وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسرح المدرسي والاستحضار
نشر في الراكوبة يوم 04 - 06 - 2014


عرض # خرف #
بين القسوة و الدهشة
نجيب طلال
عتبة:
*********
في إطار المهرجان الجامعي، الذي أقيم بفاس، شاركت [ الورشة الجوالة المسرحية ] تحت غطاء كلية العلوم التنموية بولاية الشمال كردفان تمثل الدولة السودانية الشقيقة ) بمسرحية [ خرف] تأليف سيد ع الله صوصل ودراماتورجيا وإخراج ربيع يوسف الحسن بمساعدة عوض بلعياش,
العرض ينطلق بمشهد ثلاث نسوة، يمارسن الاغتسال بالماء،بالتناوب ويستغثن ( يا حسن يا الحسين) بشكل هيستيري، يتأسس لاشعوريا على الميتافيزيقيا، لننخرط (المتلقي) بشكل تلقائي قي علاقة رمزية صميمية حياتية لا تقبل الفصل، في مراسيم التعميد أو طقوس الاغتسال، من معاني وأبعاد الإشارات، والوقفات والهمسات والحركات ، التي تفرضها (تلك) ليتحقق التوازن والتطهير, فمن هنا يفرض العرض دهشته وقسوته علينا، عبر تيمة الماء، الذي يمكن أن يفسره كل واحد حسب تكوينه ورؤيته، وثقافته, لأنه لصيق بالفكر والذهن وطقوس الإنسان، باعتبار أن الماء (هو) الحياة، وبالتالي فالتعميد الذي قامت به النسوة، لا يتجلى في تطهير الذنوب والتقرب أو بمثابة التبرك . أوتبرئة الذات بل إبراز ماهية الماء في قسوته الحقيقية ذات ارتباط بالخير والخصوبة والكوارث ، وبالتالي فالقسوة ، تعد فعلا مسرحيا يتجسد من خلال أشكال قوية وعنيفة ترتقي إلى مستوى الطقوس والشعائر.فهذا التداخل يتجسد أمامنا، لفظيا ويتشكل جسديا، على أساس أن يتحرر(ذاك) الجسد من قيوده وما يحيط به من معوقات واكراهات،مما يظل الماء بكل الدلالات الممكنة،إحدى المرتكزات الضامنة لتحقيق الروح لذاك الجسد الذي يتحرك ويسير بلا معنى، في عالم من المفروض أن يكون له معنى، إن آمن بآدمية الإنسان، وخاصة المرأة، فالمرأة ليست كقضية شخصية، كما يبدو في بداية العرض, بل هي قضية: إنسانية/ قومية بالدرجة الأولى، رغم أن ديباجة العرض (المخرج) تبين أنه منحاز للأنوثة "لن تكتسب اللغة معنىً ما لم تتوشح الأنوثة إزاراً. كما أن المكان نفسه تفتحُ أقواسَه المرأة؛ نحو الذاكرة والتاريخ، وكذا العالم يسلَمَ حين تسلم الأنوثة.
وإن كانت هاته الرؤية لها موقعها في بنية المجتمعات.فالفضاء المسرحي، فضاء محتمل للواقع، وبالتالي فمسرحية ( خرف) في مكوناتها الفكرية والجمالية سعت تطبيق فعل إبداعي [ القسوة] حسب رؤية - أنتونين ارتو- ولكن انطلاقا من أن القسوة حقيقة واقعة، في المجتمع السوداني، فهل حقق ذلك ؟ فالاشتغال بدء بمحاولة تجاوز النص وإلغاء حمولته الدلالية، من طرف الإخراج ؛ مما تم التركيز على الدراماتوجيا، التي حولت النص الذي كان [ مونودراميا] الذي يفرض خطاب الذات للذات .لثلاث شخصيات، والتي تفرض خطاب مخالفا ومتعددا، ولكن هاهنا تم الاعتماد على اللاشعور الجمعي، والذي يترك فراغات، وخاصة أثناء توظيف الخطاب اللغوي، من استعمال وتداخل العامية السودانية ، باللغة الفصحى .وهنا تكمن مهمة الدراماتورجيا في عملية التقطيع والترميم والإضافة والتركيب لملئها، وفعلا تم ذلك، بتركيب ببعض أشعار عاطف خيرى وأمين صديق، لإنجاز بنية خطاب تعبيرى للغة الملفوظة والتلاعب بها من النثر( العامية) للشعر(الفصحى) في فضاء شبه مغلق، ذو مستويين.
