انشغل الأثير الإعلامي أمس بأخبار قرار لجنة التحقيق الخاصة التي استرجعت مبلغ يزيد على (17) مليون جنيهاً من موظفين اثنين من مكتب والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر استغلا نفوذهما فأثريا بالحرام. وبصراحة الصحافة السودانية تستحق نوط الجدارة - بكل جدارة - في تغطيتها وتعليقها على قرار اللجنة الأسئلة في المؤتمر الصحفي قوية وشجاعة.. والأعمدة كانت موضوعية وجريئة وعميقة من رؤساء التحرير كافة والصحفيين أيضاً. لكن مع ذلك في تقديري هناك نقطتان مركزيتان مهمتان للغاية أفلتتا من النظر.. الأولى.. أن لجنة التحقيق العدلية (بسلطات وكيل نيابة الثراء الحرام) ارتكبت خطأ جوهرياً قاتلاً.. القاعدة العدلية الذهبية تنص على أن (العدالة لا تتحقق.. حتى تُرى وهي تتحقق) وترجمتها: (Justice Must Not Only Be Done It Must Be Seen to Be Done) بعبارة أخرى.. أن قيمة العدالة في (رؤيتها!!!) وهي تتحقق.. وهنا يصبح تطبيق العدالة من أجل العدالة غير مرتبط باسترجاع المال المسلوب.. لكني لاحظت ان اللجنة أسست منهج تفكيرها على (استرجاع المال) مهما كلف ذلك.. حتى ولو تسبب في إفلات الجاني من العقوبة.. في منظومة العدالة مبلغ (17) مليار الذي استرجعته اللجنة هو (ضرر فادح).. لكونه ثمناً للإفلات من العقوبة في قضية أبعادها تتصل مباشرة ب(أمانة!!) الحكومة -في نظر شعبها- وليس مجرد موظفيها. في مثل هذه القضايا يصبح (الأقيم) ليس المال .. بل المثال.. أمام نظر الشعب لترسيخ العدالة والمساواة بين الناس.. طالما أن البينة الأولية متوفرة.. فلماذا لا تقطع العملية الشوط إلى أخره عبر منصة القضاء العادي.. فوزارة العدل هي جزء من الجهاز التنفيذي.. والأجدر ان تترك القضية لسلطة أخرى.. سلطة القضاء من باب الإنصاف حتى للمتهمين أنفسهم.. أليس ظلماً أن يقول المتحدث في المؤتمر الصحفي إن المتهمين إذا تركوا للقضاء فستعجز الأدلة عن إدانتهم.. هل معنى ذلك أن القضاء لا يُحال إليه البرئ.. هل منصة القضاء للمذنبين فقط.. هل يعني ذلك أن وزارة العدل حلت محل القضاء في منح صكوك البراءة والإدانة.. هي بذلك تسلب حق القضاء وتفويضه.. النقطة الثانية.. حكاية الإشارة بعبارة (منسوبي مكتب والي الخرطوم) كم عدد العاملين في مكتب الوالي.. أنَّى للشعب أن يعرف من منهم الذي أذنب وسرق؟؟ صحيح اللجنة حاولت تجنب (التشهير) بالمذنبين.. ربما عملاً بقول الرسول الكريم .. (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).. لكنها من حيث لا تحتسب ألصقت التهمة بطائفة أخرى لا علاقة لها بالقضية .. هم كل منسوبي مكتب والي الخرطوم بما فيهم الوالي نفسه.. في تقديري أن ميزان العدالة في السودان في حاجة إلى (ميزان)..إصلاحات باتت مهمة للغاية.. على رأسها تحويل (النيابة) إلى القضاء بدلاً من وزارة العدل.. وفي السودان قبل الإنقاذ كانت سلطات النيابة في يد القضاء.. حان الوقت لإرجاع هذه السلطة إلى القضاء.. ويصبح (وكيل النيابة) هو أول مدخل الخدمة بالنسبة للقضاء.. كما هو الحال في جارتنا مصر.. [email protected] اليوم التالي