السرقة والاختلاس وأكل مال الشعب الذي يراه بعض ضعفاء النفوس أمراً يسيراً؛ أمر كبير في الإسلام. ولكي لا يكون الكلام مجرد طق حنك أورد إليك أحاديث صحيحة من باب فذكر: عن ابن عمر: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم). رواه الجماعة. وفي لفظ بعضهم: (قيمته ثلاثة دراهم). - وعن عائشة قالت: (كان رسول اللّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً). رواه الجماعة إلا ابن ماجه. وفي رواية: (أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً) رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه. وفي رواية: (قال: تقطع يد السارق في ربع دينار) رواه البخاري والنسائي وأبو داود. وفي رواية: (قال: تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً) رواه البخاري. تقطع يد السارق في ربع دينار شرعاً، ونحن ندعي الإسلام ونترك سارق المليارات يمشي بين الناس واثق الخطوة يمشي ملكا،( رحم الله الشاعر ابراهيم ناجي، فما قاله في مختلس)، ماداً لسانه لكل من تسول له نفسه أن يشير إليه بإصبعه أن هذا هو السارق. والعجيب أنه ما زال في رتبة ملازم، في بداية خطواته. يعني عندما يصل رتبة اللواء مثلاً يكون باع السودان وبدأ في بيع الدول المجاورة!.. شر البلية ما يضحك. انتظر الناس حكما يروي غليلهم على الأقل، فخرج إليهم رافع الرأس واسع الخطى، واثقا، ولسان حاله يقول: (يعني ايه ، نرجع أصل المبلغ، والأرباح حلال عليّ). أليس هذا هو الحكم؟ بمناسبة انتظار الناس للحكم وخيبة ظنهم؛ في سبعينات القرن الماضي كان عند كونتميخالوس وهو أحد أثرياء ذلك الزمان كلاب ضخمة في بيته الذي يعمل به بعض أعمامنا. ذهب لزيارتهم يوما وافد جديد من البلد، فعضه أحد الكلاب. أصر صاحبنا أن يشتكي صاحب البيت لينال تعويضا من هذا الثري. يوم النطق بالحكم كانت مجموعة من أصدقائه بالخارج ينتظرونه، علهم يظفرون حتى ولو بوجبة غداء في فندق الواحة.( من أحسن الفنادق في ذلك الوقت). لكنه خرج إليهم يجرجر أذياله، مطأطىء الرأس . قالوا: أها حكموا ليك بكم؟، قال: والله جا محامي قعد يقول موكلي موكلي لامن طلّعني أنا العضيت الكلب، وغرموني عشرة جنيهات! لِمَ يتجرأ المختلسون علينا هكذا؟ إن سبب الثقة والجرأة هو: إنا وجدنا من أمامنا على أُمَّة، وإنا لمقتدون بهم. ماذا فعلوا لمن قبلي؟ ألم يعيدوا مختلس جامعة النيلين إلى وظيفته بعد استرداد أصل المبلغ فاختلس ثانية، ولو ترك سيختلس ثالثة ورابعة، مادام العقاب هو إعادة المبلغ! يعني يختلس ويدوّر المبلغ حتى إذا، (وإذا دي مهمة) اكتشفوه يكون قد ربح أضعاف أضعاف المبلغ المختلس، ويعيد الأصل، بسيطة!! في الجاهلية كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. أما في بلد العجائب فلم نسمع بمن أقاموا عليه حد السرقة! يا ربي يكونوا كلهم أشراف؟..هنا الأشراف لا يسرقون. فكم من شريف يحسبهم الجاهل الغافل الظالم؛ أغنياء من التعفف؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله. خُدعنا ونحن نسمع بإقامة دولة العدل والشرع فقلنا كما قال ذلك التابعي: (من خدعنا في الله انخدعنا له) ولكن إلى متى سيستمر هذا الخداع؟ لم يتبق إلا الصبر والصبر كالصَّبرِ مرٌّ في أوائله... إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.. ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج. عبد اللطيف عبد القيوم [email protected]