بمناسبة زواج ابننا شريف مجذوب على قمنا بزيارة مدينتنا الحبيبه طوكر وقد اتفقنا انا وبعض افرد الاسره حيث قمنا بايجار عربه صالون لحضور المناسبه وقد سارت رحلتنا بشكل جميل حتى وصلنا الى ال17 كيلو متر التى تفصل طوكرنا من طوكر الوالي الجديده والتى وبالرغم من ظهور اموال تكملتها في اكثر من ميزانيه الا انها ظلت غير مفروشه بالاسقلت حيث اضحى المرور عليها من اصعب مراحل الطريق وليت حكومة السيد ايلا تقوم باكمال رصف هذا الطريق الحيوي خاصة وانها تقوم برصف ازقة في الحواري بمليارات الجنيهات وكفى طوكر الجميله حربا وتهميشا ومنذ ان بدأدت محنة طوكر مع السيد ايلا في السنوات الاخيره اصبحت زيارتها تشكل بالنسبة لي تجديدا لاحزان عميقه وخاصة وانا ابنها الذي نشأ في ربوعها ويعلم تاريخها ومكانتها الساميه فأنا الذي نشأت في الحي السادس الذي شكلت منازلنا ومنازل اهلنا واصهارنا واصدقاءنا غالبية مساكنه على مر التاريخ حيث عشنا اسرا تكمل بعضها البعض فانا وبتلك الخلفيه التى ذكرت هالني مدى الخراب الذي حاق بالمدينه وحينا كنموذج لها فبعد معاناة كبيره تمكنت من الخروج من حوشنا والذي كان أعلى من مستوى الشارع ايام طفولتنا واذا به ينخفض تحت اطنان التراب التى غطت الشارع فاصبح بقدرة قادر ادنى من مستوى الشارع بما يقارب المتر ونصف المتر؟؟؟؟ وعندما وجهت وجهي شطر الجانب الغربي من الشارع والذي كانت تشغله من الجانب الشمالي والى الجنوبي منازل خالنا عبدالله وجدنا الخليفه عثمان وعماتنا مريم وملوك الخ الخ فوجئت بان تلك المنازل قد اضحت اثرا بعد عين ولم يعد فيها مكان يمكن ان ينعق فيه البوم ولكي تعلم ماعاشته طوكر من ايام باذخه قديما اذكر انه عندما تزوج احد اخوالنا في اوائل الخمسينيات قام جدنا الخليفه بتجهيز ذلك المنزل لابنة اخيه العروس فاعاد بناء وصيانة المنزل ثم قام جدنا على ابوعلي بالسفر الى مصر لجلب الاثاثات وقد صادفت زيارته للقاهره مناسبة عرض بعض اثاثات فيللا احدى شقيقات الملك فاروق والتى تزوجت من شاه ايران وعلى عادة ارستقراطية مصر فقد كانت اميرات الاسره الملكيه يمارسن نشاطاتهن الاجتماعيه عبر ((مبرة محمد على)) وهي جمعيه خيريه لارستقراطيي تلك الايام وقامت الاميره المذكوره بعرض بعض قطع اثاث فيللتها بالمزاد العلني لصالح جمعية مبرة محمد على فاشترى جدنا غرفه للحلوس وطقما فخما للمائده كان تركيبه بذلك المنزل الطوكراوي حدثا اجتماعيا ضخما انذاك واذكر انه كان بالمنزل شجرة ليمون ضخمه وضعت تحتها كراسي الخيزران بشكل بديع فتأمل ياهذا حال طوكر تلك الايام حيث كانت ارضيات المنازل تفرش بالاكليم والاكليم لمن لايعلم هي ابسطة منسوجه من الصوف الملون توضع على البلاط كفرشيه ثم توضع السجاجيد الفارسيه والتى كانت تسمى انذاك بالسجاجيد العجميه فوق تلك الاكاليم وبعد ذلك توزع قطع الاثاث الفخمه داخل المكان غرفة كان او صالونا او صاله وانا بالطبع اصف احوال الاسر ذات الوضع الاجتماعي فوق المتوسط