في بلدٍ تعيشُ فيه عشرات آلاف الأُسر على وجبة طعامٍ واحدة في اليوم ، إن هي وجدتها ، يتعمَّدُ بعضُهُم إشاعة ثقافة "الإحتفال" و تنشطُ شركات ، نعم شركات ، تخصصها الأوحد هُو تصميم و تنظيم الحفلات الباذخة !!.. كان الأمر – بادئَ ذي بدء – مقتصراً على حفلات الزواج ، وقليلاً ، الختان ، ولكن سرعان ما أصبحت ثقافة الاحتفال من الشيوع بحيث لا تكادُ تجدُ مرفقاً خدمياً أو مؤسسةً عامة أو خاصة أو مدرسة أو جامعة أو روضة أطفال ، إلا ولها حفلٌ أو حفلان في السنة .. رياض الأطفال تنظم حفلات "تخريج" .. نعم حفلات تخريج و "بالروب" كمان ، والأطفال الأبرياء نزرعُ في نفوسهم الغضَّة ثقافة الإحتفال الأرعن ، و كثير من أبناء الترابلة في سوداننا هذا أصبحوا يعتادُون الاحتفال بأعياد ميلادهم بكل طقوس الاحتفال الغربية المستوردة ، بما فيها (هابي بيرث داي).. أترى ، يا شيخنا ، أي فصامٍ اجتماعي نصنعُهُ بأيدينا ، بين أفراد مجتمع أغلبُهم يكافحون لتوفير وجبة أو اثنتين في اليوم ، وبين جيران لهم و أقارب يبحثون عن أية مناسبة أو لا مناسبة حتى يحتفلوا ، بمبالغ كانت تكفي – قطعاً – لحل مشكلات كثيرٍ من الفقراء والمرضى و المعسرين، أترى أي فصامٍ نتعهده بين هؤلاء و أولئك؟؟ !!.. أية تربية شيطانية هذه التي يتلقاها مجتمعنا ، و علام الإحتفال في أمة غاية نجاحاتها الفشل سياسيا واجتماعياً و اقتصادياً ؟؟.. حفلات التخريج هذه ، والتي يتم تنظيمها بشكلٍ يراهُ السذج "بديعاً ورائعاً" ، حيث يتقدم الخريج أو الخريجة على نغمات أُغنية ما ، بعضها من أداء "فلانة الخمجانة" ، رقصاً إلى حيث يتسلم "شهادته" .. والخريج أو الخريجة /هذا أو هذه/ لا يذهبان إلى هذا الحفل الباذخ ، إلا بعد إنجاز بعض الطقوس المستحدثة التي تناسب (المقام) ، لعل أهمها "حِنَّة الخريج" ، والذي يذهب بعد ذلك الحفل البهيج ليبقى "في البيت" – إن لم يكن من أبناء أو أقارب (أقمار الدولة) – عالةً على أسرته ، لأنهُ ليس هنالك عمل ، بالطبع !!.. أسئلة كثيرة تقتحم حيرتنا ، عن الجهات التي تقف وراء هذه الظاهرة التي هي قطعاً ليست بريئة و لا هي من قبيل "التطور الطبيعي" في المجتمع .. بل إن المتأمل لا تخطئُ بصيرته ذلك الخيط الخبيث الذي يربط بين هذا و بين "مغادرة" قيمة "التربية" أهداف التعليم بقرار "استثماري" ، و الذي يربط هذين أيضاً بنهوض و تكاثر "الشركات" التي تستثمر في تنظيم الحفلات ، في بلدٍ تبكي أرضه البكر و نيله و أمطاره بحثاً عمن يستثمرها !!! ما كان ينبغي لمثل هذا الأمر أن يمضي هكذا ، دُون أن نوجه سؤالاً بريئاً للجامعات التي لابُدَّ أن حفلات التخريج الراقصة هذه تتم بإشرافها ، و بحضور قياداتها أو ممثلين لها : أين تعلم الخريجون كل هذا "الرقص"؟؟ أهو .. كله مشروع حضاري!! [email protected]