فالتعديل الذي سيتم بعد إضافة العام التاسع لمرحلة التعليم الأساسي في السودان، لم يأت بجديد، و طالب به عدد من خبراء التربية و التعليم و العديد من المعلمين و المعلمات داخل و خارج السودان، قبل انعقاد آخر مؤتمر للتعليم في السودان، و منذ أن غيرت حكومة الإنقاذ يونيو 1989م نظام السلم التعليمي في السودان من اثنى عشر عاما إلى أحد عشر عاما. فالنظام التعليمي من الأول إلى الثاني عشر ( أساسي و ثانوي) متبع و معمول به و لسنوات في غالبية الدول العربية و عدد من دول العالم عدا السودان. فهذا التعديل جاء تصحيحا لوضع قائم المقصود منه إعادة سنوات الدراسة في السودان إلى اثنى عشر عاما بدلا عن أحد عشر عاما، و بالتالي أصبح التعديل حتميا و ضروريا و واقعا معاشا اقتضته ظروف المرحلة، فكان لا بد من ذلك؛ لمواكبة المستجدات التي طرأت على أنظمة التربية و التعليم حول العالم و الرامية إلى تحديث المناهج الدراسية، و الاهتمام بالإنماء المهني و تطوير الأداء الأكاديمي للمعلمين، و رفع القدرات و تحسين الإدارة المدرسية و تحديثها و تطويرها، و ادخال وسائل التدريس باستخدام التقنيات الحديثة، و تحديث المبنى المدرسي، و الاهتمام بنظافة البيئة المدرسية و الصحة المدرسية، إضافة إلى إشراك أولياء الأمور و أعضاء مجالس الآباء و الأمهات و الاستعانة بهم في ربط المدرسة بالمجتمع المحلي، كل هذا وصولا لأعلى معايير الجودة في التعليم. و في مطلع السبعينيات و في العام الدراسي 1969/ 1970م ، طبقّت وزارة التربية و التعليم السودانية في عهد مايو 1969م، تجربة فريدة و رائدة؛ أدت إلى تغيير نظام السلم التعليمي في السودان ، و تبدو هذه التجربة أقرب إلى نظام التعليم الأساسي و الثانوي - و إن اختلفت المسميات - و الذي يعمل به حاليا في الكثير من الدول العربية و عدد من دول العالم. و تمّ في هذه التجربة الرائدة إضافة سنة دراسية واحدة إلى المرحلة الوسطى - سنة التغيير الأساسية - مهدّت لنظام السلم التعليمي بصورته النهائية ( 6/3/3 ) في عهد مايو 1969م، و كانت سنة التغيير هذه طبقت تحديدا على طلاب المرحلة الوسطى دفعة 1969/ 1970م . و ترتب على تطبيق نظام السلم التعليمي في عهد مايو 1969م الآتي:- 1- أضاف إلى المرحلة الأولية عامين ( 4+2)، و تغيّرت إلى المرحلة الإبتدائية ( 6 سنوات ). 2- قلّص المرحلة الوسطى إلى ثلاث سنوات ( 4-1) ، تغيّرت إلى مرحلة الثانوي العام ( 3 سنوات ). * بعد إكمال مقرر السنة الرابعة الوسطى لدفعة 1969م/1970م أضيفت سنة التغيير الأساسية أو السنة التمهيدية ( عاما واحدا) لتصبح ثالث ثانوي عام لتكمل المرحلة إلى خمس سنوات ( 4+1=5)، و سميت هذه المرحلة فيما بعد الثانوي العام وعدد سنواتها( 3 سنوات ). 3- قلّص المرحلة الثانوية إلى ثلاث سنوات ( 4-1)، تغيّرت إلى المرحلة الثانوية العليا. 