ولكن عامة بيوت طوكر كانت نظيفة ومرتبه تتفاوت فخامة وبساطة على حسب احوال قاطنيها كانت المدينه تشرب مياها عذبة صافيه بالمواسير من حوض كرمبت الجوفي عبر قسم المياه بالاشغال كما كانت معظم الشوارع واغلبية المنازل تضاء بالكهرباء والتى كانت توفرها شركة باعبود في وقت لم تعرف فيه معظم احياء بورتسودان خدمات الماء والكهرباء واما مجال الترفيه فالمقاهي الشهيره واندية كرة القدم والانديه الاجتماعيه كنادي الخريجين والعمال والنادي الاهلي ونادي الصبيان كانت ملجأ الناس بالامسيات ولاننسى سينما عمنا عبدالرحمن الخميسي والتى كانت مزودة بمولد خاص كل هذا اضافة الى ليالي السمر والجمعيات الادبيه بالمدارس المختلفه بطوكر ولايمكن ان ننسى الحديث عن دور المساجد وحلقات الدرس والعلم والتى خرجت وعلمت اجيالا اضافه الى زوايا الطرق الصوفيه ولياليها العامره بالذكر ومدينتنا كانت ومازالت تحتضن دلتا طوكر الزراعيه والتى تحيط بطوكر احاطة السوار بالمعصم وموسم زراعتها شتوي حيث تنتج القطن والذره والدخن وانواع الخضروات وخاصة الطماطم والبطيخ الطوكراوي الشهير والمشروع يسقيه خور بركه القادم من المرتفعات الارتريه حيث ينشر طبقة كثيفة من الطمي على الارض التى حرثتها رياح الهبباي في الفتره من يونيو الى نهاية اغسطس حيث يهدا الفيضان اواسط سبتمبر لتبدا الزراعه كان لطوكر فنانوها المغردون بكل لغات المدينه العربيه والبداوييت والتقري والهوسا وغيرها بل وبرع بعض فنانينا في اداء الاغاني الهنديه والتى نشرتها سينما عمنا عبدالرحمن وقد تحدثت سابقا عن دور الاذاعات المصريه والناطقه بالعربيه وخاصة هنا لندن في الحياة الاجتماعيه بطوكر ولم تكن تخلو منازل معظم المتعلمين والمتعلمين هذه تشمل حتى خريجي الكتاتيب والاوليه لم تكن تلك المنازل تخلو من المكتبات الضخمه وغالبيتها كتب ذات طابع ديني وادبي ومن المكتبات التى تتلمذت عليها في اسرتنا مكتبة جدنا الخليفه مجذوب ابوعلي والتى تميزت بمجلداتها الانيقه والتى كتب اسم مالكها على كعوبها بالخط المذهب وكانت تشمل مراجعا في الفقه والعقيده والسنه والدراسات القرانيه اضافة لامهات كتب الادب العربي واذكر اولى قراءاتي في كتاب الحيوان للجاحظ والمستظرف في كل فن مستظرف حيث كانا اقرب الى افهامنا وهناك نموذج اخر لمكتبات تلك الايام وهو مكتبة عمي على عبدالله حيث تميزت باعداد شبه كامله لمجلتي العربي والوعي الاسلامي الكويتيتين اضافه الى الروايات الادبيه وكتب كبار الكتاب كطه حسين والعقاد ومصطفى المنفلوطي ومحمد مندور ولويس عوض ونجيب محفوظ الخ الخ اضافه لمجموعات ضخمه من مجلات المصور واخر ساعه وروز اليوسف وصباح الخير والصياد الخ ا لخ واهم المكتبات كانت مكتبة عبدالرازق فرح وهي توزع الكتب والمجلات اضافة الى ان حركة النقل الناشطه بين طوكر والبورت كانت تسمح بجلب الكتب من مكتبات البورت الشهيره كمكتبة عبدالقيوم والعمودي وجيلاني ووووو ومن اشهر الحفلات الاجتماعيه لنساء طوكر