تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    بالفيزياء والرياضيات والقياسات العقلية، الجيش السوداني أسطورة عسكرية    دبابيس ودالشريف    أسامة عبد الماجد: مُفضِّل في روسيا.. (10) ملاحظات    مناوي ل "المحقق": الفاشر ستكون مقبرة للدعم السريع وشرعنا في الجهود العسكرية لإزالة الحصار عنها    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    السودان يطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمناقشة العدوان الإماراتي    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    استهداف مطار مروي والفرقة19 توضح    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلقة (2) ماذا قال الوزير جوزيف قرنق للمحاسب لما رأى أن مرتبه أكثر من مائة جنيه (قديم)
نشر في الراكوبة يوم 04 - 06 - 2014

من يصدق إن المواطن كان يضحى بخروف (ستة جنيه) يضحى اليوم بخروف (مليون جنيه)
الجنيه الذي تتكرم به للمتسول اليوم وينظر لك مستنكراً كان يساوى مرتب رئيس الدولة لأكثر من نصف سنة
من سمع من شباب اليوم بمكونات الجنيه من فرطاقة للمليم ثم التعريفة فالقرش والطرادة وأخيراً نصف الجنيه
جنيهنا الذي نحروه في الحكم الوطني كان يساوى 13درهم إماراتي وعشرة ريال سعودي
خلصت في المقالة السابقة إلى أن أخطر ما لحق بالمواطن السوداني تحت الحكم الوطني بعد ما سمى بالاستقلال الذي نحتفي ( بتأبينه ) للمواطن والوطن سنوياً بالخطب والأناشيد خلصت إلى أن ما لحق بالمواطن منه أن حياته أصبحت مستحيلة بعد أن أجهض الحكم الوطني النظام الذي أورثه الاستعمار الانجليزي للسودان والذي أمن به على حياة المواطن رغم حالة الفقر التي يعانيها السودان واعتماده على مصادر محدودة من الدولار والتي تتمثل في صادرات القطن والحبوب الزيتية والصمغ العربي والكركدى وأوضحت أن السبب في ما لحق بالمواطن من معاناة معيشية وخدمية يرجع لعوامل عديدة لم يعرفها المواطن والسودان إلا في عهد الحكم الوطني ولم يكن يعرفها في عهد الاستعمار ولعل أهم هذه العوامل كما وضحت إن المواطن مع قلة فرص العمل المتاحة له وضعف دخله إن وجد عملا فان ما يتقاضاه مقابل جهده يدفع له بالجنيه السوداني مع أنه مجبر ليوفر احتياجاته بما تحسب تكلفته بالدولار الذي ارتفعت قيمته بعشرات الآلاف للجنيه السوداني باعتباره المصدر الأساسي لتوفير هذه الاحتياجات أما مباشرة باستيراده من الخارج أو بطريق غير مباشر حيث تعتمد صناعته المحلية إن وجدت أو مصادر زراعته على استيراد مدخلات الإنتاج بالدولار لهذا أصبحت حياة المواطن أو الأغلبية العظمى من شعب السودان باستثناء منسوبي السلطة والمحاسيب مستحيلة بسبب هذا الارتفاع الجنوني لقيمة الدولار لان قيمة الجنيه السوداني الذي كان يساوى ضعفين ونصف من الدولار فلقد انقلب الحال أو اغتيل عمدا حيث إن الجنيه السوداني الذي كان يساوى دولارين ونصف حتى رحيل الانجليز أصبح الدولار هو الذي يساوى تسعة ألف جنيه سوداني (قديم) مع انه لم يكن يساوى أكثر من أربعين قرشا سودانيا وقد تزداد قيمته عند اطلاع القارئ على هذه المقالة حيث إن قيمته تزداد مابين ساعة وأخرى ( آسف إن استخدمت لغة العملة التي كانت سائدة يومها والتي لم يعرفها أو يسمع بها شباب اليوم فالجنيه السوداني أو بتعبير أدق المرحوم قتيل الحكم الوطني كان يتجزأ لعملة ورقية نصف جنيه تساوى خمسين قرشا ثم عملة ورقية ربع جنيه المشهورة بالطرادة وتساوى خمسة وعشرين قرشا ثم عملة نقدية ريال كبير يساوى عشرين قرشا وريال صغير يساوى عشرة قروش عملة نقدية خمسة قروش الشهيرة بالشلن ثم القرش ويساوى عشرة مليم ثم التعريفة وهى نصف القرش وتساوى خمسة مليم فالمليم وكل هذه العملات متداولة في السوق السوداني قبل أن يوجه الدولار الضربة القاضية للجنيه تحت الحكم الوطني ليصبح الدولار يساوى اليوم اثنين وعشرين ألف جنيه وهى حاصل ضرب اثنين دولار ونصف التي يساويها الجنيه مضروبة في تسعة ألف جنيه ولكم أن تتخيلوا كيف يكون الحال إذن للمواطن الذي يحقق دخله بالجنيه السوداني لنعرف لأي مدى انخفضت قيمته حتى أصبح ضحية حرب غير متكافئة بينه والدولار.ولكم أن تتخيلوا كم يكون تأثير هذا الوضع على قدرات المواطن الشرائية في بلد يتحكم فيها الدولار خاصة بعد أن دمر الدولار الصناعة المحلية والزراعة لان السلعة المنتجة عندما تكمل دورة إنتاجها وترد للسوق حيث تباع بالجنيه السوداني يكون الدولار ارتفع لمستوى لا تعوضه أسعار المنتج الذي يباع بالجنيه السوداني
وقد لا يصدق شباب اليوم إن أجرة التكسي من الخرطوم حتى امدرمان والعكس كانت تساوى قرشين ونص ويا لها من ضجة عندما جاءت الأجرة لخمسة قروش وان الطلب الخاص للتكسي داخل المدينة عشرة قروش وخمسة عشر قرشا من مدينة لأخرى في العاصمة أما الترام الذي قبر وبيع خردة في أوج مجده فلقد كان مشوار الخرطوم امدرمان وبالعكس بقرش واحد ثم قرشين فقط لنفس المشوار أما اليوم إذا حسبنا مشوار الهايس بواحد جنيه جديد فقط فانه يساوى مائة ألف قرش حيث إن الجنيه الجديد هو ألف جنيه قديم والجنيه القديم هو مائة قرش يعنى ارتفعت تكلفته مائة ألف ضعف في حالة القرش وخمسين ألف ضعف في حالة القرشين فهل تضاعف دخل المواطن إن كان له دخل بنفس هذه النسبية
لهذا كان تساؤلي في الحلقة السابقة:
كيف يكون الانجليز الكفار أكثر رأفة بالمواطن من الحكام المسلمين الذين تولوا الحكم الوطني بعد الاستقلال؟
مقارنة بسيطة لو أجريناها لمقارنة ما لحق بالأسعار لمختلف مناحي حياة المواطن بنفس المعادلة أعلاه لشابت رؤؤس شبابنا اليوم ولقتلت الحسرة أجيالنا التي عاشت اغرب مفارقات نصف قرن من الزمان.
ونحن مقبلون على الأضحية بعد أشهر معدودة من يصدق إن المواطن كان يضحى بخروف لا يزيد سعره عن ستة جنيهات قديم و فى العام الفائت 2013 بلع سعر نفس الخروف (الكحيان) ألف جنيه جديد والتي تساوى مليون جنيه قديم طالما إن الجنيه القديم يساوى ألف جنيه جديد ويا لها من مفارقة فالمليون جنيه ما كانت كل خرفان (الزريبة ) في سوق الخراف لو تم بيعها كلها من قبل كل التجار لما بلغت جملة مبيعاتهم هذا المليون الذي دفعه المواطن في أضحية العام الماضي لخروف واحد(وكمان تعبان) وكم يا ترى سيكون سعر الأضحية في العام 2014 بعد أن ارتفع سعر الدولار بأكثر من نسبة خمسين في المائة عن عام 2013.