4- و على هذا تكون دفعة 1969/1970م أكملت مرحلة التعليم حتى الثانوي بالنظام التالي: ( 4+4+1+3 = 12عاما) أو ( 4+5+3= 12 عاما). و تفسير ذلك الأولية 4 سنوات و الثانوي العام 5 سنوات و الثانوية العليا 3 سنوات. و للتقريب أكثر مقارنة بنظام السلم التعليمي المتبع حديثا مع النظام المتبع في سنة التغيير الأساسية أو التمهيدية في عهد مايو 1969م ( دفعة 1969/1970م). - المرحلة الأولية 4 سنوات حاليا تعادلها الحلقة الأولى من التعليم الأساسي 4 سنوات. - المرحلة الوسطى 4 سنوات + 1سنة ( سنة التغيير ثالث ثانوي عام) = 5 سنوات، حاليا تعادلها الحلقة الثانية من التعليم الأساسي 5 سنوات . - المرحلة الثانوية العليا 3 سنوات ، حاليا تعادلها الثانوية العليا 3 سنوات في النظام الأساسي من التعليم ( 10/11/12). - نظام التعليم للدفعة 1969/1970م في عهد مايو حتى الثانوي العالي ( 9 + 3 = 12 عاما ) حاليا يعادله نظام السلم التعليمي المتبع في مرحلتي الأساس و الثانوي ( الأساسي 1 - 9 ) و الثانوي ( 10/11/12). - و على هذا نكون قد عدنا فعليا إلى نظام السلم التعليمي المتبع في عهد مايو 1969م سنة التغيير الأساسية أو التمهيدية و الذي طبّق على دفعة العام الدراسي 1969/1970م و يعادله نظام التعليم الأساسي المعمول به في الوقت الحاضر. - مجمل سنوات التعليم الدراسية قبل مايو 1969م ( 12 عاما). - مجمل سنوات التعليم الدراسية في عهد مايو 1969م ( 12 عاما). و كما هو معلوم و بعد سنة التغيير أو السنة التمهيدية 1969/1970م ، استقر نظام السلم التعليمي الذي استحدثته وزارة التربية و التعليم في السودان آنذاك ( 6/3/3 ) ، و استمر هذا النظام معمولا به على مدى سنوات مايو 1969م حتى يونيو 1989م ؛ ليعدّل نظام السلم التعليمي في السودان من ( 6/3/3) ( 12 عاما ) إلى ( 8/3) ( 11 عاما). هذا و لم يعرف حتى يومنا هذا ما هي الأسس و المرتكزات و المبررات و الفلسفة التي تم بموجبها تقليص عدد السنوات الدراسية في السودان من ( 12 عاما ) إلى ( 11 عاما) في عهد الإنقاذ يونيو 1989م. و في معرض حديثنا عن تغيير نظام السلم التعليمي في السودان، لابد من الإشارة إلى أن التغيير في نظام السلم التعليمي الذي أحدثته وزارة التربية و التعليم السودانية في مطلع السبعينيات في عهد مايو 1969م، لقي قبولا كبيرا من كافة قطاعات الشعب السوداني ؛ لأنه جاء تغييرا شاملا لمنظومة التعليم في السودان، لم يشهده السودان منذ الاستقلال عام 1956م. و كان توقيت هذا التغيير مناسبا لنا كأمة سودانية رائدة في مجال التربية و التعليم و الخدمة المدنية و من أفضل الدول في محيطنا العربي و الافريقي؛ و أثبت هذا التغيير بما لا يدع مجالا للشك قدرة وزارة التربية و التعليم آنذاك على التغيير عن خبرة و دراية ،و أعطت نموذجا و مثالا للآخرين، فوفقت في اختيار نظام سلم تعليمي رائد، تضمّن مناهج دراسية متقدمة ، شارك في و ضعها و الإعداد لها كوكبة من العاملين في حقل التربية و التعليم من خبراء و معلمين بمختلف تخصصاتهم. و كان لهذا التغيير صدى واسعا في العالم العربي و الأفريقي، ففتح أبواب الإعارة و التعاقد، و استفادت الدول العربية بصفة خاصة من خبرات المعلمين