1/ مستوى الموت:
******************
يتجسد في خلفية الركح المسرحي ؛ عبر ثلاث تماثيل نسوية كل واحدة في وضعية معينة، ثابتة؛ ، تشكل فضاء مغلقا من زاوية المكان؛ لكي يتحقق التوحد داخل دائرة الذات والأحداث، لآن فضاء الموت تتربص به الحياة، المفعلة والممسرحة في الفضاء الأول، ولكن تلك التماثيل منذ البداية فرضت عدة تساؤلات، ماموقعها في سياق العرض، اشاريا أورمزيا. مادامت غير مفعلة بالفضاء الثاني، ولا تمارس حركيتها الضمنية ، كما يبدو للمتلقي،حسب رؤيته وثقافته, إذ من الصعب استيعاب أنها استعارة لقسوة الموت، والموت قسوة تمارسها الذات ضد الذات، بعد الطبيعة في قوتها الدينامية، بالفضاء الذي يتشكل من ثلاث( ممثلات) نسوة، ويبدو شبه منفصل عن الفضاء الثاني، ولكنه يوحي بالحسية ،اشاريا ورمزيا؛ لدورة مغلقة للحياة ، وذلك لبناء التوحد داخل دائرة الذات المدركة للواقع ، ولا يتحقق هذا إلا بتفسيرموضوع استهلاك الصور الذهنية ؛ المكتسبة؛ والمتجسدة في خلفية الركح، على أساس تحليل وتأطير لتلك الأيقونات، في سياقها الدرامي العام. وهذا لن يتحقق إلا بتحليل وتفكيك:
2/ مستوى الحياة :
******************
معادل للخلفية من حيث المرئي. فالموت الذي تتربص به الحياة ؛ حين تكون موتاً ، أو التداخل الغريب بين الموت والحياة، بحيث هذا التداخل يتقلص ويتلاشى تدريجيا بتمظهر الجسد الذي يعادله[ عمليا] ثلاث نساء حقيقيات، لا أسماء لهن ولاملامح مميزة بينهن، يتحركن في أجواء طقسية كما اشرنا ، كمعادل موضوعي للحياة نفسها، لكي يحصل التوازن المؤدي الى التطهير مادامت الحياة، في جوا نيتها موت فرد (ما) هنا نكون أمام مقاربة دائرية لدورة الحياة، هاته الدورة فالفاعل فيها هل الزمان أم الإنسان؟ فمن حيث التقسيم الذي سلكه المخرج- ربيع يوسف - يتضح أنه تقسيم تعسفي بين المكان( فضاء الموت) والزمان( فضاء الحياة) بناء للإرادة الصارمة والخضوع للضرورة؛ وذلك لتحقيق القيمة الحسية لفعالية( الإنسان/ الممثل) بغية ممارسة فعل القسوة على وضد الذات لتحقق التسامي عبر فعل الإفراغ وتحرير المرجعيات، المتمركزة في الذاكرة. ذاكرة الممثل/ الحياة،
الذاكرة:
*****************
حينما يتم استحضارها،نستحضر التاريخ،عبر مرجعيات محددة ؛ حسب المحكي، حتى أن بعضا منها يصل الى حد التضخيم أو اسطرة الحكي،وبالتالي فالشخصيات الثلاث، تنفجر ذاكرتهن بالتناوب، ولارابط بينهن على مستوى التداول، بقدرما يربطهن، منظومة الواقع القهري والاستبدادي للمرأة، هنا تتجلى إشكالية التعاطف والإقصاء، تعاطف إلى أقصى حد مع- المرأة- من لدن المتحكم في ميكنزمات العرض المسرحي[ المخرج] وان كنا لمحنا سابقا؛ بأن الانحياز للمرأة ؛ انحياز للقضية