أما الأغرب من هذا كله من يصدق إن الجنيه الذي يتبرع به المواطن اليوم للمتسول فيثور في وجهه ولا يخفى غضبه عليه لتفاهة هذا الجنيه فهل كان هذا المتسول سيغضب لو انه علم أنة هذا الجنيه كان يساوى ألف جنيه قديم وحتى مطلع الستينات لو إن المتسول تلقى تعريفة لهلل لأنها تكفيه وجبة و وهل يعلم هذا المتسول إن هذا الجنيه الذي أثار غضبه كان يساوى أكثر من مرتب وزير لستة أشهر حتى منتصف الستينات.حيث إن مرتب الوزير لم يكن يزيد عن مائة وخمسين جنيها قديم
وتستحضرني بهذه المناسبة إن رحمة الله عليه جوزيف قرنق والذي عين وزيرا للتجارة فئ ثورة أكتوبر كان يقف أمامي أمام صراف الوزارة لصرف أول مرتب له ولما كامل المحاسب المائة جنيه ولازال يواصل لتكملة ما تبقى من المرتب المائة وثلاثين جنيها فإذا بقرنق يصرخ في وجه المحاسب(ده كله لي أنا وطيب المواطن المسكين ده حيعيش كيف إذا قروش ده كله بشيلوا وزراء.
ترى ماذا يقول قرنق اليوم لو سبحانه تعالى مد في عمره ورأى اليوم الوزراء وما يسموا بالدستوريين يتقاضون مرتبات عشرات إن لم تكن مئات الآلاف جديد التي تساوى عشرات ومئات الملايين بالجنيه القديم بجانب المخصصات أظن من الطبيعي إذن تحت هذا الواقع أن يعجز المواطن عن العيش لتوفر الحد الادنى من لقمة الغيش ناهيك عن احتياجاته الأخرى كما تخوف قرنق يوم كان مرتب الوزير لا يتعدى مائة وخمسين جنيهاً.
ومن كان يصدق والسؤال ليكم بالمغتربين والمسافرين للخليج من يصدق إن الجنيه السوداني كان يساوى 13 درهم أماراتي وعشرة ريال سعودي واثنين ونص دولار أمريكي فانظروا اليوم كم يساوى الدرهم والريال الواحد من الجنيهات السودانية فلو إن مغترباً يومها تقاضى 1300 درهم مرتب شهر وحولها للسودان سيتقاضى مقابلها مائة جنيه فقط ومع ذلك فإنها كانت تكفى أن يستر حاله ويعيش في كرامة حتى لو كان من الذين يستأجرون منزلا فلقد كنت نفسي استأجر منزلا في الصافية على الشارع الرئيسي في مطلع السبعينات بمبلغ 12 جنيها فقط
أجزم بان ما أصاب المواطن السوداني وأفقره وبلغ به حد المستحيل ليفقد أهم ضرورات الحياة حتى انه يهلل لو وجد وجبة بوش من موية الفول التي أصبحت من طموحات شعب قتله الجوع والمرض اجزم بان السبب المباشر لهذا ما أصاب الجنيه السوداني من اغتيال متعمد مع صبغ الإصرار في عهد الحكم الوطني لان المواطن فقد مقومات الحياة والاستقرار بعد أن انخفضت قيمة الجنيه لهذا الحد اللامعقول ولا يزال يعانى ومهدد بمزيد من انخفاض قيمته .
ولكن الذي غيب الحقيقة عن المواطن هذه الخدعة الذكية التي ضللته حيث وجد من نظروا لما أسموه تحرير الاقتصاد السوداني يوم جمعوا الألف جنيه في ورقة واحدة أسموها الجنيه السوداني حتى وفروا للدولار هذا الغطاء الوهمي مما غيب الحقيقة عن المواطن حيث يتم تداول الحديث عن إن سعر الدولار يساوى تسعة جنيهات مع انه في الحقيقة يساوى تسعة ألف جنيه (قديم) لتسهيل المقارنة ولو إن المواطن حسب سعر أي سلعة يشتريها أو خدمة يدفع مقابلها بالعملة السودانية بان (ضربها في الألف باعتبار إن الجنيه الذي يدفعه اليوم يساوى في حقيقته ألف جنيه قديم) لأحيل للإنعاش من فرط المفاجأة والدهشة ولعرف السبب الذي أوصد أبواب الحياة الكريمة في وجهه.
