* بمبادرة من مركز الفيدرالية للبحوث وبناء القدرات انطلقت قبل يومين مداولات مؤتمر مكافحة الفساد، تحت شعار (بناء منظومة مؤسسية للنزاهة والشفافية). * غبنا عن المؤتمر لأننا لم نتلق دعوةً لحضوره، علماً أن الصحافة تعتبر من أهم آليات محاربة الفساد في العالم أجمع. * خلال المؤتمر زعم عبد الرحمن ضرار وزير الدولة بوزارة المالية أن الدولة وضعت يدها على مكامن الفساد، وأشار إلى أنهم بصدد تفعيل إجراءات التفتيش المفاجئ لمؤسسات الدولة، سعياً إلى محاربة الفساد بصرامة. * وصف نائب رئيس لجنة الحسبة والمظالم في البرلمان تجربة السودان في محاربة الفساد (بالرائدة).. ونحن نشد على يده، ونقول له: لم تذكر إلا الحقيقة، بدليل أن السودان احتل المرتبة الرابعة في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، بعد الصومال وكوريا الشمالية وأفغانستان. * الفساد عندنا قليل، ونحن رائدون في مكافحته، بدليل أن كل قضايا الفساد التي أثارتها الصحافة مؤخراً لاحقتها أوامر حظر النشر، وتم منع الصحف من تناولها بقرارات عدلية. * تم حظر النشر في قضية القمح المستورد، وفي قضية وكيل وزارة العدل، وفي قضية الأقطان، وفي قضية فساد مكتب والي الخرطوم. * قبل ذلك أثارت الصحافة قضية استيراد مادة (البوليمر) المسرطنة لاستخدامها في ترويق مياه العاصمة، ونشرت تفاصيل تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي حوى معلومات موجعة، وإفادات خطيرة، ومع ذلك قبرت القضية، رغم أن نيابة المال العام فتحت فيها تحقيقاً، واستدعت رئيس تحرير الصحيفة التي نشرت القضية، واستجوبته بصفته شاهداً فيها. * بعدها أثارت (اليوم التالي) قضية فساد (الصنف إمام)، واستعرضت ما حدث لتقاوى مستوردة من تركيا، كلفت الخزانة العامة عشرة ملايين دولار، وتحولت إلى طعام للسوس، فماذا كانت المحصلة؟ * في تقرير أعده الزميل المتميز خالد أحمد للزميلة (السوداني) وصف الأستاذ نبيل أديب المحامي قرارات حظر النشر بأنها تتعارض مع الدستور، وذكر أن حظر النشر يتم بوساطة المحاكم وليس النيابة، وفي القضايا التي تتعلق بالأمن القومي وليس الفساد، وأوضح أن الحظر يصبح مبرراً إذا قُدّم فيه دليل مزيف، أو حوى ما يعرقل سير العدالة. * الجدية في محاربة الفساد ظاهرة، بدليل أن كل من أثيرت حولهم شبهات فساد تم تحويلهم إلى المحاكمة، ووضعوا في غياهب السجون، ولم تصدر ضدهم أي أحكام بالبراءة، كما أن المؤسسات الفاسدة التي تمت إدانة المسؤولين عنها لم تنجح في الالتفاف على قرارات المحاكم إلا بتسويات مريبة، تمت باللجوء إلى التحكيم. * الاجتهاد لمساعدة الصحافة على أداء دورها كسلطة رابعة في محاربة الفساد جلي، بدليل أن المادة المتعلقة بمسؤولية الناشر عما ينشر في صحيفته لم تفّعل إلا في مواجهة صحيفتين فقط، وجهتا اتهامات تتعلق بالفساد لاثنين من منسوبي الجهات العدلية. * محاربة الفساد لا تتم بمعسول الكلام، ولا تنجز بالإنكار وتكميم أفواه الصحافة بأوامر حظر النشر.. بل بإرادة نافذة، تجعل كل من يستحلّ مال الشعب عرضةً للمحاكمة، مثل ما يحدث في إثيوبيا القريبة وفي السنغال وحتى إسرائيل، التي لم ينجُ رئيسها ورئيس وزرائها من المحاكمة عندما طالتهما اتهامات تتعلق بالفسا اليوم التالي