٭ توقفنا في الحلقة السابقة من خطاب الرئيس بوتن التاريخي والذي شرح فيه موقف روسيا من الأزمة الأوكرانية، وقد فند هذا الموقف تاريخياً وحاضراً ومستقبلاً، وكيف إنه انصاع للرغبة الأكيدة لشعب القرم والذي صوَّت بأغلبية ساحقة للانضمام للوطن الأم روسيا. ٭ والحق يقال إن روسيا لم تتدخل بالقوة كما فعلت وتفعل الولاياتالمتحدة والتي ما عرف عنها إلا التدخل العسكري في كوريا وڤيتنام وقرينادا وباناما وأفغانستان والعراق والقائمة تطول. وما عرف التاريخ الحديث تدخلاً روسياً في أي شأن داخلي لدولة من الدول. ٭ وهناك أمر دائماً ما تتعمده الولاياتالمتحدة هو محاولة الربط بين الاتحاد السوڤيتي وروسيا، فعن عمد تحاول أمريكا هذا الربط، بالرغم من أن روسيا والمواطنين الروس هم أكبر من عانوا من سياسات الطغمة السوڤيتية. ٭ المواطن الروسي رئيساً كان أم مواطناً عادياً يحب السلام أكثر ما يحب، فهو الذي عانى من ويلات الحرب ما عانى وأكثر من غيره، وأذكر عندما اقتربت قوات الحلفاء من برلين سأل القائد الأمريكي كم يمكن أن نتكبد من الضحايا للاستيلاء على برلين؟ فأجابه الخبراء نحو ثلاثين ألفاً من الجنود، وكان رده إذن دعوا الروس يقومون بتحريرها. ٭ ونعود إلى الخطاب التاريخي للرئيس بوتين الذي ذكر فيه أنه يتفهم لماذا يريد الأوكرانيون التغيير. لقد عانوا الكفاية من السلطات الحاكمة خلال فترة الاستقلال والتغيرات في الرئاسة ورئاسة الوزراء والبرلمان، وحال البلاد كما هو من السوء.. تنازع وصراع على السلطة والثروة والمال وأهملوا ملايين الشعب الأوكراني ولم يكن المواطن العادي مثار اهتمامهم. لم يهتموا بالملايين التي لم تستشعر لها مستقبلاً في وطنها، وقد هاجرت إلى دول أخرى للعمل كعمال يومية. في العام الماضي حصل حوالى ثلاثة ملايين أوكراني على عمل مشابه في روسيا. واستناداً على المصادر فإن مدخراتهم تعادل «02» مليار دولار وهذا يمثل 21% من الدخل القومي الأوكراني. ٭ أنا أتفهم خروج المحتجين في ميدان الاستقلال بشعارات سلمية ضد الفساد وسوء إدارة البلاد وضد الفقر، إن من حقهم الاحتجاج السلمي، بالطرق الديمقراطية والانتخابات وُجدت لتغيير السلطة، لكن هذا لم يكف أصحاب الأجندة الخاصة الذين كانوا يعدون الاستيلاء على السلطة لإيقاف الفوضى، بل لنشر الإرهاب والقتل، العنصريون والنازيون الجُدد وأعداء روسيا هم من أعدوا لذلك الانقلاب. وواصلوا هذا النهج في أوكرانيا حتى اليوم. ٭ هذا النظام الجديد بدأ في إصدار مسودة قانون بشأن اللغة، وهذا يصادر حقوق الأقليات الإثنية. وانصاعوا في اللحظة للممولين الأجانب لأولئك الذين يدعون أنهم سياسيون، إن المراقبين للأحداث الأذكياء يدركون تماماً أنها محاولات لبناء دولة أوكرانية خالية من أية إثنية أخرى. ومسودة القانون وضعت جانباً، ولكنه حفظ للمستقبل. هذا إلى جانب أننا وبكل وضوح نرى نوايا أولئك العنصريين في ترديدهم لشعارات بانديرا المؤيد لنازية هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. ٭ من الواضح أن في أوكرانيا عدم وجود سلطات تنفيذية، ولا أحد يستطيع مخاطبة أحد. والكثير من الادارات الحكومية استولى عليها المسلحون، ولكنهم لم يستطيعوا التحكم في البلاد. وأنا أركز على هذه النقطة أن الذين يديرون منشآت الدولة هم تحت نفوذ وأمر الراديكاليين. ٭ وفي بعض الحالات يجب أن تأخذ تصريحاً من المسلحين في الميدان لمقابلة وزراء معينين في الوزارة الحالية.. هذه ليست طرفة إنما حقيقة واقعة. ٭ الذين عارضوا الانقلاب هُددوا بالقتل، ومن الطبيعي أن يكون سكان القرم في مقدمة المعارضين. سكان القرم المتحدثون بالروسية على ضوء هذه الأحداث وسكان القرم الآخرين مع سيفاستوبل توجهوا إلى روسيا للدفاع عن حقوقهم وحياتهم لمنع الفوضى التي تعم العاصمة كييف، دويتسك وخاركوف ومدن أوكرانية أخرى. ٭ ومن الطبيعي أننا لا نستطيع ترك الفوضى تتمدد، وأننا لا يمكن أن نترك القرم وسكانه للمصير المشؤوم. إن هذا خيانة عظمى من جانبنا. ٭ أولاً أننا ملزمون بخلق الظروف التي بموجبها يعيش أهل القرم، ولأول مرة في التاريخ يعبرون بسلمية عن مستقبلهم. وما نسمعه من زملائنا في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية وما يقولونه أننا نخرق القانون الدولي. أولاً أنه من الجيد أنهم أخيراً تذكروا أن هناك شيئاً يسمى القانون الدولي. ثانياً والأكثر أهمية ما الذي نخرقه بالضبط؟ لقد تلقى الرئيس الروسي الإذن من مجلس البرلمان العالي لاستخدام القوة العسكرية في أوكرانيا. وكما هو معلوم لم يطبق هذا الإذن بعد. إن القوات المسلحة الروسية لم تدخل القرم قط. إنها هناك بموجب اتفاقية عالمية. وحقيقة أن قواتنا هناك تأهبت، وأمر أريد أن يدركه الكل ويعرفه، أننا لم نتعد المحدد لنا من القوات في القرم الذي يعادل «52» ألفاً لأنه لا حاجة لمزيد من القوات. ٭ إن إدارة القرم رجعت إلى الأنموذج المعروف لدى العالم أنموذج كوسوفو، ذلك الأنموذج الذي وضعه زملاؤنا في الغرب بأيديهم في وضع مشابه تماماً عندما وافقوا على فصل كوسوفو عن صربيا، القرم يفعل ذلك تماماً، كوسوفو لم تأخذ الإذن من السلطة المركزية في بلغراد. واعتماداً على المادة في الفصل الأول من قانون الأممالمتحدة محكمة العدل الدولية وافقت على إعلان الاستقلال، كما أن القانون الدولي لا يحتوي على منع إعلان الاستقلال هذا بوضوح وهذا ذكروه هم أنفسهم. ٭ إن الأحداث في أوكرانيا مرآة لما يحدث في العالم منذ عدة حقب، ومنذ أن بدأ القطب الآحادي يتحكم لم يعد في العالم استقرار، لم يعد القانون الدولي نافذاً وقوياً، بل على العكس في حالات كثيرة تم تهميشه، إن أقراننا في الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة يفضلون عدم الالتزام بالقانون الدولي، بل بقانون البندقية، لقد اعتمدوا على حصريتهم واستثنائيتهم بأنهم يمكنهم تقرير مصير العالم، وأنهم على حق طول الوقت. انهم يتصرفون كما يحلو لهم هنا وهناك، إنهم يستخدمون القوة ضد الدول المستقلة يقيمون تحالفات تخدم اهدافهم إن لم تكن معنا فأنت ضدنا لاضفاء الشرعية على عدوانهم انهم يفرضون القرارات اللازمة على المنظمات الدولية، ولعدة أسباب لم تنجح هذه السياسة، ولكنهم ببساطة تجاهلوا مجلس الأمن والأممالمتحدة عموماً. ٭ لقد ضربت بلجراد ولمدة أسابيع، هذا ما رأيته بعيني. وبعد ذلك تم التدخل الحقيقي.. هل كان هناك قرار من مجلس الأمن بهذا الصدد؟ وهل سمح بهذا الإجراء؟ لم يحدث بعدها ضربت افغانستان والعراق وأثاروا بوضوح مجلس الأمن لإصدار قرار بضرب ليبيا. ٭ باختصار فإن لنا من الأسباب ما نعتبر أن سياسة الاحتواء التي طبقت في القرن الثامن والتاسع عشر والقرن العشرين مازالت مستمرة اليوم. انهم باستمرار يحاولون حصرنا في زاوية لأن لدينا وضعاً مستقلاً، ولأننا نحافظ عليه، ولأننا نسمي الأشياء بأسمائها، كما أننا لا ننافق. ولكن هناك حدود لكل شيء. وبخصوص أوكرانيا فإن أقراننا في الغرب قد تخطوا الخطوط، يلاعبون الدب ويتصرفون بعدم مسؤولية وعدم احترافية. بعد كل هذا فإنهم يعلمون تمام العلم بأن ملايين الروس يعيشون في أوكرانيا والقرم حرموا من الحقوق السياسية ولا يرون مستقبلاً، وقد وجدت روسيا في وضع لا يمكنها التراجع عنه، فالضغط على الياي للحد الأقصى يجعله يرتد بصورة عنيفة إلى وضعه الحقيقي يجب ان تذكروا هذا جيداً. هذا بضع ما ذكره الرئيس بوتين والذي عبر به القارات وأثار اعجاب كل من سمعه، وحقيقة أن المواطنين الروس الذين يعيشون في أوكرانيا يعانون من التمييز العنصري والاضطهاد، وقد رصدت محادثة بين رئيسة الوزراء السابقة بوليا تيموشكنكو مع نائب رئيس الوزراء الجديد تقول فيها صراحة إن في أوكرانيا ثمانية ملايين روسي يجب أن تتم إبادتهم بالسلاح النووي، إن الصراع في أوكرانيا صراح عرقي وعنصري يقوده أتباع بانديرا الذي قاد النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية وقتل الآلاف من الأوكرانيين والروس والسوڤييت خدمةً للنازية. ودائماً ما يعتمد الغرب سياسته الاحتوائية للإثنيات والعصبية والتفرقة بين الأعراق، وشعاره في هذا «فرق تسد»!! [email protected]