من عاش وعاصر احتفالات النوبة بليلة عاشوراء يدرك ويعلم الطقوس التي كان يمارسها أهل النوبة القديمة (قبل الهجرة المشئومة) من النزول على ضفاف نهر النيل بالأكل وإلقائه في النيل تبركاً وتيمناً بملائكة النهر حسب اعتقادهم وإشعال شعلة على سعف النخيل وتسييره في النيل . إن الاحتفالات بليلة عاشوراء في النوبة القديمة كانت لها نكهتها الخاصة وأعتقد جازماً أن للاحتفال بهذا اليوم له وجهه التراثي الديني المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمولد سيدنا موسى عليه السلام وأمر ربه لأمه بإلقائه في اليم. وهناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أصوله النوبية (من جهة أمه) فالمؤكد تاريخياً ودينياً أنه من بني إسرائيل من جهة والده (آل عمران) وحسب اعتقادي وبعيداً عن كل ما كتب وترسخ في الأذهان عن مكان ميلاده في مصر فالروايات النوبية عن مكان مولده عليه السلام تؤكد أنها كانت في منطقة تسمى اليوم (أمنتجو) على ضفاف نهر النيل في منطقة دنقلة النوبية وتمعن معي في اسم المنطقة في جزأه الأول (أمن) وهي تعني ماء باللغة النوبية وقصة إلقاء سيدنا موسى عليه السلام في الماء والأرجح أنها كانت في نفس القرية والمؤكد أنها التي ولد بها وعاشت فيه أمه (يوكابد) ونتوقف هنا أمام اسم أمه فالمقطع الأول (يو ) تعني باللغة النوبية أمي والمقطع الثاني (كابد) وتعني نوع من أنواع الخبز النوبي. قريباً من هذه القرية تقع قرية أخرى تسمى (نوا) يشتهر بعضاً من أهلها بأعمال السحر والطلاسم ويقال أنهم أحفاد سحرة فرعون الذين فروا بعد أن آمنوا بموسى عليه السلام وأثناء مطاردة جنود فرعون لهم اتجهوا جنوباً فارين منهم وكان اختبائهم في هذه المنطقة بمشورة كبيرهم الذي قال لهم (إن نووجن) بالغة النوبية أي نكن أو نختبئ في هذا المكان ومن يومها استقروا فيها وتحرفت الكلمة (نووجن) إلى كلمة نوا وهو اسم القرية السالفة الذكر. واحتمالية انحدار سيدنا موسى عليه السلام من أصول نوبية تتبين من خلال طلبه من ربه أن يكون أخيه هارون وزير كما ورد في القرآن الكريم في الآيات التالية: ))ويضيق صدري ولا ينطلق لساني فأرسل إلى هارون)) الآية 13 من سورة الشعراء ((وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني إني أخاف أن يكذبون)) الآية 34 من سورة القصص ))ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً)) الآية 35 من سورة الفرقان واعتقادنا أن موسى عليه السلام وبحكم تربيته في بيت الفرعون أنه كان لا يتكلم بلسان قومه من بني إسرائيل بل كان يتحدث اللغة التي تعلمها وتحدث بها في البيت الذي تربى فيه الا وهي اللغة المصرية القديمة ولذلك طلب من ربه الاستعانة بشقيقه هارون ليكون وزيراً له بحكم تربيته وسط أهله من بني إسرائيل ، والدلالة الأخرى على احتمالية أصوله النوبية لون بشرته عليه السلام التي كانت من المؤكد سمراء حيث كانت إحدى معجزاته حين أمره الله سبحانه وتعالى أن ينزع يده فإذا هي تخرج بيضاء والإعجاز هنا لا يتم إلا إذا كانت بشرته سمراء بل هي أقرب إلى السواد حتى تتم المعجزة كما أرادها الله تعالى: ((قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ)) ولا يخفى علينا نحن أبناء النوبة صعوبة إيجاد المصادر أو الوثائق التاريخية التي تؤرخ للنوبة حتى يمكننا الاستناد إليها وهي مختفية بفعل فاعل من الحكومات المتعاقبة في كل من مصر والسودان ولا نعرف لذلك سراً. آمل أن أكون بهذه المشاركة أن أكون أوضحت عن بعض الأسباب التي أراها من وجهة نظري قد تكون مرتبطة باحتفالات أبناء النوبة بيوم عاشوراء، وهي وجهة نظر تحتمل الصواب والخطأ [email protected]