السودانيين، في الإدارة المدرسية، و الإشراف التربوي، و التوجيه الفني، و الخبراء التربويين. و هكذا كان السودان رائدا في مجال التربية و التعليم ، خاصة و أنه في مطلع السبعينيات لم تتشكل الكثير من الدول العربية سياسيا، في الوقت الذي تقدم فيه السودان كثيرا كدولة مدنية حديثة متطورة نالت استقلالها عام 1956م. و باستثناء تجربة دولة العراق الشقيقة في مجال التربية و التعليم لم تسبقنا أي دولة عربية في تطوير التعليم و تحديثه، فالعراق اعتبرته الأممالمتحدة بلدا خاليا من الأمية عام 1982م، ثم أعلنت الأممالمتحدة في عام 1984م أنّ أفضل نظام للتعليم في دول العالم الثالث موجود في العراق ( هذا ما حدث). و أما تجربة التغيير الثانية لنظام السلم التعليمي في السودان، فحدثت في عهد الإنقاذ يونيو 1989م على النحو الآتي:- 1- مرحلة التعليم الأساسي ( 8 سنوات). 2- مرحلة التعليم الثانوي ( 3 سنوات). 3- تم حذف المرحلة الوسطى من نظام السلم التعليمي في عهد الإنقاذ يونيو 1989م. 4- تم تغيير في مجمل سنوات التعليم لتكون ( أحد عشر عاما) بدلا عن ( اثني عشر عاما). 5- عهد الإنقاذ يونيو 1989م ربما يكون النظام الوحيد الذي يطبق نظام السلم التعليمي ( 11 عاما) على الأقل في محيطنا العربي و الأفريقي. و تصحيحا للوضع القائم للنظام التعليمي الحالي في السودان ( 11 عاما )، و الذي أفرزته تجربة الإنقاذ يونيو 1989م، ورد في الأنباء في 21/4/2014م ، و حسب إفادة وزيرة التربية و التعليم بعد لقائها برئيس الجمهورية أعلنت: بأن العام الدراسي القادم 2014/2015م ، سيشهد إضافة الفصل التاسع إلى مرحلة الأساس. و خلاصة القول عن التجربتين لتغيير نظام السلم التعليمي في السودان. أولا:- 1 - صادف تنفيذ نظام السلم التعليمي في مايو 1969م نجاحا لعوامل كثيرة منها: أ/ الوضع الإقتصادي مطلع السبعينيات لم يكن مترديا إلى أدنى مستوياته كما هو الحال الآن في السودان. ب/ حب السودانيين لمبدأ التغيير، و قدرتهم على المبادأة و الابتكار و الإبداع، و اتخاذ القرار في الوقت المناسب،إذا توفرت المعينات و الإمكانيات. ج/ وجود خدمة مدنية راسخة آنذاك؛ أدّى إلى تضافر جهود وزارة التربية و التعليم مع الوزارات الأخرى، فتعاون الجميع؛ لإنجاح مشروع تغيير نظام السلم التعليمي الجديد في البلاد. د/ احترام السودانيين على مر العصور و الأزمان و تقديرهم للمعلم؛ باعتباره رمزا و قائدا و مرشدا و موجها للمجتمع في الريف و البوادي و الحضر. ه/ ظهور قيادات شابة في حكومة مايو 1969م استقطبت الشباب فساهموا بفعالية في بناء الفصلين الدراسيين الخامس و السادس لتكملة مباني المرحلة الإبتدائية. و/ أعداد المدارس و الطلاب قليلة نسبيا و خاصة في الولايات مقارنة بأعدادهم اليوم في الولايات و العاصمة القومية. ز/ تم تأهيل المدارس بداخلياتها في زمن قياسي. ح/ وزارة التربية و التعليم في مطلع السبعينيات كانت محتفظة بقياداتها و بكوادرها و مواردها البشرية من خبراء و إداريين و معلمين، و كان قسم المناهج