الإنسانية والقومية، فأكيد أن المرأة هي أس الحياة، انطلاقا من طبيعتها البيولوجية( الأخذ والعطاء) والسيكولوجية( الضعف والخوف) والاجتماعية( الحنان والاحتضان) ورغم ذلك تتعرض لشتى أنواع التنكيل والتعذيب؛ وخاصة المرأة العربية الإفريقية، وبنوع من التخصيص المرأة * السودانية* التي تعيش لحد الآن اكراهات واغتصاب ومعاناة ؛ من الصعب تحملها:كظاهرة(الجلد) أمام الملأ، والتي تعد أقصى الاهانات وتحطيم لكرامة المرأة السودانية، و(الختان) و(الزواج المبكر)الذي يخلف أضرارا نفسية واجتماعية, ولكن الإقصاء والإدانة غير المبررة تجاه[ الرجل] حسب المحكي، يطرح لنا سؤالا جوهريا: فهل الرجل المسؤول الأول عن(موت) الحياة كناية ؟ من الزاوية السياسية[ ممكن] ولكن من الناحية الاجتماعية، بدوره مضطهد ومقموع، لآن الحكي كان متداخلا ومتشابكا، وفي كل فجوة؛ يدين الرجال/ ويصفهم (أشباه رجال)وفي كل وقفة تتردد تارة (الوطن/ الرجال كالذباب) تلتجئ الشخصيات (3) للمنطلق(الماء) يغتسلن ويمارسن اللعب به، ليصبح نوعا من أنواع أشكال المقاومة الايجابية, للجسد الطليق،اعتمادا على شعرية الحركة ؛ والحركات العنيفة ، ولكن تربص الموت في الحياة ؛ تحول الجسد ، الى جسد [ ميتامورفوزي] يتشكل في تشكلات متعددة، يبرز تعبيريا وضعية وحالات القهرالمتسلط ، مما كان جسد( الممثلات) يترنح بصرخات مدوية وهمسية في آن، حسب إيقاع التي تستخدم بطريقة مباشرة للتأثير على الجمهور والاستحواذ عليه ، وذلك لتحقيق الدهشة ، لإنتاج تساؤلات ؛ تعيد صياغة الوجود وماهو موجود في الوجود، وترسيخ قيم إنسانية، متنافية عن القسوة والاضطهاد، عبر خطاب, تشكيلي , مادي , بصري أكثر منه سمعي.وان كان العرض ؛غلب عليه ماهو سمعي، إلا أنه أنتج خطابا بصريا،مذهلا فرض انبهارا ودهشة,الدهشة التي أنتجها الجسد بكل اغر اءاته وتلويناته؛ حاول جاهدا ملامسة التعرية القاسية للصراعات المتأصلة في اللاوعي الإنساني، مما يكون لعب الممثل يحاكي الأحداث التي تعبر عن الفوضى الاجتماعية التامة، حسب تعبير[أرتو] فمن هذالمنطلق كان اللاشعور حاضراو سائدا ؛ عبر شحطات لغوية، ولكن حاملة لدلالات معينة ؛ عن مرارة الواقع ، ومنولوجات تساؤليه تارة وتأملية تارة أخرى، لقضايا عديدة عبّرت عن جوهر الأزمة السودانية،و التفكك والانهيار الذي أصاب الحياة في عمقها. خاصة توالي الأزمات والمحن، منها الاقتتال بين الأشقاء وأبناء الوطن الواحد:حرب (دارفور) التي حقيقة تعد مأساة إنسانية، وأبرز كارثة في الألفية الثالثة، من خلال الاعتقالات و التعذيب، والاغتصاب الجماعي و التشريد الكسرى. والإبادات الجماعية، وكذا حرق القرى، كل هذا وغيره من التنكيل؛ فرض نزوحا جماعيا للنساء والأطفال