وليمسك المواطن ورقة وقلم ويحصر ما يدفعه من مستلزمات ضرورية بدءاً من فاتورة الكهرباء والمياه الملوثة وما يدفعه مقابل الأطعمة الفاسدة والأدوية منتهية الصلاحية إن وجدت وما تجبيه منه الحكومة من رسوم لا تحصى فى مختلف مناحي حياته ثم ما يدفعه لتوفير اقل وجبة متاحة له ولأسرته ولن أقول ثلاثة وجبات ثم ما يتكلفه من شاي الصباح من لبن وسكر وشاي وان كان له أولاد في المدارس ما يدفعه لهم من مصاريف ومواصلات وفطور ورسوم امتحان التي أعجزت آلاف الشباب وهكذا يحصر كل الضروريات ليحصى ما يتكلفه شهريا ثم (يضرب) في ألف جنيه ليعرف تكلفتها الحقيقية بالجنيه القديم لعرف لماذا أصبحت حياته مستحيلة ولا أدرك إن الجايات أسوأ لأن الدولار في تصاعد مستمر ولابد له أن يهيئ نفسه للصدمة الأكبر غير المتوقعة عندما يقف على الحقيقة المرة لناتج الحكم الوطني
لا أغالى إذا قلت إنها مقارنات تطيح بعقل الإنسان فمن يصدق إن طن الاسمنت كان 12 جنيه حتى منتصف السبعينات وان طن السيخ ثلاثة وخمسين جنيها ويا لها من مفارقة فلقد اشتريت شخصيا في عام76 قطعة ارض بأول مربع في حلفاية الملوك ملك حر ومساحتها 450 متر بمبلغ 200جنيه قديم والتي لو دفعتها اليوم لمتسول لأطاح براسك غاضبا وهذا يعنى إن ما دفعته في عام 2013لشراء خروف الأضحية والذي بلغ مليون جنيه كان يكفى لشراء خمسة قطع بنفس المساحة وليس قطعة واحدة. ويا لها من نكتة فالصباح الذي تولى ذبح الأضحية في 2013 تقاضى مائة جنيه جديد أي مائة ألف جنيه قديم.
واذكر إننا في جريدة نجوم وكواكب في إصدارتها الأولى في أغسطس 78 وفى ثاني عدد للصحيفة تبنينا مساهمة الرياضيين في تشييد دار اتحاد الفنانين بالموردة ويومها لعب الهلال والموردة مباراة ودية متنازلين عن دخلها لدعم بناء دار الاتحاد ويومها حققت المباراة ثمانية ألف جنيه قديم بعد تنازل كل الأطراف وسلمنا المبلغ لإدارة الاتحاد المشرفة على تشييد دار الاتحاد الحالية فماذا تقولون لو قلت لكم أن هذا المبلغ كان يوفر 160 طن سيخ تسليح لان سعر الطن كان 53 جنيها فقط واليوم تعدى طن التسليح سعر الثمانية مليون جنيه قديم يعنى بلغة الحساب ثمانية ألف جنيه الهلال والموردة لو كانت اليوم لما بلغت مساهمة الناديان سيخة واحدة.
وهنا من الطبيعي أن يتبادر إلى الذهن سؤال هام:
هل كان الانجليز حواة حتى يحققوا انجازا كهذا ؟
والإجابة قطعاً لا فالانجليز كانوا فقط واعين وعينهم على المواطن رغم أنهم مستعمرين ولم تكن عيونهم على مكاسب الحكام ومحاسيبهم لهذا أسسوا نظاما اقتصاديا يقوم على تحقيق الموازنة بين عائد السودان من الدولار وبين استيراد ما تحتاجه البلد من الضروريات كأولوية قصوى لتجنب ارتفاع الاستيراد عن العائد من الدولار بما يخل بقيمة الجنيه السوداني باعتباره مصدر الدخل للمواطن حتى تتوازن قوى الجنيه الشرائية مع قيمة الدولار.
