منذ نهاية عهد الخلافة الراشدة وبداية الدولة الأموية انبرى فقهاء للدفاع عن الحكّام وإصدار الفتاوى التي تشكّل غطاءً شرعياً لكل ما اقترفوه في حق رعاياهم من ظلم وقهر واستبداد، مسخّرين علمهم الشرعي ومكانتهم الاجتماعية في توطيد أركان السلطة، وتحذير الناس من الخروج على الحكام وإن أخذوا أموالهم وضربوا ظهورهم، والدعاء لهم ومطالبة الرعية بالسمع والطاعة. وفي قصص التاريخ الكثير من الأمثلة لعلماء السلاطين الذين باعوا دينهم واشتروا دنياهم، فنالوا الحظوة والقرب من السلاطين الذين أغدقوا عليهم من العطايا، فعاشوا في ترف ودعة. وفي عصرنا الحاضر الذي بات فيه العالم أكثر تنظيماً وترابطاً وفق مواثيق دولية تحفظ حق الإنسان في التعبير والعيش الكريم، وهي من صميم ديننا الحنيف، الذي يحرّم الظلم، ويصون الأنفس، ويحضّ على الخير، نجد بعض علمائنا الذين كنا نبجّلهم وندخرهم ليقولوا كلمة الحق ويثبتوا لنا عملاً لا قولاً إيمانهم الراسخ بهذا الدين العظيم، نجدهم خالفوا علمهم وضمائرهم، ووقفوا إلى جانب الظالم ضد المظلوم، يصدرون له من الفتاوى ما يشاء، وينعمون بالتقرب إليه والتكسب من خزائنه، وهو يغدق عليهم من أموال الشعب التي من المفترض أن تنفق في المصلحة العامة لا المصالح الخاصة، في موازاة الصرف على الأجهزة الأمنية التي تقوم بالدور القمعي، فالشيوخ يقومون بدور أخطر باعتبارهم يُلبسون تلك الجرائم غطاء شرعياً. هؤلاء الشيوخ لا يؤرق ضمائرهم قتل أبناء الشعب رمياً بالرصاص، وإلقاء القنابل على الآمنين في قراهم، ولا يسمعون بقضايا الفساد التي يتحدث عنها القاصي والداني، لكنهم يفتون بحرمة سفر الرئيس لأن هناك خطورة على حياته، ويعتصمون لمنع المشير من السفر، لكنه سافر لعلمه بأن تلك الفتوى يقصد بها التقرب إلى الحاكم وليس إلى أحكم الحاكمين، وهي مبنية على نفاق وتزلف، وأنها مفصّلة من علماء ماتت ضمائرهم وباعوا دينهم. هؤلاء العلماء يفتون بجواز الربا لأن الدولة الإسلامية تريد قروضاً ربوية، لكنهم لا يستطيعون الحديث عن حرمة النفس والعرض والمال، حتى لا يغضب ولي نعمتهم. أيها العلماء، الشعب أذكى من أن يحتال عليه المتدثرون بثوب الدين السائرون في ركاب السلاطين، ما عاد الشعب يصدقكم ولا يثق بأقوالكم وهو يرى أفعالكم والرغد الذي تعيشون فيه، وتحدثونه عن الزهد وشد الأحزمة على البطون، لأنكم لستم قدوة حسنة ليحتذي الناس بكم، فهلا فعلتم أنتم أولاً؟ قال بعض الحكماء: (أمير بلا عدل مثل غيم بلا مطر، وعالم بلا ورع مثل أرض بلا نبت). [email protected]