و تمركز بعضهم حول هوامش المدن الكبيرة، ولجوء بعضهم نحو دولة التشادي, فهذا الواقع المأساوي والمر،الذي عاشته المرأة السودانية، أسقط [ المخرج] في التعاطف المطلق معها، اجل ندين بشدة مثل ها الممارسات اللانسانية، ولكن على مستوى الإبداع ، لامناص من تقديم وإبراز أغلب المؤثرات ، وليس الجزء البارز في الحدث والميل نحوه، مما كان البعد السياسي، في العرض باهتا وغير مؤشر، مما ظل يصرخ بشكل رمزي، واشاريا ناب عنه ،الجسد في ترنحه وهستيريته، من خلال انشطاره بشكل مفاجئ ، واقترابه من التماثيل التي هي (رمز) للموت وسقوطه قربها، ليتحول الموت الى (علامة) بعدما كان لحمة واحدة(أو) جسدا واحدا فكان اكبر، معبر أنه ضد الحرب والتقسيم, إلا إن اللعب بالماء، تحول الى لعب بالنار الذي أصاب البلاد، فتم التعبير عنه بلغة الجسد، بحركات فنية راقصة ، مثيرة للغاية، هي خليط من رقصات (النوبة ورحال النيل الأبيض) كشفت تعبيريا عن كارثة السيول والأمطار، وماخلفته من ضحايا ومآسي قاسية ، لينعرج لمسألة مياه النيل، بشكل خاطف، ليشير أن للماء مكرا وقوة على الشعوب والأنظمة، لآن حرب النيل أتية لاريب فيها ولكنها حرب صامتة، فلو ترصدت الدراماتورجيا لهذا الموضوع، لأعطى للمسرحة رؤية أخرى، ولاسيما أن السودان تعتبر المياه حقا[سياسيا] ولكن المعطيات التي احتشد بها العرض مرسلا معانٍ ودلالات محددة، بما فيها من مواقف وأسئلة وجودية ، مستغلا عملية التداعي الحر،وهذاالاخير يعتبر الأساس في التحليل النفسي, فهنا نكون أمام سؤال عريض:
هل المجتمع السوداني مريض نفسانيا؟
-------------------------------------
إذا كان التمثيل نوع من الإنابة عن المجتمع وواقعه، وبالتالي فالتداعي الحر هو الذي كان سائدا منذ انطلاقة العرض المسرحي، بحيث الشخصيات، أطلقت العنان لأفكارها، وما يخطر ببالها، دونما إخفاء التفاصيل ؛ كيفما كانت قيمتها مؤلمة أو تافهة، لتكشف عفويا عن تجارب وممارسات شخصية، أو وقائع غابرة ، ولكن انغرست في الذاكرة، ولكن بمحاولة تفريغ مافيها؛ ومقاومة جموح الذاكرة، إفراغ الذكريات لمنطقة الشعور، لبسط العديد من المعطيات، وذلك عن طريق الاسترجاع والتذكر، ربما يكون الواقع السوداني أكثرقساوة و مأساوية مما نتصور، وهنا فالتداعي الحر، الذي يدخل في إطار المجاز،لايخص المرأة السودانية لوحدها، بل المجتمع برمته، لآن الأغلب الأعم ممسوس، ومنغمس في المأساة، وان حاول مخرج العرض - ربيع يوسف- إعطاء الأولوية للمرأة ، فهو موقف ظاهري أما الخفي يتمثل أساسا، في محاولة استفزاز ذهنية وثقافة المتلقي، ليدخلنا في متاهات المفاهيم،
