ما هي الدولة وما هي قيمة الحكم الوطني، لم يكن المواطن واحتياجاته الهم الأول من دفعتهم السياسة للهروب خارج السودان لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة ممن هربوا بسبب الفقر السودان الذي اجمعوا علي وصفة بأنه سلة غذاء العالم كيف أصبح (بلد الجوع الطارد) من نهب يرتب للهروب ليتمتع بما نهبه ومن نهبت أمواله يرتب الهروب للقمة العيش فمن يبقي في السودان ، خير الشعب بين الانجليز والاستقلال لهتف الشعب ( ليذهب الحكم الوطني لمزبلة التاريخ ) كنت اعلم مسبقا إن ما طالبت به بأن مخرج السودان من أزمته لن يتحقق إلا ، حسم الشعب التكوين الحالي للقوى السياسية من أحزاب طائفية وعقائدية وفرض إرادته حتى يعاد تفاصيل العقار كاملة بناء السودان علي مؤسسات ديمقراطية تحقق للمواطن انه هو صاحب الكلمة وله الحاكمية فوق السلطة وليس عبدا لها وان حقوقه مقدسة لا يعلوا عليها مسؤول مهما بلغ من موقع في السلطة وهو ما لم تحققه و لن مضت هذه القوى السياسية التي أفشلت الحكم الوطني في وأغرقته الانقلابات العسكرية والاستئثار بالسلطة كهدف في ذاته وليس وسيلة لخدمة الوطن والمواطن. فلقد كنت أعلم إن المتهافتين علي مضت هذه القوى سواء عن جهل أو يتعاطفوا مع لمصلحة لن دعوه كهذه ولكن تبقى الكلمة للمواطن الذي سلبته مضت هذه القوى كافة حقوقه والذي جعلت منه السلطة أداة لخدمتها مع إنها هي ليست إلا أداة لخدمته باعتباره صاحب الحق الذي لا تعلو عليه سلطه. والديمقراطية كنظام للحكم تقوم علي مضت هذه القاعدة التي تؤمن علي حاكمية المواطن وما لم يتحقق هذا المبدأ فان المعايير تختل وتفقد الديمقراطية مبررات وجودها ويستأثر بخيرات البلد محاسيب السلطة وليس المواطن ويعم الفساد وتغيب وسائل المحاسبة. ولعل أصدق دليل علي هذا إن السودان عندما كان يخضع لحكم الاستعمار الإنجليزي الذي يسوده حكم ديمقراطي السيادة فيه للمواطن والحاكم ليس إلا أداة لخدمته واحترام حقوقه فان الانجليز وبحكم ثقافة النظام الديمقراطي الذي أولاهم السلطة فإنهم كانوا أكثر التزاما بحقوق المواطن ولم ينصبوا أنفسهم ملاك للبلد ومواطنيها بل إن يل حقوق المواطن هي التي تحكم لأنها مقدسة عندهم. لهذا فان السودان لم يشهد المحسوبية والفساد واحتكار منسوبي السلطة لخيرات البلد من حكام ومحاسيبهم خصما علي المواطن إلا في عهد ما سمى زورا بالحكم الوطني، و والغريب انه لم يشهده في عهد الاستعمار. وتستحضرني بهذه المناسبة واقعة لها أكثر من دلالة تؤكد على هذه القيم التي تحكم الديمقراطية. فلقد اطلعت علي مستندات كانت بطرف رحمة الله عليه استأذنا الراحل بشير محمد سعيد التي تحصل عليها في لندن بعد أن أفرج الانجليز علي المستندات السرية الخاصة بفترة حكمهم للسودان لانقضاء خمسين عاما كما ينص عليها القانون وكان الأستاذ بشير يعدها لإصدار مذكرات عن تلك الفترة ولا ادري مصير مضت هذه المذكرات بعد رحيله دون أن يصدرها. مضت هذه المستندات كنت قد تحصلت علي صورة منها إلا أنها إحترقت في الشقة بالقاهرة تحكى إن الحاكم العام للسودان تلقى فى مطلع الخمسينات خطابا من حزب الأمة يطلب من الانجليز دعم حزبه ماديا لمواجهة الحزب الوطني الاتحادي الذي يطرح برنامج حدة وادي النيل والذي يتلقى دعما ماديا غير محدود من الحكومة المصرية إلا إن الحاكم العام اعتذر لهم بحجة أنه لا يملك