوع قائلاً:(تلك ليست زيجة شرعية ولا تلك هي العلاقة التي يتم التعاقد عليها وفق دستور الشريعة الإسلامية).. ثم زاد واصفاً هذه الزيجة بأنها (صفقة استعبادية).. ثم لم يكتف بذلك بل خاطب صديقه محتداً عليه:(أنت تشتري عبدة).. اذا كانت هذه الزيجة غير شرعية فهل نسمي هذه العلاقة زنا؟.. ثم أن هذا الراوي اهتم فقط بالزوجة وتعاطف معها غيباً حتى دون أن يدري بحالها هل هي راضية وسعيدة بذلك أم لا.. وفي المقابل لم يتعاطف مطلقاً مع الوالدين المسنين المحتاجين للخدمة والرعاية حيث لم يطرح على صديقه أي حل لهذه المشكلة.. فهل في رأيه كحل لهذا الإشكال أن يودعهما دار المسنين لتتولى رعايتهما؟.. وهل اذا فعل ذلك يكون بفعلته هذه قد استجاب لقيم الإسلام الحقيقية؟. قيم الإسلام الحقيقية تحثنا على خدمة المحتاجين والوقوف معهم ومعونتهم بكل ما نستطيع حتى لو لم نعرفهم طالما كانوا محتاجين وأننا بذلك سنجد الأجر الجزيل مدخراً لنا عند الله تعالى في الآخرة.. ولا أحد عاقل يسمي خدمتنا لهم بأنها استعباد.. فكيف اذا خدمنا من كانت لنا بهم صلة.. فهل تكون خدمتنا لكل المحتاجين المسلم منهم وغير المسلم أجر ومثوبة وخدمتنا لمن كانت لنا بهم صلة استعباد؟.. أيها الناس مالكم كيف تحكمون؟.. ومع طرح هذه الفكرة العجيبة التي تستنكرها كل الأديان والفطر السليمة يأتي الحديث عن قيم الإسلام الحقيقية وكأن الإسلام دين بلا قيم ولا أخلاق.. ودين قاس لا يعرف الرحمة ولا يرأف بالضعفاء ولا المحتاجين.. ثم أيها الراوي ألم تلتفت الى أن كلامك هذا تحريضي يحرض كل زوجة تعيش في وضع مشابه أن تتمرد وتثور ضد هذه العبودية المزعومة.. وأن ترفض أي نوع من الخدمة لوالد ووالدة الزوج لأن ذلك استعباد وإذلال لها.. فبدلاً من أن نحثها على الصبر عليهما مع احتساب الأجر والمثوبة عند الله تعالى نأتي ونغرس في عقلهاهذه الأفكار الغريبة على ديننا وثقافتنا. وقد يقول قائل هل يصح أن تتزوج امرأة وتتركها تخدم أهلك وتسافر بعيداً عنها دون أن ترجع اليها لسنوات؟.. هل الإسلام يرضى غيابك الطويل لسنوات عن زوجتك؟.. أكيد الإسلام لا يرضى عن ذلك.. لكن الخطأ هنا هو خطأ الزوج الذي هجر زوجته لسنوات لا خطأ الزوجة.. لأن الزوجة التي بقيت تخدم وترعى والدي زوجها لا يمكن أن نقول عنها أنها أخطأت بخدمتها ورعايتها لهما دع عنك أن نصفها بأنها عبدة وأن وضعها وضع استعباد وعبودية.. فأرجو عدم خلط الأوراق.. أنا ممكن أن أجد لهذا الراوي عذرأ إن هو دعا الزوجات اللاتي غاب عنهن أزواجهن لفترات طويلة قد تكون سنوات أن يرفضن ذلك ويثرن على وضعنهن حتى بطلب الطلاق.. لكن ما هو عذره حين يحرضهن على عدم خدمة الكبار المسنين الضعفاء المحتاجين للخدمة والرعاية.. كان ينبغي عليه مراعاة لقيم الإسلام الحقيقية أن يطالبهن حتى لو انفصلن عن أزواجهن بسبب غيابهم الطويل أن لا ينقطعن عن خدمة هؤلاء المساكين إن كان في استطاعتهن القيام بذلك. لكن يبدو أنَّ الراوي لا يريد من أي زوجة أن تخدم والدي زوجها ولو بالقدر اليسير حتى لا تصير عبدة حسب زعمه ويصير زواجها عبارة عن صفقة استعبادية.. فالذي يميز بين الزواج الشرعي والصفقة الإستعبادية في نظر الراوي هو موقف الزوجة من خدمة والد ووالدة الزوج فإن خدمتهما كانت عبدة وإن امتنعت ورفضت خدمتهما كانت زوجة شرعية.. حيث يفتي الراوي مجدداً:( إنَّ الدين الإسلامي يمنع منعاً باتاً أن تخدم الزوجة أي شخص آخر غير زوجها وأطفالها إلا اذا كان ذلك برضاها هي).. خبرنا بالله عليك أيها الراوي هل يمنع الدين الإسلامي الزوجة أن تخدم والديها هي طالما صارت زوجة؟.. لأنك أنت تقول أي شخص غير زوجها وأطفالها.. وطالما أنَّ الراوي يفتي بإسم الإسلام فما هي أدلته على أنَّ الإسلام يلزم الزوجة بخدمة زوجها وأطفالها؟.. أين وجد هذا الحكم حتى يفتي به؟.. أرجو أن يدلنا على المصادر في كتب الإسلام.. ولأنَّ الراوي ذكر هذه الفتوى وهو يتحدث الى صديقه الذي ترك زوجته تخدم والديه أحب أن أسأله كيف عرف أنَّ زوجة صديقه تخدم والديه بغير رضاها؟.. هل شكت له أم أنه تطوع من تلقاء نفسه دفاعاً عن حقوقها لكي تكون قصته مع صديقه هذا فيما بعد مادة دسمة ممتازة يطرحها في منابر الدفاع عن حقوق المرأة؟.. لكن من لهؤلاء المسنين الضعاف فيدافع عن حقوقهم. ثم تعالوا نستمع مجدداً الى الراوي وهو يستكمل فتواه العجيبة حيث يقول:(ولا يجب عليها أي الزوجة أن تقدم ولو كوب ماء لوالدي زوجها ولكنها إن هي أرادت وفعلت هذا الشيء طواعية فتلك تكون مكرمة وإحساناً منها وليس هناك ما يلزمها).. وطبعاً هذا الكلام حسب الراوي هو رأي الإسلام.. الإسلام الذي يأمر ويحث على مكارم الأخلاق.. الإسلام الذي يحثنا على أن نتأدب مع كبار السن فيقرر لنا أنه ليس منا من لم يوقر كبيرنا.. أي كبير.. الإسلام الذي يأمر ويحث على إكرام ذي الشيبة المسلم.. الإسلام الذي يحثنا على مساعدة المحتاجين مهما كان دينهم.. الإسلام الذي يحثنا حتى على مساعدة الحيوان الأعجم حيث دخلت امرأة النار في هرة ودخلت الجنة امرأة عاهرة لأنها سقت كلباً.. هذا الإسلام في رأي هذا الراوي يكون هذا هو موقفه من خدمة الزوجة لوالد ووالدة الزوج. بالله عليكم تحدثوا بما شئتم من آرائكم واستحساناتكم لكن بعيداً عن الإسلام. المعز عوض احمدانه [email protected]