و مكتب النشر و قسم التأهيل التربوي و التدريب من أفضل الأقسام بالوزارة. ط/ فتح الإعارة و الإنتداب و التعاقد للمعلمين ، كان من أهم عوامل استقرار الهيئات الإدارية و التدريسية بالمدارس، و كانت الفرص متاحة لكافة المعلمين حسب أسبقية التعيين،إلا أن أعدادا كبيرة من المعلمين بدأوا في الهجرة الجماعية لخارج السودان اعتبارا من مطلع الثمانينيات. ثانيا:- حال إضافة الفصل التاسع لمرحلة الأساس في العام الدراسي 2014/2015م، إمكانية التنفيذ و النجاح مرهونة و مرتبطة ارتباطا و ثيقا بأن سياسة التعليم في أي بلد من بلدان العالم، هي سياسة دولة، و ليست سياسة حزب سياسي حاكم أو جماعة أو طائفة، و أن حق التعليم مكفول للجميع بنص الدستور، كما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق، فمن واجب الدولة لإنجاح تغيير نظام السلم التعليمي في السودان الآتي:- 1- إعادة مجمل سنوات التعليم الدراسية في السودان إلى اثنى عشر عاما. 2- تغيير المناهج في مرحلتي الأساس و الثانوي. 3- ضبط معايير اختيار الإدارة المدرسية و اختيار المعلمين. 4- تحسين الوضع المادي و المعيشي لأعضاء الهيئات الإدارية و التدريسية في المدارس الحكومية. 5- تأهيل و تدريب المعلمين مع الإنماء المهني و تطوير الأداء الأكاديمي. 6- تتكفل الدولة بإعاشة وسكن الطلاب مع توفير النقل و المواصلات لطلاب المدارس الحكومية و توفير المكتبات و المعامل و أماكن العبادة و الرياضة و أماكن الشرب و دورات المياه. 7- تتكفل الدولة بإعادة الداخليات إلى مدارس الولايات و إعطاء مدارس الريف عناية خاصة و كذلك مدارس الرحل و تعليم الكبار. 8- تتكفل الدولة بتوفير معينات و مواد الأنشطة المدرسية المصاحبة للبرامج و المناهج المدرسية. 9- عدم الإعتماد على المواطنين ، فالوضع المعيشي الحالي، و ارتفاع الأسعار ؛ يجعل من الصعوبة بمكان مشاركة المواطنين كأولياء أمور أو مجالس آباء و أمهات ، في عملية بناء و تشييد الفصل التاسع بالعون الذاتي كما حدث سابقا. 10- تطبيق نظام السلم التعليمي ( التعليم الأساسي و الثانوي) تكلفته المالية عالية جدا. 11 - تتكفل الدولة ببناء الفصل التاسع في جميع الولايات و العاصمة القومية من الموارد المتاحة للدولة. 12- زيادة الميزانية المخصصة للتعليم في الميزانية العامة للدولة. 13- تتكفل الدولة بتوفير الحراسة و الأمن و السلامة للطلاب داخل المدارس. 14- الاهتمام بنظافة البيئة المدرسية و العناية بالصحة المدرسية و تغذية الطلاب. 15- الاستفادة من تجربة بعض الولايات في إعاشة الطلاب - تجربة ولاية البحر الأحمر -. 16- الاستفادة من خبرات المعلمين السابقين في الإدارة المدرسية و الإشراف التربوي و التوجيه الفني و في التدريس. 17- إعلان العام الدراسي 2014/2015م عاما للتعليم في السودان، على أن تسخر الدولة كافة الإمكانيات، و توجيه الموارد المادية و البشرية و المالية لإنجاح مشروع تغيير نظام السلم التعليمي في السودان. ابراهيم عثمان سعيد عبد الحليم [email protected]