السلطة لذلك وانه مقيد بأوجه صرف لا يحيد عنها وتحت إصرار السيد الصديق المهدي رحمة الله عليه فلقد أراء تصويت السفر للندن وطلب من الحاكم العام آن يرتب له مقابلة والمسئولين بانجلترا و بالفعل سافر وتم له مقابلة و وزير المالية إلا إن وزير المالية أخطره بكل صراحة آن هذا المال هو مال المواطن وإنهم كحكومة حافظة لهذا المال لحسابه و ليس من أولويات أوجه صرفه في غير الإغراض التي خصص لها لهذا فان الحكومة لا تملك الانجليزية آن تدفع جنيها خارج ما حدد له بأمر المواطن الذي يمثله برلمان يعبر عن حقوقه وأوجه صرف أمواله ولكنه أشار للسيد الصديق بأنهم يقدرون الموقف وأنهم سوف يقدموا لهم مساعدات غير مباشرة عبر المشاريع الزراعية وقد كان. هكذا وبهذا الفهم والالتزام بالقيم الديمقراطية كان الانجليز في إدارتهم للحكم في السودان أكثر رأفة بالمواطن السوداني رغما عن أنة مستعمر لأنهم عاملوه كما يعاملوا المواطن الإنجليزي امتثالا للعقلية التي تحكم علاقتهم بالمواطن كسلطة الإنجليزي مما أمن للمواطن السوداني يتمتع بحقوقه الأساسية إن مساواة تامة إلا أنه افتقدها بمغادرتهم وأيلولة السلطة للحكم الوطني القائم على هذه القوى السياسية التي تنصب نفسها سيداً على المواطن وليس خادما له. لهذا وبالرغم مما يحسه المواطن من تعاطف مع الإستقلال وإيمانا به هدفا وطنيا إلا إن الواقع الذي عاشه المواطن طوال فترة الحكم الوطني والذي ظل يتقدم من سيء لأسوأ حتى بلغ حاله اليوم فان هذا المواطن لو خير بين الانجليز والحكم اليوم الوطني لهتف بأعلى صوته ( يذهب الحكم الوطني لمزبلة التاريخ وعائد عائد يا استعمار) ولا للاستقلال حتى تعاد صياغته علي النحو الذي يقدس حقوق الوطن والمواطن.مما يطرح سؤالاً هاماً رغم مرارته: كيف للانجليز (الكفار) أن يكونوا أكثر رأفة بالمواطن من الحكام المسلمين بعد أن تولوا الحكم الوطني لستين عاما؟ فالانجليز هم الذين أسسوا الخدمة المدنية وحياديتها واستقلاليتها عن السلطة السياسة لتامين قيمة الجنيه السوداني والحقوق المتساوية للمواطنين وهم الذين أرسوا مجانية العلاج والتعليم وساووا بين كافة مناطق السودان من عنصريات وجهويات واديان مختلفة بحيث يحكم كل منها بإدارة علي رأس كل منها محافظ بالتعاون مع الإدارة الأهلية للمنطقة دون آن يتلقوا عائدا ماديا وتحت إشراف سلطه تنفيذية قوامها ضباط البلديات الريفية والمجالس دون إرهاق لميزانية الدولة كما وضعوا الضوابط المالية عبر مؤسسات حكومية ليس فيه ثغرة لتسرب المال العام في غير ما خصص له أهمها وزاره الأشغال والنقل الميكانيكي والمخازن والمهمات ومؤسسات أخرى لا يسع المجال ذكرها ولقد تناولت مزايا مضت هذه المؤسسات في ضبط والمال العام في حلقات سابقة وهناك الكثير مما أرسى قيمه الانجليز لا يسع المجال ذكره. ويا لها من مفارقة ففي عهد الحكم الوطني ولىنه قائم علي هذه المؤسسات الحزبية التي لا تعبر أو تخضع لصاحب الحق المواطن فان ما حققه السودان من ديمقراطية زائفة شكلا وموضوعا وما شهده من إقحام للجيش ضمن مضت هذه القوى المتصارعة لكسب للسلطة بالقوة فان المواطن افتقد كل ما أسس له الانجليز من نظام عادل محكم والذي قام علي المساواة بين المواطنين و احترام المواطن وتحقيق العدالة بينهم. المفارقة الغريبة ولعل الأكبر هنا إن كل من النظام الديمقراطي الزائف وفترات الحكم