علما أن العلاقة بين الذات/الموضوع، تتحدد بعلاقة الخارج المطل على الداخل الحسي ،وهذا الخيط يجعل العلاقة ملتبسة في التفكيك والتحليل إلى حد ما؛ولكن بما أن علاقة الذات بالعالم ، تحمل على الأقل من
الموضوعية ، مما يسمح موضعة مقاربات ، بين العرض المسرحي والواقع الموضوعي؛ وبالتالي فالتداعي الحر الذي أساسا، يتعلق ب[العصابيين] على مستوى العلاج، أو يمارسونه في حياتهم المعاشة، أما توظيفه إبداعيا، يرتبط بالأحلام والواقع السوريالي، لكن استغل التداعي الحر، شكل عفوي،أثناء الاشتغال الدرماتورجي، لكي يتم تطوير وتصعيد الخطاب ؛ لكي يدخل صاحبه في مرحلة [الهذيان] مرورا بالعنوان [خرف] هل الخرف يصيب العصابيين ومدى علائقه بالخطاب اللغوي والخطاب الجمالي/الحركي؟
بداهة الخرف أو[ العته] مشاع ظهوره عند كبار أو الطاعنين في السن، هؤلاء يبدؤون بفقدان الذاكرة؛ التي تصاب يخلل في وظيفتها وانخفاض في القدرة الذهنية بشكل مطرد،مما يظهر خلل في الأحكام واللغة المحكية والتواصلية، وعدم التعرف على أي شيء، والاهم هو: عجزفي أداء المهام البدنية المعقدة،كل هذا يختلف عن التداعي الحر، فممارسه، يصاب بعدم التركيز في موضوع وبالتالي، فالخرف مرحلة متأخرة عن[الهذيان] فالحركات الانفعالية الصاخبة، التي ظلت حاضرة في جسدية الممثلات، تنفي تمظهر[عته/ خرف] رغم أن مشهدا تم فيه تشخيص (عجزة ) يتحركن بشكل آلي، وبصعوبة، إلا أن خطابهن، لايوحي بخرف، بل بهذيان، وهذ ا المفهوم له علاقة بما هو عقلي/ نفسي، يؤدي بانخفاض الوعي وعدم القدرة على التركيز في موضوع واحد ومترابط، وكذا ضعف الذاكرة ، والارتباك وصعوبة في الكلام وصعوبة في فهم الكلام، هذا على مستوى الرؤية، أما من الناحية المشهدية، سعى العرض أن يحقق جوانب من الهذيان؛ وذلك ارتباطا بالمنظور الإخراجي، الذي اشتغل على[مسرح القسوة] ففي أبعاده الفكرية والتطبيقية يتأطر في الدراما النفسية،فمن هاته الزاوية. يقارن [أرتو]المسرح بتجربة الطاعون والآثار التي يخلفها المرض في الجسد، وهذا يعني[ هذيان المريض] الذي ينتج انهيارًا في أماكن جسده، وسياقاته الاجتماعية. هذا ماحاول العرض تبليغه، بحيث واحدة منهن، أصيبت بانهيار تام، وارتكنت الى مصاف التماثيل، إعلانا عن شلل/ موت، أما الأخريين توحدتا بالتماثيل(الموت) بعدما خرجا من مرحلة [الهذيان] التي هي أصلا متضاربة ومفككة ولا عقلانية، خصوصاً مع وجود مظاهر العنف والقهر الاجتماعي، وممارسة الموت البطيء، تجاه الحياة وما يحيط بها، ودخولهما الى مابعده [الهوس] كمؤشرأولي؛ورغم محاولة إخراج الأخرى من منطقة الموت، لكن بدون جدوى،مادامت الروح بدأت تخرج عن جسدها،بشكل انفعالي، وتوثر حاد تبرزه حركات الأقدام عشوائيا، فكانت الدهشة، تزداد بازدياد إيقاع الموت، لإبراز أن الحياة مسلوبة المعنى.