هو محافل ((جمع محفل)) نساء الطريقه الختميه حيث كانت المنافسه مستعره بين زاويتي الهنسيلاب والاشراف اضافه الى مساهمات نساء الطريقه المجذوبيه واما الزار فحدث ولاحرج فطوكر ورثت مدينة سواكن حيث اصبحت عاصمة للزار بعدها وقد تحدثت عن ذلك كثيرا واما مناسبات الاعراس فقد كانت تستمر احتفالاتها لاكثر من عشرة ايام في اغلب الاحيان حيث تنتشر حفلات البيبوب وهو القفز الايقاعي عصرا والحفلات الساهره مساء وكن نجومها كثر واشهرهم ادم شاش وعبدالرحيم شامي وفنانو طوكر المقلدون لغناء العاصمه وساتحدث بشكل منفصل عن تفاصيل العرس البجاوي انذاك خاصة وانه قد بدا في الاندثار الان وايضا كان لمناسبات الحج والعمره برامجها الفنيه الصاخبه اذ تنصب الهيوبنيت ومعناها المرجيحه تحت راكوبة ضخمة عاليه تعلق داخلها العناقريب والتى تصل احيانا الى اكثر من خمسة ادوار وتجلس فيها البنات وهن يرددن اهازيج الهيوبنيت كقولهن ((اللاي اللاي هفدويا ))ومعنا يالله يالله احفظه ويعنون الحاج وهي اهازيج جميله ذات الحان خفيفه كما ان زينة الهيوبنيت من الداخل تتكون من الستائر والمفارش ومن الخارج تغطى بالبروش الملونه بالودع والقواقع والمراءات وريش النعام وغير ذلك وتستمر الاحتفالات حتى عودة الحجيج وكان مجتمع طوكر مهتما لماتم الزعماء المحليين اذ تتبع الجنائز مسيرات النساء وهن يرددن مناحات متعدده تسمى التركويت وهن يلبسن ملابس المرحوم ويتقلدن باسلحته وتقوم تلك المسيرات باغلاق المرافق العامه بمايشبه اعلان الحداد الان وبعد ذلك ينصب الكبور في عرض الشارع والميادين ويضبط الايقاع بقدح خشبي يكفي في طشت ممتلئ بالماء وينقر عليه بعصا غليظه بينما تتولى ضبط الايقاع مساعدتان من كل جانب بالنقر على الصفائح وتقفز النساء على ذلك الايقاع وهن يلطمن خدودهن وصدورهن ومناحات الكبور متعددة اللغات تمجد المرحوم واهله واذكر انني شاهدت كبور جدنا مجذوب وكان الشعراء والشاعرات يجلسون قرب قائدة الكبور وهن يحفظنها المناحات واغلبها وليد اللحظه ولا انسى خالتى زينب عثمان وهي شاعرو بجاوية مجيده كانت تؤلف المناحات اثناء الكبور وعمي على يؤلف مناحات لكبور اخر والغريب ان عمنا على غلام __والد صديقنا الاستاذ ازهري غلام___ وهو من اصول مغربيه كان يؤلف مناحات الكبور بالبجاويه ويمكن ملاحظة مناحاته ومناحات عمنا على بمشاركة الكلمات العربيه فيها والتى تدل على تعلم ناظمها وكانت هناك مناحات كبور باللغه العربيه على ايقاعات كبور البجا الفتها الشاعره المجيده فاطمه شنقراي وقد تحدثت عنها في مقال منفصل قبل فتره هكذا كانت طوكر مدينة متحضرة وحديثه في غابر الايام قبل ان تحولها الى اطلال سياسات الانقاذ وواليها حتى لم يبق من مجدها القديم الا اطلال تحكي عظمة بائده نتذكرها نحن ومن سيقونا ونبكي على اطلالها التى نصطبح بها كل صباح تشرق شمسه على اطلالها فنغني باكين والحزن يعتصرنا (((((((( الا عم صباحا ايها الطلل البالي )))))))) [email protected]