العسكري عرفت برلمانات سميت بالوطنية إلا أنها مثلت فيه تمثيلية كبري خادعة علي أنها مؤسسات ممثلة للشعب وللمواطن مع إنها لم تخرج عن كونها مؤسسات خاضعة للقابضين علي السلطة من بيوتات طائفية حريصة علي مصالحها الضيقة من المنتفعين معها لهذا فا السودان لم يشهد في كل الحالات برلمان مضت هذه صادق يمثل الشعب و المواطن حيث آن ايا منها لم يحدث أن تناول بالبحث هموم المواطن بغرض الحسم لحماية ما تمتع به المواطن في عهد الانجليز وما انتهى النهى حاله تحت الحكم الوطني الوهم الذي لم يعرف سيادة المواطن وحقوقه. ولعل هذا من الموضوعات التي كانت تستوجب علي الحادبين علي الوطن والمواطن أن يجروا الدراسات حول مضت هذه المفارقات للوقوفعلي الاسباب التي أضاعت ما أسسه الانجليز من قيم العدالة تحقق والمساواة بين المواطنين وعدم توظيف المال لغير ما يعود بالمصلحة للمواطن وتحت أمرته حيث أصبحت الدولة هي طبقة حكام يعيشون في رفاهية خصما علي حساب المواطن وإفقاره حيث افقدوه كل حقوقه. صدقوني أنه لو جرت دراسة ولهذه المفارقات بين الحكم الوطني وفترة المستعمر لتكشفت حقائق لا يصدقها عقل وهذا ما سأتناوله في الحلقة القادمة والأخيرة. فما تعرض له الوطن من جهة وتعرض له المواطن من جهة ثانية يجعل من الاستقلال والحكم الوطني كارثة حلت بالسودان. فهل للاستقلال من هدف عير صيانة الوطن واحترام حقوق المواطن فكيف يكون الموقف منه، إذا اخفق في حق كليهما. مضت هذه قضايا كان من الواجب آن تكون المحور الاول لادعياء الوصاية علي الوطن بدلا عن hammoudi الصراع والتكالب من اجل السلطة واقتسامها بديمقراطية مزيفة أو انقلابات عسكرية أو عبر حوار لا مصلحة فيه للشعب إذ ما جدوى حوار لا يخرج عن دائرة المطامع في السلطة ولعلني هنا اكتفى فقط بثلاثة نقاط جوهريه دون الخوض في التفاصيل رغم كثرتها والتي سبق آن تناولتها أكثر من مرة. ا - فلقد تمزق الوطن وانفصل جنوبه ولا يزال يتهدد العديد من التمزق مناطقه بعد أن استغل المتآمرون علي وحدته بقيادة امريكا الذين عرفوا كيف يوظفون hammoudi الصراع علي السلطة بين قيادات الأحزاب لتحقيق مطامعهم فالتجمع الوطني الذي ضم القوى المعارضة من اجل السلطة هو الذي مهد لفصل الجنوب يوم اقر حق تقرير المصير في الجنوب في مؤتمر القضايا المصيرية بأسمرا مما سهل تحالف النظام مع أمريكا في نيفاشا لتحقيق الانفصال للجنوب ولتهديد غيره من المناطق. تحت حاكمية الغرب المتآمر على وحدة السودان وحلفائه الأفارقة من غير الدول العربية التي صنفت بأنها رافضة للانفصال وتقسيم السودان فأبعدت عمداً عن المشاركة 2- تجاهل القوى السياسية بلا استثناء لظروف السودان العنصرية والجهوية والعرقية والدينية منذ رفع علم الإستقلال وعدم حرصها لصياغة وحدته لتتوافق مع التعايش والمساواة بين عنصرياته واعراقه واديانه المختلفة مما دفع الكثير منها بحثا عن حقوقها للتمرد عبر مسيرة الحكم الوطني مما أهدر حياة الملايين من الضحايا منذ عام الإستقلال ولا تزال الدماء تهدر حتى اليوم مما أدي لتشرد أهالي العديد من المناطق مضت هذه للهرب بحثا عن الأمان وسط ظروف لا إنسانية يعيشها اللاجئون من أبناء الوطن داخل أرجائه وخارجه منذ تمرد توريت ومآ تبعه من تمرد حتى الانفصال والذي أمتد حتى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق 3 - السودان