لهذا انشأ الانجليز ثلاثة مؤسسات حكومية تقتصر مهمتها على ضبط العائد من الصادر من الدولار والتحكم فيه وضبط الاستيراد بحيث لا يتعدى ما يدفع مقابله العائد من الصادر حتى لا يخل بقيمة الجنيه السوداني وهذه المؤسسات الثلاثة هي بنك السودان كرقيب وجهاز متحكم في أي دولار يرد للسودان عبر أي مصدر ولأهمية هذه المسئولية منح القانون بنك السودان الاستقلالية التامة للبنك منعا لتدخل الأجهزة التنفيذية في مسؤوليته ثم وزارة التجارة للتحكم في دخول أي سلعة مستوردة للسودان بحيث يحظر حتى دخول أي سلعة بدون قيمة حتى لا يكون هناك طلب للدولار خارج الأجهزة الرسمية بعيدا عن بنك السودان ووزارة التجارة وأخيراً مصلحة الصناعة وكانت جزءا من وزارة التجارة وتختص بحماية الصناعة المحلية حيث تملك السلطة في حظر استيراد أي سلعة تصنع محلياً أو تحدد ما يسمى بالكوتة وهى الكمية التي تغطى العجز إن لم يغطى الإنتاج المحلى. الطلب على السلعة
بهذه الضوابط المحكمة بالأطراف الثلاثة فإنها تتحكم في العرض والطلب لضمان قيمة الجنيه السوداني لهذا لم يكن العائد من الدولار يخرج عن توفير المواد الضرورية من قمح وسكر وغيره من ضرورات الحياة والأدوية ثم مدخلات الزراعة والصناعة لترقية الصادرات من جهة لتوفير المزيد من الدولارات ثم تطوير الصناعة المحلية لسد الأبواب تماما أمام استيراد أي سلع تنافس الصناعة المحلية حتى تساعدها للتطور لسد حاجة البلد .
بموجب هذا النظام المحكم فانه لا يمكن لأي جهة أن تدخل أي سلعة من خارج السودان أيا كان مصدرها إلا بتصديق من وزارة التجارة لما يسمى برخصة الاستيراد وبموافقة إدارة الصناعة للتأكد من أن السلع المصدقة ضمن الضرورات ولا تصنع محليا وهذا التصديق لن يكون فاعلا بحيث لا يحق للبنوك بفتح اعتمادات لهذه السلع التي تصدقها وزارة التجارة إلا بموافقة بنك السودان وختمه على الرخصة موافقا على تسخير العملة المطلوبة لاستيراد السلعة وبغير ذلك فان إدارة الجمارك نفسها ملزمة بالا تسمح بدخول أي سلعة مهما كانت غير مستوفية لهذه الشروط وتحمل ختم التجارة وبنك السودان ولم يكن هم الجمارك يومها كما هو الحال اليوم أن تفتح أبوابها لتجار الشنطة والحاويات ليدخلوا أي سلعة طالما تدفع الجمارك وتملا الخزينة بالعملة المحلية فاقدة القيمة لصالح ارتفاع قيمة الدولار كما إن لهذا النظام المحكم سلطات رقابية على التصديقات فهناك قسم رقابة يطوف الأسواق وكل المحلات التجارية وتخضع أي محل تجارى إذا ثبت انه يعرض سلعة مجهولة المصدر القانوني لاستيرادها بغير الطريق الرسمي مما يلزم أصحاب المحلات بالاحتفاظ بمستندات مصدر البضاعة لإثبات الحالة أمام الرقابة. وإلا خضع المحل للمحاكمة
هذا هو النظام المحكم والذي امن التحكم في قيمة الجنيه السوداني بالتحكم في أوجه صرفه وفق الضوابط الاستيرادية ورقابة العملة من بنك السودان وتمتد صلاحيات بنك السودان الرقابية حتى على العملة في حالة السفر والعلاج ووفق الضوابط التي لا تخل بميزان العلاقة بين الدولار والجنيه السوداني .
إذن الكارثة حلت بالجنيه السوداني حتى بلغ أخيرا أن يعجز المواطن ويفقره ويمرضه ويحرمه من ضرورات الحياة بسبب الأخطاء التاريخية التي صدرت عن الحكم الوطني عبر مراحله المختلفة وان كانت أقل تأثيراً في بداياتها حتى كانت الضربة القاضية التي مهد لها نظام مايو يوم اصدر السيد بدرالدين سليمان قرار الدولة بإلغاء رقابة بنك السودان على الدولار حيث بدا الدولار يرتفع بنسبة أعلى من ذلك الوقت بعد أن أصبح متداولا في السوق دون رقابة وليظهر لأول مرة تجار العملة إلى أن بلغ سعره 12جنيها قديم والتي جاء في بيان الإنقاذ لحظة الاستيلاء على السلطة انه لولا الانقلاب فان الدولار سيرتفع سعره لخمسة وعشرين جنيها ولتحقيق ذلك نفذت أحكام الإعدام على رحمة الله عليه مجدي محجوب وآخرين تحت ادعاء النظام محاربة الاتجار في الدولار والى أن وجهت للجنيه الضربة القاضية من النظام نفسه عندما تراجع الإنقاذ عن سياساته لحماية الجنيه والتي بلغت حد الإعدام لمن أدينوا بالعمل فى الدولار عندما اصدر النظام في عهد ولاية السيد عبدالرحيم حمدي لوزارة المالية ما اسماه تحرير الاقتصاد السوداني حيث أحيلت وزارة التجارة والصناعة للمعاش الإجباري بعد أن لم تعد لهما أي مسؤولية في التحكم في الاستيراد للسيطرة على طلب الدولار وليصبح الاتجار بالدولار خارج مؤسسة بنك السودان شرعياً.
