كان مجتمع شمال البحر الأبيض المتوسط غاية في التخلف والظلامية، حيث كان اللاهوت المسيحي هو الوحيد المسؤول عن إسباغ الشرعية علي الحكام تحت مشروعية (الحق الإلهي)، فالكنيسة هي وحدها التي تختار رئيس الجمهورية في كاتدرائية مدينة رانس الفرنسية، هذا من جهة، ومن جهة أخري كانت الكنيسة الكاثوليكية تعتبر معتقدها ورؤيتها وطريقة فهمها للمسيحية هي وحدها (الأرثوذكسيه) اي الصحيحة، وما عداها فخرافات وأباطيل وذندقه في إطار حربها الدينية مع البروتستانتية، الطريقة التي تولدت من رحم ذات الكنيسه، والتي تدعو لإصلاح العقيده التي افسدتها الكنيسة الكاثوليكية، فبدأ الصراع الديني الدموي الملتهب الذي عانت منة فرنسا ردحآ من الزمن، وكانت النتيجة بزوق العقل العلمي الذي يقول (بموت الإلة)كما قال نيتشة وديكارت وكانط. ومازال هذا التأريخ يلطخ صفحات فرنسا المتقدمه. هذا فيما يخص اوروبا المتطور، أما فيما يخصنا نحن، فجميع الأحداث التي شكلت تأريخ فرنسا، بدأت تعاد بشكل مأساوي في واقعنا الحديث. هناك طايفة الكاثوليك والبروتستانت وهنا طايفة الصوفية والوهابية (القوي الصاعده بقوة)، وكلاهما يدعي إمتلاكه للدين الصحيح(الأرثوزكسي) وما عداه فهو اباطيل وهرطقات. ولكن المواجهة قد بدأت بوتائر متسارعة هذه الأيام، فخطابات التجهيل والضلال التي قام بها الوهابية،والتي إتخزوها برنامجآ وأيديولوجيا (بالمعني الإيجابي للكلمة) هي بمثابة بداية الحرب علي العقائد الفاسدة (كما يتوهم انصار السنة المحمدية)، فالتصدي لخطاب الوهابية يتطلب خطاب مضاد تقوم بة القوي الصوفية. وهذا ماحصل. ما اشبة واقعنا بالأحداث التي سادت فرنسا القرن الخامس والسادس عشر. فبعد الخطابات النارية لكلي الطرفين، سوف ينخرطون في الإنتقال من العنف اللفظي للعنف البدني، وهذا ما يجعلنا نمسك بقلوبنا خوفآ علي الدولة القومية. فليعلم الجميع أن اوروبا القرن السادس والسابع عشر واجهت الوحش الكبير كما قال فولتير، وبدأت عصر التنوير بكتابات جان جاك روسو،جان بول سارتر، وكانظ الذي كتب عن (نقد العقل الخالص). وبدأت في نقد التراث المسيحي بكتابات إراسموس في (نقد العقل المسيحي)، إئذانآ بتدشين تأريخ حديث لأوروبا المتنورة. ومن عجائب التأريخ ان نفس الأحداث ولكن بإختلاف الشخصيات والمسميات والجغرافيا، نفس هذه المفاهيم ظهرت في واقعنا الإسلامي_العربي بإعتبار اننا نتحدث في فضاء محدد صغير. فبدل إراسموس ظهر عندنا أستاذ الإسلاميات بجامعة السوربون،الجزائري محمد اركون متأبطآ مشروعة الضخم(نقد العقل الديني،كيف نفهم الإسلام اليوم)، وفي ذات الصعيد ظهر محمد عابد الجابري استاذ الفلسفة والإسلاميات وبمعيتة مشروع (نقد العقل العربي) وهو بالطبع يقصد نقد اللاهوت الإسلامي، اعزائي الكرام هذا هو نفس المشروع الذي إنطلق في اوروبا مع إيمانويل كانط الذي سماه (نقد العقل الخالص،او العملي). مارأيكم؟ التأريخ بدأ في إعادة نفسة بصورة دراماتيكية.. علينا ان نوقف التيارات المتشددة لكي لا نقع في حمامات دماء عانت منها فرنسا طيلة قرون طويلة، وعندما إنتصر التيار العلمي ضد رجال الدين، اصبحت أوروبا (فقرانة روح) كما قال محمد الحسن حميد. إبراهيم عبدالحكم [email protected]