أجمع المراقبون علي الذي مستوي العالم بأنه موعود ليصبح سلة غذاء العالم لما يتمتع به من خيرات الوطن هذا وفيرة أصبح (بلد الجوع الطارد) لأهله حيث أصبح يعيش على المعونات المشروطة أما الحديث عن ما لحق بالمواطن وهو الأمر الذي ظل مهملا كما أوضحت لأنه ليس من أولويات القوى السياسية التي ظلت تتجاهله وتتعامل معه كأنه دجاجة تبيض ذهبا لهم كتب عليه أن يكون طوع يدها لهذا بقيت غير معنية بحقوقه منذ عرفنا الأحزاب التي انصب همها في السلطة والصراع والاحتراب من اجلها بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. هذا الواقع الذي عاشه المواطن ولا يزال يعيشه مع تصاعد حاله أكثر سوءا من مرحلة لأخرى يطرح العديم من الأسئلة : 1 - ما هي الدولة وما هي قيمة الإستقلال الوطني والحكم إذا لم يكن المواطن وحقوقه هو الهم الأول له؟ وهل يعقل أن يتغنى المواطن بالاستقلال ويحتفي به وقد حرم تحت مظلته من أهم حقوقه الأساسية وابسط التي تمتع بها أيام الاستعمار؟ 2 - هل يعقل أن تكون خيراته التي تغني بها العالم تنهب باسمه ومن نهبوها يرتبون أوضاعهم للهروب خارج السودان حتى ينعموا بها في أمان ومن نهبت اموالهم من غالبية الشعب العظمى أما هربوا أو يبحثون عن الهروب من اجل لقمة العيش حتى انتشرت سوق تهريب البشر وحتى ارتفعت أسعار الاقامات لدول الخليج أرقاماً فلكية وحتى أصبحت استراليا التي ما كنا نحلم يوما أن يصلها سوداني تعج اليوم بأحياء للسودانيين الهاربين من جحيم البلد. 3- نخطئ، إذا قلنا إن الهاربين من السودان دفعتهم لذلك المعارضة السياسية وهم قلة لا تقارن مع ملايين الهاربين بسبب عجزهم عن لقمة العيش حتى إن خيرة الكفاءات من الأخصائيين في كافة التخصصات من أطباء ومهندسين واقتصاديين بل وزراعيين في بلد زراعي نحسبه وغيرهم أعجزتهم دخولهم من أن يوفروا الحد الأدنى من احتياجات أسرهم الضرورية فتقدموا الصفوف للاغتراب حتى أصبح من المسلمات أنه لم يبق في السودان من لا يبحث عن الهروب خارج السودان للقمة العيش. 4 - هذا الواقع في السودان أفرز اثأرا أخرى سالبة وبالغة الخطورة: أ - فهل بقيت في السودان أسرة آمنة من اغتصاب الأطفال واختطافهم وسرقة أعضائهم وهل هناك أسرة آمنة من عصابات السرقة والنهب علانية في وضح النهار واقتحام المنازل بالقوة ومن كان يصدق إن المساجد أصبحت هدفا للصوص لسرقة أحذية المصلين وموبايلاتهم أي نقود في جيوبهم سواء في أوقات الصلاة أو مناسبات الزواج وهل يمكن أن نصدق السودان يصل أن يقطع لص يد مواطن بساطور ليستولى علي الموبايل بمشاركة شريك له بموتر لزوم الهروب السريع. ب - هبوط القيم الأخلاقية وانتشار كل مظاهر الاحتيال حتى انعدمت الثقة التي كان يتمتع بها المجتمع السوداني وإذا كان الفساد المالي يمكن محاسبة مرتكبيه واسترجاع ما نهبوه منه فكيف تسترد القيم التي انهارت والتي فرضتها ظروف الحياة القاسية حتى فاضت المايقوما بالأطفال مجهولي الهوية ناهيك عن الكم الهائل الذي تفترسه الكلاب مع انتشار المخدرات في أوساط حتى المدارس الثانوية والجامعات. مكابر من ينكر آن حياة المواطن أصبحت مستحيلة ما لم يكن من المحاسيب فهو عاجز عن توفر القليل من الحد الأدنى الذي تحتمه الضرورة رغم المظاهر الخادعة التي تشهدها بعض أحياء العاصمة هذا، كان المواطن نفسه وجد تفاصيل العقار كاملة فرصة أرسل مهما قل شأنه