وأصبح البلد سوقا مفتوحا لدخول أي سلع أياً كان نوعها حتى المهددة لحياة الإنسان دون أي ضوابط مما ضاعف الطلب على الدولار آلاف الأضعاف عن ما كان عليه الحال ولترتفع قيمة الدولار التي كان النظام قد بشر بأنه إنما جاء ليحمى الجنيه السوداني من أن تبلغ قيمة الدولار 25 جنيها لترتفع قيمته لتسعة ألف جنيه وليس تسعة مقارنة ب12 جنيه يوم استولى الانقلاب على السلطة ومقارنة بالجنيه الذي كان يساوى إثنين دولار ونصف أيام الانجليز مما أدى لإفقار المواطن وإثراء القلة المميزة من سياسة التحرير التي أفرزت طبقة جديدة من الأثرياء من أسماء وشخصيات لم يكن لها وجود في دنيا المال ورأس المال ولا يستثنى من هؤلاء بعض المسئولين ومنسوبي السلطة من الذين استثمروا تحرير التجارة. ورفع رقابة بنك السودان.وكان كل هذا خصما على الأساس الذي امن عليه الانجليز لتوظيف المتاح من الدولار على قلته لسد الاحتياجات الضرورية للمواطن لتوفير وتامين مصالحه من إعاشة وتعليم وعلاج مجاني.
ولعل المفارقة الأكبر هنا إن السودان وبالرغم من انه عرف في عهد الإنقاذ اكتشاف مصادر جديدة للدولار تمثلت في البترول وسوق الذهب إلا إن هذه المصادر لم تغير من الحال لان الطلب على الدولار بعد فتح أبواب السودان للاستيراد بلا ضوابط كان يعمل لصالح وحساب الدولار و خصما على الجنيه السوداني حتى لم يحس المواطن بان بلده عرفت البترول والذهب حتى ذهب البترول وكأنه لم يأتي أصلا بل إن عهده عرف تضاعف تكلفة منتجاته على المستهلك حتى بلغت رفع الدعم عنه لإنقاذ ما لم يعد ممكن إنقاذه من الدمار
لهذا فان ارتفاع الدولار على هذا النحو المجنون أدى بطبيعة الحال لكتابة السطر الأخير لمصادر الدولار وعلى رأسها مشروع الجزيرة والسطر الأخير للصناعة المحلية.
وإذا كان لابد من كلمة أخيرة هنا فان قرارات بنك السودان الأخيرة حول تحجيم تعامل البنوك في الأراضي والعربات فإنها وان مثلت توجها جديدا غير مألوف في عقلية البنك والنظام إلا أنها قرارات لن تجدي لأنها لا تمس جوهر المشكلة والتي يفترض أن يكون بنك السودان بحكم ارثه التاريخي ملم بها هو انه لابد من إعادة الأمور لمكانها الطبيعي إذ لا بد من إعادة القبضة الحديدية لبنك السودان ووزارة التجارة على مصادر الدولار والاستيراد وفق المتاح للدولة من الصادر لسد الاحتياجات الضرورية لإعادة الأوضاع لما كانت عليه لنفخ الروح في الجنيه السوداني وهو أمر ليس صعبا ولكنه بالطبع غير مرغوب فيه لأنه قد يفلس من اثروا زورا من هذه السياسة أو يحرمهم من المزيد من الثراء الفاحش لهذا فأنهم لن يفعلوا ذلك
وليس لي ما أقوله غير:
كان الله في عون المواطن الغلبان من الجاى فهو أسوا كثيرا من اللراح خاصة وان طلاب السلطة من حكام ومعارضة غير مهمومين بجوهر القضية وبالحوار من اجل رفع المعاناة أولاً عن المواطن قبل التكالب على السلطة كهدف قائم لذاته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.