يتمتع السودان بموارد مياه كافية لتنميته وانتشاله من غياهب الفقر الذي غاص فيه ويبحث عن مخرج حيث لا مخرج..!! والسودان من الدول القلائل في العالم التي لا يوجد بها قانون لحماية الثروة المائية، ومن هنا بدأت الكارثة حيث أن إدارة المياه أياً كان نوعها ريفيا أم حضريا لا تنطلق من قانون تعمل وفقه إنما ترك الأمر في هذا السائل الحيوي الهام والحياتي للأفكار المفاجئة «Sudden Thought»..!! ولو تدبرنا الماء لوجدناه منزلاً إلهياً تكفل المولى عز وجل بإنزاله وحفظه، وقد مثل الماء عنصر تحدٍ من المولى عز وجل «أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون» وحتى حفظ الماء كان موضع تحدي «وأنزلنا من السماء ماءً فاسقيناكموه وما أنتم له بخازنين» فيما تقدم نجد أن الماء منزل إلهي تماماً كما القرآن الكريم، والمنزل الإلهي يجب أن ينال من القدسية والاحلال والإيمان التي تؤكد على عظمة المنزل جل جلاله..!! القرآن الكريم يجد منا كل الإجلال والتقديس فهو المعين الروحي للحياة، أما الماء فبالرغم من أنه المعين المادي للحياة إلا أنه لا يعامل معاملة القرآن رغماً أنهما منزلان من مصدر واحد ما فرط في الكتاب من شيء..!! المولى عز وجل تعهد بحفظ الماء لعلمه التام بعجزنا عن ذلك، فكانت المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار وباطن الأرض وسماؤها أوعية الحفظ الإلهي. وأعلم أنني ذكرت أحجام هذه المخازن الإلهية عدة مرات إلا أنني أجد ضرورة في تكرارها عسى أن يكون هناك من مدكر..!! كمية المياه على كوكب الأرض تعادل 1.4 مليار كيلو متر مكعب، 97% من هذه المياه توجد في المحيطات. أما المياه العذبة فتقدر ب 37 مليون كيلو متر مكعب، 75% منها يوجد في شكل جبال وأنهار جليدية، كما أن 8 ملايين كيلو متر مكعب من المياه العذبة مخزنة في جوف الأرض بالاضافة إلى 200 ألف كيلو متر مكعب من المياه العذبة في شكل أنهار وبحيرات. أما المياه المتجددة فيتم تأمينها من الهطولات المطرية السنوية على الأرض وتقدر ب 110 آلاف كيلو متر مكعب يتبخر منها 70 ألف كيلو متر مكعب ويسير نحو 40 ألف كيلو متر مكعب لتشكل الأنهار والبحيرات والمخزون الجوفي، قسم كبير من هذه المياه يتعرض للهدر في المصبات بحيث تذهب ما بين 9 14 ألف كيلو متر مكعب وهي كمية كافية لسكان الأرض لو تم توزيعها بعدالة..!! هذه هي المخازن الإلهية لذلك المنزل الإلهي والذي تحدانا المولى عز وجل بقوله «وما أنتم له بخازنين»..!! مصطلح متعارف عليه عالمياً يسمى بالفقر المائي وقد تم وضع الحد الأدني للفقر المائي بألف متر مكعب في السنة، ومن هذا النصيب تأخذ الزراعة في البلدان النامية 95% هذا اذا اعتبرنا أن الصناعة ليس لها نصيب..!! واذا أخذنا النسب المئوية للبلاد العربية من المياه فإننا نجد أن 35% من العرب يصل نصيبهم من المياه إلى اقل من 500 متر مكعب في العام، إضافة إلى سوء الادارة التي تهدد 50% من هذا النصيب الذي يتسرب عبر شبكات المياه وأعتقد أن هذا الأمر واقع تماماً كمثال حي في السودان وفي الخرطوم العاصمة على وجه الخصوص..!! ومع هذه الصورة القاتمة نجد أن الحاجة الحقيقية للمياه في السودان بلغت في العام 2010 ثلاثين مليارات متر مكعب وفي العام 2020 ترتفع الحاجة إلى 47 مليار متر مكعب أما في العام 2030 فإن الحاجة ستقفز إلى حوالي 60 مليار متر مكعب..!! واذا أردت اختصار الصورة فإن نصيب الفرد من المياه في السودان يقل كثيراً عن نصيب الفرد في القرون الوسطى في اوروبا حيث كان نصيبه يعادل 25 لتراً في اليوم..!! عملت في الهيئة القومية للمياه الريفية وسكان الريف كانوا في ذاك الوقت يمثلون 75% من سكان السودان، ومن المؤسف أن سكان الريف يتحصلون على الماء بنسبة مخجلة حيث لا تزيد عن 4 لترات للفرد الواحد في اليوم، وهذا يؤثر كثيراً على اقتصاد البلد، حيث أن وجود المياه ووفرتها يؤثر إيجابياً على الاقتصاد حيث الثروة الحيوانية تتضاعف بوفرة المياه والرعي كما أن المحاصيل النقدية كالصمغ والذرة وهي محصول إستراتيجي يصعب حصادها لندرة المياه!! إهمال المياه في الريف أدى إلى النزوح إلى المدن وحدثت عملية عكسية حيث تريفت المدن من جراء عمليات النزوح الأمر الذي فاقم أزمة المياه في المدن إضافة إلى ضعف السياسات المائية وضعف إدارتها الذي أدى إلى بلوغ الفاقد من المياه إلى 50% إضافة إلى ضعف التحصيل..!! والسودان من الدول القلائل التي لا يوجد فيها قانون يحمي الثروة المائية رغم أنها من أعظم الثروات وأغلاها. يحدث هذا بالرغم من أن الأممالمتحدة تحث الدول على سن قوانين لحماية الثروة المائية، وقد حدث أن عقدت الأممالمتحدة مؤتمراً في لبنان بهذا الخصوص ودعت اليه البرلمانيين في البلاد العربية لمناقشة القوانين التي تحمي الثروة المائية في البلاد العربية، حضرت وفود البرلمانات العربية بما فيها البرلمان السوداني، كل الوفود التي أتت كانت مستعدة وقدمت تلك البرلمانات ما سنته من قوانين لحماية الثروة المائية وكانوا جميعاً ملمين بالموضوع الحيوي المهم عدا الوفد السوداني الذي لم يحدث أن ناقش مسألة حماية الثروة المائية بقانون، فحضروا المؤتمر وكان ذلك في العام 2006 وحتى بعدها لم تقدم في برلمان 2006 أو الذي أتى بعده هذه المسألة المهمة، واكتفى النواب حينها بنثريات السفرية!!! رغم كل هذا نجد بعض كبار المسؤولين يمارسون زراعة الأوهام، بزرعاة ملايين الأفدنة دون ان يتوفر لديه أهم عناصر الزراعة الذي يمثله الماء..!! حتى إن ذلك اصبح مجال تهكم لدى المزارعين البسطاء، حين زارهم مسؤول من بلدهم وكان يحثهم على الزراعة، فقالوا له ان الموسم الشتوي قد بدأ ونحن لا نجد الوقود الذي يُشغل المضخات، فقال لهم لقد حضرت قبل يومين من دولة كذا النفطية وقد وعدوني بمد السودان بالجازولين بعد شهرين، فكانت الإجابة الأكثر تهكمية على ذلك من أحد المزارعين «طيب خليهم يأجلوا الشتاء شهرين برضو علشان نحصل الموسم الشتوي». نواصل [email protected]