حيث إن غالبيته عاطلة ومن وجد تفاصيل العقار كاملة فرصة العمل فان ما يحققه من دخل لا يحقق القليل من احتياجاته الضرورية من سكن وليس الترفية وتعليم وعلاج وإعاشة ومواصلات وخدمات مياه وكهرباء ولا داعي للحديث عن الجبايات. ولكن هل عرف السودان عن مضت هذه القوى السياسية التي تتصارع من اجل السلطة سواء بالحرب أو امتلكت الحوار في أي يوم سواء كانت في فترة حكم أو معارضة الشجاعة لان تدرس الحد الأدنى وتقيم من الضروريات للمواطن والتي حرم منها حتى تقف علي مرفق مع المعاناة وما أفرزته من سلبيات في المجتمع لتضع الحلول لها حتى لم يعد حكرا علي التسول المشردين وحدهم وإنما أصبح ملاذا لأسر ضاقت بها سبل العيش. ولعلني هنا أحكي واقعة كنت طرفاً فيها في حفل زواج في أحد الأندية وكنت ضيفاً فيه عندما شهدت مسؤول أمن الحفل يمنع رجلا يصحب زوجته وأولاده الأربعة من الدخول لصالة الحفل فاتجهت نحو رجل الأمن وعاتبته علي هذا المسلك بحجة أنه لا يعرف ضيوف الحفل من الجانبين ولكنه رد علي بعنف وقال لي ( أنت لا تعرف هذا الرجل يأتي بأسرته كل يوم لصالات هذه المنطقة من أوائل الضيوف من اجل وجبة العشاء وانه يغادر الحفل بعد الوجبة منتدى البرامج ) وحيرني إن الرجل نفسه صمت عن التعليق ولم أعرف ما أقوله غير الانسحاب من الموقف. الحالة المرحلة النهائية التي شهدتها في حفل زواج أحد أقاربي بإحدى الصالات رجلا فوق الستين من العمر يبدو عليه الوقار ولكنى رايته يحزم جلبابه حول وسطه ويفرغ ما تبقى من أطعمة في الجلباب فتجمع حوله بعض الشباب من عما ل المحل يحاولون إفراغ ما جمعه فعاتبتهم علي مسلكهم فاستقبلني الرجل بابتسامة وقال لي ( ده بكفي أولادي أسبوع) فكم يا ترى تشهد الصالات سلوكيات كهذه من الذين أجبرتهم ظروف المعيشة ألا يستحوا عن هذا المسلك وللضرورة أحكام. إذن هو واقع مؤسف ولكن المؤسف أكثر هل الأحزاب السياسية التي تصطرع علي السلطة سواء عندما تتربع علي عرشها أو تعارض من اجل العودة إليها هل أولت اهتمامها بهذا الواقع يوما ورصدته ودرست مرفق مع المعاناة حتى يكون هذا محور اهتمامها خروجا علي المألوف. وهل حدث أن أولى من يدعون أنهم يمثلون المواطنين من نواب البرلمانات المتعاقبة أن ناقشوا يوما هذه القضايا ووقفوا علي الحد الأدنى المطلوب للأسرة ليتوفر لها تغطية احتياجاتها وحفظ كرامتهم أم أنهم قصروا نيابتهم للحصول علي مخصصات النيابة من سيارات ومرتبات وتوفير لاحتياجاتهم هم عبر المنظمات التي تكون لخدمة مضت هذه الفئات المميزة من السلطة. وهل أولت جمعية المستهلك هذه القضية اهتمامها وأجرت دراسة وإحصائية للحد الأدنى من احتياجات المواطن للوقوف علي مرفق مع المعاناة والتصدي لحماية المظاليم الذين يمثلون غالبية الشعب السوداني وهل أجرت وزاره الصحة علي دراسة ولتقف الحد الأدنى الذي يتطلب توفيره من مال بغرض العلاج بعدان أصبح العلاج بأموال فوق طاقه المواطن وكم من ضحايا عجزوا عن العلاج ورحلوا وهل لدى الأجهزة المختصة إحصاءات بعدد المواطنين الذين يسكنون بالإيجار وهل الإيجار في حدود الحد الأدنى من الدخل وهل أجرت وزاره العمل دراسة وإحصائية لحجم العطالة من مختلف فئات المجتمع وكم هو متوسط دخل من وجد أرسل وهل أجرت وزاره التربية والتعليم دراسة ولمعرفة ما يتكلفه التعليم لمختلف فئات المجتمع بعد أن أصبحت الأموال طائلة وهل