الآ أن قضية [الهذيان] هل هي مسألة فردية أم جماعية؟
ففي العرض[الهذيان] حالة جماعية،ويعد الأكثر خطورة على الجماعة والشعب،لأنه وسيلة من الوسائل الأساس، لتغييبها عن المنطق، لكي لاتكون كيانا مفكرا، مهتما، مراقبا، بالشأن القومي أو المحلي، وهذا مخطط عدة أطراف سواء الحاكمة في السلطة؛ أو في السوق والمال، فكلا الفصيلين، تجدها فرصة سانحة لاستخدام المزيد من أنواع الضغط النفسي،وأساليب متعددة؛ لتجعل من الهذيان (حالة) شبه مستمرة، لتوصل الجماعة إلى غيبوبة طويلة الأمد ، لكي تفقد معها كل شعور بالحاضر, وهذا لم تقدمه لنا المسرحية، ولو اشاريا/ رمزيا، عبر الخطاب اللغوي، ولا بالخطاب الجمالي( الإضاءة) الفوقية المعبرة عن الضغط الفوقي،
وفي هذا المبدأ فالإضاءة، لم تقم بدورها الجمالي والتبئيري، بتقاطع وعناصر الديكور والأزياء
حيث يقوم عمل المخرج على الجمع بينها لخلق لغة
مسرحية جديدة. بدل اللغة الواضحة، الى لغة الإشارة، كما يؤكد[ أرتو] تلك اللغة تتوجه إلى حواس المتلقي ؛وليس إلى عقله فقط. لتحقيق صدمة عاطفية، تسمح له بعقد علاقة مع المخرج نفسه ،
التحول العفوي:
***************
فبدلا من تحقيق علاقة المشاهد بالمخرج، في سياق طرحه الإبداعي والجمالي، حدث تحول عفوي، بحيث العلاقة تمت مع الممثلات، انطلاقا من دينامية خطاب الجسد، في تشكلاته وحركاته الزئبقية والانفعالية، ارتباطا برقصاته، المصاحبة لإيقاعات الخطاب اللغوي، ورغم أن الإخراج، بتصوراته استطاع أن يحرك ويموقع الجسد، فإن دهشة المتلقي؛ أسست دهشتها، من الصدمة الجمالية ، التي أحدثتها[ الممثلات] إذ لا يمكن التفريق أو التمييز جماليا وإبداعيا بين: (بوسي سعيد) و (هاجر عبد المجيد)و(رحاب عبد الرحيم كدار) بحيث هذا الثلاثي، استطاع أن يحقق الدهشة في التشخيص، والدهشة بواسطة تشغيل إيقاع الاهتزاز وهرمونيا الحركات المسرحية بإيقاعية قائمة على التموج والصراخ الصاخب ; والحزين في آن، وكذا الحركات العنيفة، كل هذا من طبيعته يولد التساؤلات المرتبطة بالدهشة، من بينها هل [ الثلاثي] فعلا يعشن عوالم الخرف حقيقة؟
الآ أن الصورة التي سعى عرض[خرف] تقديمها، أن الروح الإنسانية منغرسة في اللاشعور الجمعي و متأصلة في ذاكرة الإنسان، لكن الضغط النفسي والمعاناة الاجتماعية، وقساوة الطبيعة والقائمين على المنظومة الاجتماعية والسياسية في الفضاء الجغرافي، فكائناته أغلبها تعيش شللا وموتا، حقيقيا، مادام الهذيان في بعده الأساس،انتصار الذاتي على الموضوعي، ومن ثمة لا يمكن أنسنة الجسد والروح، وإنتاج حياة بديلة، ففي هاته النقطة: نستشف، بأن المخرج حاول منهجة ، ومسايرة(أرتو)[ المسرح وقرينه] في طروحاته النظرية* لكنه أخفق ، في مناولة القرين، لأنه سقط في البناء الدائري، بحيث العرض انتهى من حيث بدأ(الاستغاثة: يا الحسن ..يا الحسين) وبالتالي، لم يوصل معلومات وأفكار، ولم يكشف عن شخصيات، سواء هامشية أو فاعلة في الحياة المجتمعية، وبالتالي لا تروي قصة أو حكاية، في سياقها صراع، لكي تشير إلى مبدأ أخلاقي أو سياسي أو فكري، وكل هاته المعطيات تندرج أساس في التوجه المسرحي [اللامعقول ] وربما هنا اختلطت الأوراق الفكرية والنظرية عند المخرج، باعتبار أن اللامعقول، تولد من معطف مسرح القسوة ،
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.