رصدت الأجهزة الحكومية المختصة تكلفة الخدمات الضرورية التى تقدمها الحكومة للمواطن بالمقابل المادي من تكلفة مياه وكهرباء ومآ تتحصل عليه من جبايات منه في مختلف المجالات رغم كثرتها للوقوف علي توافق ما تتحصله مع إمكاناته وهل رصدت هذه الأجهزة ما يتكلفه العاملون في الأمجاد والتاكسي والهايس وغيرها من وسائل المواصلات من التزامات مالية للدولة وهل يتوافق ما تتحصله منهم من رسوم ترخيص وعوائد وجبايات وما يترتب علي ذلك من رفع تكلفة المواصلات العامة علي المواطن حتى تكون في مقدور المواطن وكم هو مرفق مع ما تتقاضاه الدولة من أقساط وجبايات مقابل ما تقدمه من أراضى بالإقساط للمواطنين ومدى توافقها مع دخل المواطن واحتياجاته وهل أجرت أجهزة الدولة أي دراسة وإحصائية لما تلزم بة المواطن دفعه لخزينة الدولة من خدمات وجبايات للتأكد من مقدرته علي تحملها وإلا لماذا تصر علي إن المواطن هو الذي يمول خزينتها وليست هي التي تمول خزينته الخاوية. وأخيرا أهم من هذا كله كيف للسلطة أن تحمل المواطن تبعة مضت هذه التكلفة العالية في الوقت الذي تخصص لمنسوبيها الذين يتمتعون بمرتبات عاليه السكن المجاني والعربات والبنزين والكهرباء والمياه المجانية مع إنها تتقاضى مقابل توفيرها الجبايات من المواطنين أصحاب الدخول وتعفى منها العالية فمن هو الأحق بذلك كانت السلطة لا تميز بين المواطنين وتنحاز لمن هم في السلطة الذين يتقاضون أعلى المرتبات من الدولة بينما تحمل الغبش الذين يتقاضون المرتبات متوسطة أقل والأجور فهل أولى بذلك الوزراء ونواب البرلمان ومنسوبي السلطة أم الفقراء المعدمين. أما أهم واخطر جانب من مسببات المعاناة للمواطن أنه يتقاضى مرتبه وأجره علي قلته بالجنيه السوداني في الوقت الذي يشترى إحتياجاته من السوق المحسوب بالدولار بسبب انخفاض قيمة الجنيه السوداني في مواجهة الدولار مما جعل الدولار مجاراته لسعر من المستحيلات وفى الحلقة القادمة سأقف علي مضت هذه النقطة تحديدا بمزيد من التفاصيل لنرى كيف كان الجنيه السوداني أثر انهيار علي دخل المواطن مع آن الانجليز تركوا هذا الجنيه يساوى دولارين ونصف الدولار فيساوى ولينقلب الحال اليوم تحت الحكم الوطني تسعة ألف جنيه (قديم) أي أصبحت التسعة ألف جنيه سوداني التي كانت تساوى أيام الانجليز (مضروبة في أتنين دولار ونص للجنيه السوداني) تساوى حوالي اثنين ألف دولار أفضل وعشرين يومها إلا أنها أصبحت اليوم تساوى دولارا واحدا فقط (ولا حول ولا قوة إلا بالله) ويبقى السؤال: هل تستحق أي قوى سياسية حاكمة أو معارضة أن تبقى في الحكم وهى تغض الطرف عن قضايا وهموم صاحب الحق والأول والأخير وهل يمتلكون الجراءة لمقارنة الحال أيام الانجليز مع واقع الحكم الوطني لنرى إن كان يحق لنا أن نهلل ونفرح ونغنى (اليوم نرفع راية استقلالنا) وهى في حقيقة الأمر اليوم نبدأ مشوار فقرنا ويسجل التاريخ بؤس حالنا / ويبقى السؤال الهام: ما هي جدوى الحوار الذي يحقق اتفاق رموز الفشل الوطني علي اقتسام السلطة أو عودة الديمقراطية الزائفة أم المطلوب حوار حول مضت هذه الهموم التي يعانى منها المواطن لوضع الحلول الجذرية لها وصياغة دوله مؤسسات ديمقراطية حقيقة وليس افتراء؟ أعود واكرر ولن أمل التكرار لو خير الشعب بين الانجليز والحكم الوطني لشيع الأخير لمزبلة التاريخ. والى الحلقة القادمة والأخيرة